مريم أرجون طفلة من المملكة المغربية.. والفائزة بلقب بطلة تحدي القراءة العربي لعام 2018.. من بين عشرة ملايين ونصف طالب وطالبة من أربع وأربعين دولة من الوطن العربي والعالم.. جاؤوا ليتنافسوا بلغة الضاد.. ويستمتعوا بلذة القراءة في خمسين كتاباً.. ليثبتوا للعالم أن القراءة هي استشراف للمستقبل.

تقول مريم أرجون: «القراءة مستشفى للعقول».. يا لجمال التعبير.. طفلة لم تتجاوز التاسعة من عمرها تتكلم من منطلق شغف وحب للقراءة.. فمنذ لحظة فوزها ورواد وسائل التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع تناولوا موضوع تلك البطلة.. ابتداء من لحظة إعلان فوزها وهي تركض نحو سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تبكي بكاء الفرح وهو يمسح دموعها بشماغه.. حتى لحظة ما بعد الفوز.. من خلال المقابلات التلفزيونية.. وكيف كانت ردود أفعالها وأجوبتها التلقائية الذكية.. هذا الحدث العظيم الذي تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة من ورائه ليس بحدث عادي، بل هو رسالة عظيمة للعالم بأكمله.. وليس العالم العربي فقط.. رسالة موجهة للعالم مفادها بأن عزتنا.. وعروبتنا.. وثقافتنا.. تبدأ من أطفالنا؟!

تلك الطفلة التي لم تتجاوز التاسعة من عمرها وقفت أمام لجنة التحكيم لتقول بكل ثقة.. وهي أصغر متنافسة.. بأنها تعلم بأنها ستنال المركز الأول!!

كان في كلامها ثقة متوجة بتمكنها من أسرار اللغة العربية الفصحى الجميلة.. والطلاقة والثقافة.. فعندما سئلت كيف كونت ثقافتك.. وماذا تقرئين؟ كان جوابها كالآتي: «النحلة لا تستطيع أن تصنع عسلها من زهرة واحدة.. وأنا لا أستطيع أن أكون موسوعية أو مثقفة من كتاب واحد أو مجال واحد.. فأنا أقرأ في الطب والفن التشكيلي والمسرح والسيرة الغيرية والسيرة الذاتية والكتب الدينية والأخلاقية والاجتماعية «فيا ترى من وراء نجاحك يا مريم ؟؟ وكم من الآباء يتمنى أن يكون أبناؤه مكان مريم في يوم ما؟؟

إن أول خطوة للوصول إلى العالمية في القراءة والمطالعة لدى أطفالكم تبدأ عن طريق الإيمان بأن ليس كل ما يتعلّمه المرء ويقرؤه يجب أن يكون من خلال كتب المدرسة.. فالقراءة من أجل تكوين رصيد ثقافي.. يجب أن تكون بتنوع حصيلة القراءة.. ليأتي دور الآباء في تنمية الأبناء وتشجيعهم على القراءة.. اقرؤوا لأطفالكم القصص والكتب.. واشتروا لهم قصصهم وكتبهم.. وما يطيب لهم.. وبوجودهم وباختيارهم.. حببوهم في القراءة.. فمتى ما شاهد الطفل أبويه يقرآن سيقرأ مثلهما.. واجعلوا أبناءكم تلاميذ في مدارس العظماء من الأدباء ليقرؤوا ويناقشوا ويحللوا وينقدوا ويكتبوا.. واجعلوهم يمارسون ما قرؤوه وتعلموه في حياتهم.. فكم من مشاهد نشاهدها تتكرر عند الأطفال في الغرب.. حيث لا يركبون حافلة المدرسة أو القطار إلا وكتابهم معهم!! لتصبح القراءة سلوكاً يتعودون عليه حين يكبرون.

الكثير يتساءل.. نحن الآن في زمن التكنولوجيا والتطور.. فهل للكتاب والقراءة مكان؟ أقول وبكل وضوح.. نعم.. هناك فسحة من المكان.. وليس من الضروري أن يكون التطور ضد القراءة والكتاب.. بل الأجدر أن نسخّر تلك التكنولوجيا في خدمة الأبناء في مجال القراءة والثقافة.. فالمهم أن يكون مجتمعنا مجتمعاً يقرأ.. حتى وإن كان من خلال تلك الأجهزة الذكية!!

نحن بحاجة لصنع جيل قارئ مثقف.. وإلى مساندة البيئة المدرسية بجانب الأسرة.. وإلى مبادرات تكتشف تلك المواهب لتنميها وتصقلها.. نحن بحاجة إلى مراكز تحتضنهم وتشجعهم على القراءة.. نحن بحاجة إلى الإدراك أن القراءة هي الطريق إلى خلق مجتمع تسوده الثقافة.. وأن الثقافة هي الطريق إلى تعزيز التنمية الاقتصادية.. فالشعوب المتطورة اقتصادياً وتنموياً هي شعوب مثقفة.. هكذا تتشابك الأمور لتخلق تناغماً جميلاً في حركة الحياة أساس تكوينه هي القراءة.. فكم نحن بحاجة إلى جيل يشبهك يا مريم.. وإلى جيل يقرأ مثلك يا مريم.. وكم نحن بحاجة إلى الوقوف عند اسمك ملياً.. فهو الأنموذج الذي يفتح بوابات الأمل أمام مستقبل أبنائنا.. ومن اليوم فصاعداً.. لن يمر اسم مريم أرجون على وعينا وذاكرتنا مرور الكرام!!