خلال الحرب العالمية الأولى، جمع مجلس في إسطنبول أحد ضباط الجيش العثماني وهو عربي صميم بعجوز ألماني، وكان الحديث في المجلس يدور عن الفروقات الفاصلة في الطبائع بين الشرقيين والغربيين، فسأل الضابط الشاب ذلك الشيخ الكبير عن رأيه في العرب والشرقيين عموماً، فقال له مؤنباً: «يا بني بليتكم عظيمة ومتمركزة فيكم، انتقلت من جيل إلى جيل، كل واحد منكم سياسي! وكلكم عبارة عن مجموعة من بسمارك وغلادستون وسيسل وغيرهم من كبار السياسيين في العالم»، فكان جواب الضابط الشاب «مع الأسف وهو كذلك يا عم»، بعد أن كان مستغرباً من ذلك الطرح في بداية الأمر.
بعد هذا الموقف بعشرين سنة كتب الضابط الشاب مقالاً بعد أن ترك عمله في الجيش واشتغل في الصحافة، ذكر في المقال تلك الواقعة، وذكر معها مشاهداته اليومية في المجتمع والتي تحصل معه مباشرة كونه مشهوراً بين الناس بالعمل في الصحافة والتي لا تخلو من طرافة، وتؤكد جميعها تشخيص ذلك العجوز الألماني، منها إذا ركب في الباص، التفت إليه السائق وسأله عن قضية إسبانيا كيف انتهت، في حين تركت اهتمامه بقيادة الباص منتظراً الإجابة على سؤال في السياسة، يذهب إلى الحلاق فيمسك الشفرة بيده ويتذكر قضية اليابان ويركز على نقاش سياسي يدور عن قدرات اليابان وكيف ستبتلع الصين، وصاحبنا يتملكه الخوف من شفرة الحلاق، يجلس في المطعم فيأتي العامل المسؤول عن تقديم الطعام فيسأله، أستاذ هل من المعقول أن تسكت بريطانيا عن أعمال إيطاليا في الحبشة، يذهب إلى البقال فيمطره بالأسئلة عن موصوليني وهطلر «موسوليني وهتلر» وهكذا في كل مهنة تجد من يتحدث في السياسة، يقول، فذكرت هذه الحوادث لصديقي وزميلي السابق الذي مازال عسكرياً ويعمل ضابطاً في الجيش فضحك، وقال لي «كل ذلك صحيح لكن ما بالك بالضابط إذا اشتغل بالسياسة؟»، فقفزت من مكاني وقلت له: هنا الطامة الكبرى فآخره الموت برصاصة وذكر له أمثلة من التاريخ القريب -في وقتها- وهم ضباط الدولة العثمانية الذين عملوا في السياسة وهم يخدمون في الجيش وكيف انتهوا بالقتل.
كل ما ذكره الكاتب كان في زمن ظهرت فيه بوادر لعمل العسكريين في السياسة، لا أقصد هنا ضابطاً عسكرياً ترك الخدمة العسكرية وتوجه للعمل السياسي فهذا غير اختصاصه ولا ينطبق عليه الكلام، وكثير منهم نجحوا في العمل السياسي كما نجح أطباء في السياسة بعد أن تركوا الطب وغيرهم من أصحاب الاختصاصات الأخرى، والواقع أن ما حصل بعد ذلك كان أفظع حيث ابتدأت موجة الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية وكانت النتيجة أكبر من طلقة أنهت حياة الضابط الذي اشتغل بالسياسة، فعندما يمارس السياسي عمله فإنه يجتهد للوصول إلى الحكم أو للتغيير الذي يريده من خلال العمل السياسي وطرقه المعروفة أما الضابط المشتغل بالسياسة فلا تخطر بباله كل تلك الطرق لأن طريقها طويل وينحصر تفكيره بكيفية استخدام القوة التي خولته إياه مهنته في الوصول إلى الحكم، وكل ما يفعله انقلاب عسكري يوصله وحزبه إلى الحكم.
ثقافة المجتمع السياسية أمر مطلوب لكن اشتغالهم جميعاً بالسياسة فوضى، فالتخصص مطلوب في كل شيء وبه تتقدم الأمم، أما إذا تبنى العسكري نظرية سياسية -أياً كانت- فاقرأ على بلاده السلام وسيكون آخرها رصاصة في رأسه وهذا ما حل بأغلب العسكريين الذين نفذوا انقلابات عسكرية، ورصاصة تسبقها في الدولة التي ستتدهور شؤونها كما أكدت كل التجارب السابقة.
{{ article.visit_count }}
بعد هذا الموقف بعشرين سنة كتب الضابط الشاب مقالاً بعد أن ترك عمله في الجيش واشتغل في الصحافة، ذكر في المقال تلك الواقعة، وذكر معها مشاهداته اليومية في المجتمع والتي تحصل معه مباشرة كونه مشهوراً بين الناس بالعمل في الصحافة والتي لا تخلو من طرافة، وتؤكد جميعها تشخيص ذلك العجوز الألماني، منها إذا ركب في الباص، التفت إليه السائق وسأله عن قضية إسبانيا كيف انتهت، في حين تركت اهتمامه بقيادة الباص منتظراً الإجابة على سؤال في السياسة، يذهب إلى الحلاق فيمسك الشفرة بيده ويتذكر قضية اليابان ويركز على نقاش سياسي يدور عن قدرات اليابان وكيف ستبتلع الصين، وصاحبنا يتملكه الخوف من شفرة الحلاق، يجلس في المطعم فيأتي العامل المسؤول عن تقديم الطعام فيسأله، أستاذ هل من المعقول أن تسكت بريطانيا عن أعمال إيطاليا في الحبشة، يذهب إلى البقال فيمطره بالأسئلة عن موصوليني وهطلر «موسوليني وهتلر» وهكذا في كل مهنة تجد من يتحدث في السياسة، يقول، فذكرت هذه الحوادث لصديقي وزميلي السابق الذي مازال عسكرياً ويعمل ضابطاً في الجيش فضحك، وقال لي «كل ذلك صحيح لكن ما بالك بالضابط إذا اشتغل بالسياسة؟»، فقفزت من مكاني وقلت له: هنا الطامة الكبرى فآخره الموت برصاصة وذكر له أمثلة من التاريخ القريب -في وقتها- وهم ضباط الدولة العثمانية الذين عملوا في السياسة وهم يخدمون في الجيش وكيف انتهوا بالقتل.
كل ما ذكره الكاتب كان في زمن ظهرت فيه بوادر لعمل العسكريين في السياسة، لا أقصد هنا ضابطاً عسكرياً ترك الخدمة العسكرية وتوجه للعمل السياسي فهذا غير اختصاصه ولا ينطبق عليه الكلام، وكثير منهم نجحوا في العمل السياسي كما نجح أطباء في السياسة بعد أن تركوا الطب وغيرهم من أصحاب الاختصاصات الأخرى، والواقع أن ما حصل بعد ذلك كان أفظع حيث ابتدأت موجة الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية وكانت النتيجة أكبر من طلقة أنهت حياة الضابط الذي اشتغل بالسياسة، فعندما يمارس السياسي عمله فإنه يجتهد للوصول إلى الحكم أو للتغيير الذي يريده من خلال العمل السياسي وطرقه المعروفة أما الضابط المشتغل بالسياسة فلا تخطر بباله كل تلك الطرق لأن طريقها طويل وينحصر تفكيره بكيفية استخدام القوة التي خولته إياه مهنته في الوصول إلى الحكم، وكل ما يفعله انقلاب عسكري يوصله وحزبه إلى الحكم.
ثقافة المجتمع السياسية أمر مطلوب لكن اشتغالهم جميعاً بالسياسة فوضى، فالتخصص مطلوب في كل شيء وبه تتقدم الأمم، أما إذا تبنى العسكري نظرية سياسية -أياً كانت- فاقرأ على بلاده السلام وسيكون آخرها رصاصة في رأسه وهذا ما حل بأغلب العسكريين الذين نفذوا انقلابات عسكرية، ورصاصة تسبقها في الدولة التي ستتدهور شؤونها كما أكدت كل التجارب السابقة.