بالأمس تحدثنا عن غياب الشفافية، وكيف أنها تكون سبباً في حصول الفوضى. هذه الفوضى التي تجعل الحياة تسير رأساً على عقب، وتتسبب في خلخلة المجتمع والتأثير على المواطنين فيه.

لا يمكنك أن تعيش في مكان يعج بالفوضى إلا إن كنت فوضوياً أو أحد مسببات حدوث هذه الفوضى، إذ الأسوياء لا يعيشون إلا في مكان سوي، ممارساته صحيحة ودقيقة، وتعاملاته مبنية على معايير سليمة وتحقق نتائج لا تحيد عن الأهداف الموضوعة.

حينما تحصل الفوضى، كيف يتوجب التعامل معها؟!

هنا نحن نتحدث عن عمليات «تصحيح المسار» أو «المسارات» بصيغة الجمع، إن كانت لدينا حالات فوضوية تزيد عن حالة واحدة تستوجب التعامل والتدخل السريع والحازم لإنهائها.

الفوضى تحصل لأسباب كثيرة، ولكن العامل الرئيس فيها يكون دائماً مرتبطاً بالعنصر البشري، إذ نحن من نحول الأمور إلى فوضى، رغم أننا نقدر على تحويلها لنماذج مثالية في سير العمل وتحقيق النتائج.

الإنسان يتعامل مع معطيات موجودة في يده أو أمامه أو يمتلك الصلاحيات فيما يتعلق بها، فهو إما يسير الدفة بشكل صحيح حتى ترسو سفينته -مجازاً هنا نعني عملياته- على بر آمن وسليم، أو يسيرها وسط عواصف خطرة، إما تنتهي بغرقها أو وصولها في أحسن الأحوال مهشمة مصابة بأضرار جسيمة.

مثلما تحصل الفوضى بسبب أشخاص، فإن تصحيح مسارات هذه الفوضى لا يمكن أن تحدث إلا بفضل وجود أشخاص قادرين على التصحيح.

وتصحيح المسارات لا يمكن أن يحصل على يد المتسبب بالفوضى، وهذا أمر بديهي ومتوافق عليه في كل نظريات التخطيط الاستراتيجي ونظريات إدارة الأزمات، وطرائق تصحيح المسارات، لأنه ببساطة شديدة «فاقد الشيء لا يعطيه»، ومن تكون الفوضى متلازمة له في عمله أو تصريحاته أو حتى تصرفاته، ويسجل التاريخ عليه كثيراً من هذه الأمثلة، فإنه من الظلم مطالبته بالتصحيح، لأنه لو امتلك عصا التصحيح أصلاً لاستخدمها منذ البداية.

بالتالي تصحيح المسارات، لا يتحقق إلا عبر عمليات التغيير، إلا عبر إزالة مسببات الفوضى، بالأخص تلك المعنية بالعنصر البشري. وهنا نقطة مهمة لابد من إدراكها، بأن عمليات التغيير لا تتم إلا بسبب وجود حاجة ملحة للتغيير.

لنضرب مثالاً بسيطاً جداً يستوعبه الجميع، ففي مباريات كرة القدم، لو تمتلك فريقا فيه عدة مهاجمين، وكان اعتمادك على أحدهم بشكل كبير، لكنه مهما يضغط ويهجم ويسدد ويحاول لا يسجل لك أي هدف، بل تحسب عليه إضاعته العديد من الفرص، فإن خياراتك كمدرب ستكون إما تغييره بمهاجم آخر يمتلك حساسية تجاه المرمى ويكون قادراً على التسجيل، خاصة إن كان الوقت يداهمك وعدم التسجيل سيقود فريقك للخسارة أو الخروج دون انتصار، أو أنك تصر على هذا المهاجم وتكون بالتالي «تغامر» بمصير الفريق كله.

لإنهاء الفوضى، نحتاج أولاً إلى إنهاء مسببات هذه الفوضى، ولإصلاح الفوضى نحتاج لعناصر تمثل أدوات صحيحة قادرة ومؤهلة على إصلاح الفوضى، عناصر تمتلك حسن إدارة الأزمات، وقدرة متقدمة على وضع الحلول والمعالجات.