أكرر جملة ذكرتها في مقال الأمس هنا، وهي كالتالي:«عمليات التصحيح، تحتاج لإدارات تؤمن بالإصلاح، والأجمل أن تمتلك مزايا الإحساس الوطني، وحب هذه الأرض وأهلها، وأن تركز جهودها على الإعمار والتطوير. لذلك نقول دائماً بأن وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، هو ما يحقق لكل المكاسب العظيمة، بل هو ما يحول لك الحديد إلى ذهب».وعليه أوجه لكم سؤالاً، بشأن ما إذا حاولتم يوماً تفسير الجملة الشهيرة «فاقد الشيء لا يعطيه»؟!تفسيرها يكمن في الفقرة الأولى، إذ من الاستحالة أن تطلب «أي شيء» من شخص لا يملكه، وإن كان المعنى يشير لشيء «مادي»، إلا أنه ينسحب على كل شيء، فالإصلاح لا يطلب إلا من المؤمن بالإصلاح، والنجاح لا يطلب إلا من الناجح، والإنجازات لا تطلب إلا من المنجز، وهكذا دواليك.ولنبسط المغزى بشكل أكثر، فعشاق الرياضة والكرة المستديرة مثلاً، يستوعبون بأنه لا يمكن لأي فريق أن يفوز ببطولة، أو يحقق نتائج قوية، إن كان لا يمتلك لاعبين ماهرين، ويعرفون طريق المرمى بالتالي يسجلون الأهداف. والعكس، إن كان اللاعبون دون المستوى، فلا تتوقع أية نتائج، بل هزائم قاسية متوالية، ونتائج مخيبة.لذلك يقال، إنك إن أردت النجاح في أي منظومة أو قطاع من ناحية ضمان تحقيق الأهداف، عليك أن توكل الأمر للناجحين، وللذين يمتلكون مقومات النجاح.هنا يأتي الحديث دائماً عن عمليات التغيير الإدارية، ومنها تلك التي تطال الصف الأول، المعنية بكبار مسؤولي الدولة من وزراء ورؤساء هيئات ومن يلونهم في سلم الترتيب التنفيذي، إذ هؤلاء تحديداً ينبغي أن تكون عملية اختيارهم دقيقة جداً، بحيث يوضع «بالفعل» الشخص المناسب في المكان المناسب «بالفعل».وترجمة هذه الجملة «المناسب في المكان المناسب»، لا بد وأن ترتكز على ضرورة أن يكون الشخص مؤهلا، وصاحب قدرة، ويمتلك سجلاً مشرفاً من الإنجازات، والتي لم يكن له تحقيقها إلا عبر التعامل مع ظروف مختلفة، منها العصيب، ومنها المعقد.، ونجح في مواجهتها.أعلاه هي أهم المعايير العلمية الاحترافية المطلوبة، رغم أن مجتمعاتنا العربية، والبحرين ليست بمعزل عنها، تشهد في أحايين كثيرة، إيكال الأمور لأشخاص معايير تفضيلهم ليست مبنية على الأسس الصحيحة، ونعني بها المؤهلات والكفاءة والقدرات والخبرة والنزاهة والنظافة والإصلاح الإداري، بل قائمة على ارتباطات أخرى، مثل العلاقات والولاءات والمكافآت، وهنا تكمن المشكلة، إذ العمل ينحرف بالضرورة، والنتائج لا تتحقق، والأصوات الناقدة تتعالى من المجتمع، وفي غالب الأحيان لا تفاعل معها كردة فعل، أقلها لمعرفة أسبابها، وأين حصل القصور، وما هي المشاكل، وطرح السؤال المهم على الذات، والمتمثل بـ«هل كان وضع فلان هنا، أو علان هناك غير موفق»؟!هناك بعض ممن توكل لهم مسؤوليات، ويطلب منهم تصحيح المسارات، وينتظر منهم التجديد والتغيير للأفضل، يفشلون في تحقيق ذلك، والمشكلة تتمثل بأن بعض هذه العناصر لا تؤمن أساساً بالتغيير، وبعضهم يرى في «الإصلاح» وحشاً يهدد موقعه، لأن ممارساته وأساليب إدارته تضرب مفاهيم وأسس الإصلاح «في مقتل».بالتالي إن كنا اليوم نريد تشكيل «فريق» إداري قادر على تحقيق أهدافنا، وقادر على تحقيق «الإصلاح» وقادر على «تصحيح المسارات»، لا بد وأن يكون أعضاء الفريق من المؤمنين بالإصلاح، وممن يعملون لأجل التغيير لصالح البلد، والأهم ممن يعملون للبلد لا لأنفسهم وكراسيهم.
{{ article.visit_count }}