واجه العراق كوارث اقتصادية رغم أنه ليس ثمة قصور في موارد البلد ولا الكفاءة العراقية، وواجه أيضاً مشاكل اجتماعية وبطالة وضياعاً أخلاقياً رغم توسع العباءة الدينية، وتعترضه تهديدات أمنية رغم وجود جيش وشرطة وحشد، ويواجه فضلاً عن كل ما سبق مخاطر بيئة كان آخرها تسمم 90 ألفاً من سكان البصرة جراء تلوث المياه «وهو موضوع أفردنا إليه مقالاً نشر في التاسع من سبتمبر الماضي». ورغم كل هذه الأزمات مازالت الطبقة السياسية تعبث في العراقيين، ومازالت في غيها وحروبها المصلحية في صراع على السلطة وتقاسم الفساد بينما يذبل العراق كمريض السرطان..!!لقد عاني الجسد العراقي فيما مضى من جنون عبدالكريم قاسم وقتله الأكراد والملكيين، لكن الجسد العراقي كان قوياً بما يكفي لتحمل كدمات ديكتاتورية وعسكرية قاسم الفجة. ثم جاء البعثيون ومزقوا اللحمة الوطنية، وغرسوا حراب دول الجوار في العراق، وأيضاً كان الجسد العراقي قوياً فتماسك ولم ينهر. ثم كان الاحتلال الأمريكي وأوجاعه ومع ذلك تماسك العراق وخرج الأمريكان. فقط حين وصلت حكومات المنطقة الخضراء للحكم منذ الاحتلال الأمريكي، أخذ الجسد العراقي يعاني الهرم المبكر والخرف المبكر وانكسر يلعق جراحه وهو الذي لم ينكسر طوال تاريخه..!! مرجع ذلك أن الطبقة السياسية الفاسدة كانت داخل ملابس العراق فأمنها ولم يعلم أنها تغرس إبرها في شرايين العراق العظيم، حيناً تمتص دمه وتبيعه، وحيناً آخر تحقنه بمواد سامة، بينما تتركه في أحايين أخرى ملقى دون عناية أو علاج بعد كل جولة امتصاص رهيبة..!!بالمعنى الأوسع للفساد السياسي يعرف بأنه إساءة استخدام المنصب الحكومي لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية لزوجة المسؤول الفاسد وأولاده وأقاربه وعشيرته وحزبه وطائفته دون مكونات الشعب الأخرى. لكن الكارثة أن الانتفاضات المطالبة بوقف فساد الساسة تقمع رغم أن العراق مازال -منذ مايو الماضي الذي تم فيه إجراء انتخابات برلمانية- يعيش ما يعرف بإعادة ترتيب شؤون الحكم وتعيين قيادة سياسية جديدة تشمل الرئاسات الثلاث، وما ذلك كله إلا بهرج ومسرحيات، وما هي إلا نوع من ذر الرماد في العيون العراقية، فما يجري إنما هو سحب لجسد العراق ومعاينة أي مكان لم تشوهه طعنات الغرز بعد ليعاد غرس إبر تمتصه من جديد.* اختلاج النبض:بلا أدنى شك، فإن كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد بأشكاله، كالمحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب، إلا أن الوضع في العراق تجاوز كل المقاييس والتعريفات السياسية حينما ارتدى عباءة الدين دون خوف من الله أو حياء من الناس، ما يدفع للقول إن رجال الدين لن يجدوا المغفرة إلا بتحريم السياسة كما أباحوا ممارستها..!!