قبيل حرب البلقان التي اشتعلت في أكتوبر سنة 1912 جرت انتخابات البرلمان في صربيا -التي انضمت بعد ذلك إلى يوغوسلافيا ثم استقلت بالوقت الحاضر مرة أخرى- قبل الانتخابات وقف أحد المرشحين من حزب الفلاحين يخطب بأحد ميادين بلغراد أمام الجماهير المكتظة وهو يهتف: سيداتي.. سادتي.. أرشح نفسي للنيابة كي أخدم وطني وأعدل المعوج في منهج الحكومة.. وانظروا كيف سأخفف الضرائب عن كاهلكم.. وسأبذل قصارى جهدي لمساعدة الفلاح، وأخفض مدة الخدمة العسكرية.. وأعمل كذا.. وأفعل كذا وكذا.. وأعزز الأسطول الصربي!
فطن أحد المستمعين لكلامه، وقال له: على مهلك قليلاً، من أين لصربيا ساحل على البحر، حتى يكون لديها أسطول من الأساس!
انتبه المرشح لهذا الخطأ الفاحش، لكنه كان لبقاً، فجاوبه على الفور وهو مسترسل بكلامه، قائلاً له: وسأحفر لكم بحراً!
فضحك الجمهور، وتعجبوا من لباقة الخطيب والعجيب أنهم انتخبوه!
انتخبوه لأنهم اقتنعوا بلباقته وتأثروا بخطبته، لا لكونه فاهماً في التشريعات القانونية ومراقبة أداء الحكومة، هو خاطبهم بأمنياتهم حتى لو لم يكن قادراً على تحقيقها أو كانت شعاراته خيالية أو أكبر من قدرته وحجمه، وجمهور الناخبين يفضلون من يخاطبهم بأمنياتهم.
فإذا كان هذا حال دولة كانت مملكة قبل هذه الحادثة بـ700 سنة وعرفت الحياة البرلمانية، فما بالك بتجاربنا الحديثة في الدول العربية التي لم يتجاوز عمرها بمفهوم الدولة الحديثة عشرات السنين! ما بالك وأغلب المرشحين للبرلمان لا يعرفون وظيفة البرلمان، ولا حتى ناخبوهم يعرفون وظيفة البرلمان، إلا أن كل المرشحين يعرفون أن في دخولهم البرلمان فرصة لتغيير وضعهم المعاشي وربما الاجتماعي، والناخب هو الآخر ينتظر ولادة مخلص معاملات ذي نفوذ، فيتكون برلمان صامت، أما مهمته التصديق على قوانين وتشريعات الحكومة في دول، والابتزاز ومشاركة الفاسدين في دول أخرى.
لا يمكن أن نكون مثاليين ونقول إن الشعوب العربية جاهزة لاختيار برلمان يشرع لها ويراقب الحكومة ويعمل على الوجه الصحيح الذي نشأت البرلمانات من أجله، فالواقع يؤكد عكس ذلك، ولا يمكن أيضاً القول إن البرلمانات المنتخبة لا قيمة لها ولا تأتي بوجوه يمكنها تشريع القوانين والمراقبة ولذلك على الدولة أن تعين البرلمان بدون انتخابات، فهذا لن يخدم الدولة أيضاً، لكن أليس من الأفضل للدول التي تعد تجربتها البرلمانية بسيطة كالدول العربية، أن يكون في برلمانها عدد من المقاعد مخصص لفقهاء القانون وكبار المتمرسين في الرقابة تعينهم الدولة، لعلهم يتمكنون خلال مدة من الزمن من صناعة ثقافة برلمانية في بلدانهم، ويغيرون مفهوم البرلماني مخلص المعاملات الباحث عن الجاه.
فطن أحد المستمعين لكلامه، وقال له: على مهلك قليلاً، من أين لصربيا ساحل على البحر، حتى يكون لديها أسطول من الأساس!
انتبه المرشح لهذا الخطأ الفاحش، لكنه كان لبقاً، فجاوبه على الفور وهو مسترسل بكلامه، قائلاً له: وسأحفر لكم بحراً!
فضحك الجمهور، وتعجبوا من لباقة الخطيب والعجيب أنهم انتخبوه!
انتخبوه لأنهم اقتنعوا بلباقته وتأثروا بخطبته، لا لكونه فاهماً في التشريعات القانونية ومراقبة أداء الحكومة، هو خاطبهم بأمنياتهم حتى لو لم يكن قادراً على تحقيقها أو كانت شعاراته خيالية أو أكبر من قدرته وحجمه، وجمهور الناخبين يفضلون من يخاطبهم بأمنياتهم.
فإذا كان هذا حال دولة كانت مملكة قبل هذه الحادثة بـ700 سنة وعرفت الحياة البرلمانية، فما بالك بتجاربنا الحديثة في الدول العربية التي لم يتجاوز عمرها بمفهوم الدولة الحديثة عشرات السنين! ما بالك وأغلب المرشحين للبرلمان لا يعرفون وظيفة البرلمان، ولا حتى ناخبوهم يعرفون وظيفة البرلمان، إلا أن كل المرشحين يعرفون أن في دخولهم البرلمان فرصة لتغيير وضعهم المعاشي وربما الاجتماعي، والناخب هو الآخر ينتظر ولادة مخلص معاملات ذي نفوذ، فيتكون برلمان صامت، أما مهمته التصديق على قوانين وتشريعات الحكومة في دول، والابتزاز ومشاركة الفاسدين في دول أخرى.
لا يمكن أن نكون مثاليين ونقول إن الشعوب العربية جاهزة لاختيار برلمان يشرع لها ويراقب الحكومة ويعمل على الوجه الصحيح الذي نشأت البرلمانات من أجله، فالواقع يؤكد عكس ذلك، ولا يمكن أيضاً القول إن البرلمانات المنتخبة لا قيمة لها ولا تأتي بوجوه يمكنها تشريع القوانين والمراقبة ولذلك على الدولة أن تعين البرلمان بدون انتخابات، فهذا لن يخدم الدولة أيضاً، لكن أليس من الأفضل للدول التي تعد تجربتها البرلمانية بسيطة كالدول العربية، أن يكون في برلمانها عدد من المقاعد مخصص لفقهاء القانون وكبار المتمرسين في الرقابة تعينهم الدولة، لعلهم يتمكنون خلال مدة من الزمن من صناعة ثقافة برلمانية في بلدانهم، ويغيرون مفهوم البرلماني مخلص المعاملات الباحث عن الجاه.