هي زوبعة لها مسوغاتها ومبرراتها القوية، بالتالي ووفق منطق «وضع النقاط على الحروف»، فإن الحديث في شأن قضية الشهادات المزورة لن يتوقف حتى يتم حسم الموضوع قانونيا من قبل الجهات المعنية بالدولة.

وكما بينا في اليومين السابقين في هذه المساحة، بأنه لا توجد أية تبريرات مقبولة لأي شخص عمد لتزوير مؤهلاته، وطالع المجتمع والناس بها، حتى لا تتم محاسبته وعلى الملأ، وهي لن تكون عملية «تشهير» حينما يصدر الحكم بالقانون ومدعما بالأدلة، لأنه حينما ادعى «المزور» الحصول على المؤهل «الكاذب» ظهر بوجهه المكشوف على الناس، وقال أنا الدكتور «الفلاني»، أو البروفيسور «العلاني»، أو حامل المؤهل كذا وكذا «الفلتاني»!

وسائل التواصل الاجتماعي انتشرت فيها معلومات كثيرة، واقترنت بأسماء، وهنا ومن وجهة نظر شخصية، أرى بأن عملية «كشف المستور» لابد وأن تترك للجهات الحكومية المعنية بتطبيق القانون، لأنها هذه الجهات مطالبة اليوم بالدفاع عن الحق و«كشف» الباطل وإثبات مصداقية ذلك، وفي جانب آخر حتى لا يقع أي فرد في حرج قانوني ويتهم بالتشهير، حينما ينتهج أسلوب «أخذ الحق باليد» قبل انتظار الجهات المختصة.

وعليه، فإن تحرك الجهات المسؤولة بشكل سريع أمر هام ومطلوب، فكثير من المواطنين، بالأخص أصحاب الشهادات والمؤهلات «الحقيقية» استاؤوا واعترتهم موجة غضب، هي من حقهم، ولا يحق لأحد لومهم، بالتالي لن يقبل الناس لهذا الموضوع أن يغلق بهدوء، أو يترك دون معاقبة «المزورين».

بعض ردود الناس التي وصلتنا فيها اتهامات لأشخاص وأسماء، وبينا لهم خطأ لعب دور «المحقق» و«القاضي» و«الجلاد»، عبر الجزم المطلق لوقوع الجرم، دون امتلاك دليل دامغ ملموس بين أياديهم، وليس نقلاً عن جهات هنا وهناك، وبعضهم أخذ يفترض أن مناصب معينة فيها أشخاص متهمون، وهذا افتراض خطير أيضاً يدخل في دائرة التشهير والتجني، وعليه فإن دورنا اليوم كمواطنين مستائين من حالات نصب واحتيال بحق البلد وأهله، دورنا مطالبة الجهات المعنية في الحكومة، بتنفيذ توجيهات سمو رئيس الوزراء حفظه الله «حرفيا» وبـ«أسرع» وقت ممكن. ومن يمتلك معلومات مؤكدة عليه أن يرسلها للجهات المعنية مثل «خط الفساد»، ويوثق تسليمه لها حتى يكون قد أدى دوره في التبليغ عن الفساد، وليتابع القضية معهم، وحينها يمكنه إطلاع الرأي العام على نتيجة التحقيق مع التحفظ على الأسماء، حتى تثبت عليها التهمة ويصدر فيها الحكم، والخطوة بعدها وهي التي نطالب بها بقوة، بأن يفضح هؤلاء المزورين على الملأ.

رسالتنا واضحة، لا تتركوا الساحة ليتوه فيها الناس، ولا تأخذوا راحتكم مع الوقت، فيفقد الناس الثقة بشأن حفظ المجتمع من عمليات النصب والاحتيال الأكاديمية هذه، لأن حصولها يعني التعدي على حقوق آخرين، وخداع بلد بأكمله بمؤسساته ونظم التوظيف فيه وغيرها.

عدد آخر من المتفاعلين يقول بأنه قد تسهل على الحكومة عملية التدقيق على موظفي القطاع العام، لأن «تصديق» الشهادات أمر لازم، لكن هذه العملية لا تشمل القطاع الخاص بشكل إلزامي، وهناك حالات التي كشفت تفيد بأن هناك حالات تزوير في القطاع الخاص، فما الحل؟!

لربما يكون الحل هنا بأن يصدر تشريع معني بـ«إلزام» كل موظف في القطاع العام والخاص، أو أجنبي مسجل على نظام العمالة في هيئة تنظيم سوق العمل، يلزم بتقديم «كشف شهادات أكاديمية» كما هو الحال مع «كشف الذمة المالية» الذي يقدمه مسؤولو الدولة من درجات المدير وما أعلى وصولاً للوزراء.

قد يكون هذا الكشف أداة مساعدة في عمليات التدقيق، بحيث يلزم الجميع بتقديمه، ويتم التدقيق على المؤهلات من قبل الجهات المعنية، والتواصل مع الجامعات للتأكد من صحة الشهادات، وهل هذه الجامعات موجودة أم لا، وكذلك التشديد بشكل مضاعف على الدراسة بالمراسلات التي لا تشترط الحضور الفعلي لحرم الجامعات للمحاضرات أو الاختبارات أو حتى المناقشات النهائية، وبموجب هذا التدقيق تتم عمليات إعادة تقييم لأوضاع الموظفين، ومن يكتشف أنه زور أو تلاعب بمؤهلاتهم تطبق عليه القوانين فيما يتعلق بتقديم أوراق مزورة والتلاعب في المعلومات، وبنفس الآلية القطاع الخاص، والأهم ألا تتم الموافقة على أية ترقيات وتعيينات في المناصب التي تقل عن درجة وزير «لأن المناصب الوزارية حق أصيل لرمز الدولة، يمنح الثقة فيها لمن يرى فيه القدرة والكفاءة والخبرة والإخلاص بغض النظر عن المؤهل العلمي»، بحيث يخضع كلا من الوكلاء والرؤساء التنفيذيون ومن قبلهم تدرجا في المناصب لعمليات التدقيق هذه، وتكون لازمة لترقياتهم.

هناك حلول لكل قضية، وليس مقبولاً أن نستصعب الأمور، إذ استصعاب تصحيح المسارات، وتعطيل إحقاق العدالة أمام الأخطاء، هي ما كلفت الدولة كثيراً من التراجعات في أداء كثير من القطاعات، وتقارير ديوان الرقابة المالية، والاستياء الشعبي من أداء بعض القطاعات خير أدلة وإثباتات.