- الناخب البحريني أثبت أنه رقم صعب ولقن مرشحين درساً ديمقراطياً لا ينسى
- لم تعد تنطلي على الناخب البحريني الشعارات الزائفة ـو التبريرات غير الواقعية
- المواطن البحريني المؤسس الأول لتشكلية المجلس النيابي والبلدي القادم
- هناك وعي لدى الرأي العام البحريني بخصوص استخدام أدواته الديمقراطية
- وعي شعبي من تجاربنا الانتخابية تمثل في رفض الرشاوى الانتخابية
- الانتخابات كانت المحك لكشف الضمائر الوطنية المحبة للبحرين
- البعض قدم انتماءاته الحزبية الخارجية على انتمائه وولائه للبحرين
- القناعة في انتخابات 2018 أن عديداً من المواطنين لا يحبذون مرشحي الجمعيات
- اتجاه الكثير من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة لمراكز الاقتراع
- الناخب البحريني حرص على المشاركة الديمقراطية واتجه إلى صناديق الاقتراع
- اتجاه بتمكين المرأة لتتولى رئاسة "النيابي" وتولي نائب شاب منصب النائب الأول
.....
إن كان هناك عنوان يجب أن تعنون به تجربة انتخابات 2018 فقد يكون العنوان الأصلح والمناسب هو "الإرادة الشعبية الوطنية انتصرت في المعركة البحرينية الديمقراطية"، فقد اثبت الناخب البحريني خلال هذه الانتخابات أنه رقم صعب جداً وعلى درجة كبيرة من الوعي، وأن قراره بيده فعلاً، وبصوته قادر على إحداث التغييرات واختيار مصيره ومستقبله ومستقبل أبنائه.
الناخب البحريني أثبت خلال فترة الانتخابات أنه لم يعد من السهل التحكم في اختياراته وتوجهاته أو مواقفه التي جاءت نتيجة تراكم خبرات سابقة ومتتالية من مواسم الانتخابات السابقة أو خداعه وتضليله، والدليل ما قام به الناخبون من إسقاط معظم النواب الذين أعادوا ترشيح أنفسهم بنسب تصويت ضئيلة، فيما عدا البعض منهم الذي فاز من الجولة الأولى من منطلق أنهم خدموا قضايا المواطن البحريني وكان لهم حراكهم المميز فيما دخل آخرون منهم معترك الجولة الثانية من الانتخابات، وهو مؤشر يعكس أن الناخب البحريني قد لقن البعض منهم درساً ديمقراطياً وأوصل موقفه الساخط وغير الراضي عن أدائهم خلال المجلس السابق في عدم دعم قضايا المواطنين والإيفاء بوعودهم التي نسوها وتخلفوا عنها بعد فوزهم، مما يعكس ككل نضج التجربة الديمقراطية البحرينية وأن الناخب البحريني أصبح صاحب قرار ولم تعد تنطلي عليه الشعارات الزائفة أو التبريرات غير الواقعية.
هذه الانتخابات أثبتت للجميع مقولة "اللي يبونه بيوصلونه" في الإشارة إلى ما يروجه البعض من نظرية المؤامرة وفكرة مغلوطة أنه دائماً ما يحدث في الانتخابات طرح مرشحين حكوميين، وإشاعة أنه سيتم توجيه الأصوات لهم وحث وإلزام بعض الموظفين العاملين لدى جهات معينة في الدولة على التصويت لمرشح معين أو دعمهم بالباطن لأجل فوزهم لم تعد نظرية صحيحة وواقعية، ودليل ذلك ممن أشيع أنهم مرشحون مدعومون من جهات حكومية سقطوا مقابل أن منافسيهم كانوا ممن دخلوا الجولة الثانية من الانتخابات، لذا فتجربتنا الانتخابية في عام 2018 وأمام تطور الوعي لدى الناخب البحريني أوجدت لنا العديد من الدروس الوطنية البليغة التي تستوجب التوقف عندها والتعلم مما تحمله لنا من عبر ومواعظ، فالمواطن البحريني بيده حرية الاختيار الصحيح وحرية إيصال ممثله النيابي والبلدي وهو المؤسس الأول لتشكلية المجلس النيابي والبلدي القادم من خلال توجهه إلى صناديق التصويت لاختيار من يود تمثيله داخل هذه المجالس.
كما أن ما حصل في هذه الانتخابات دروس وطنية تصدر لمن يهمه الأمر أن الناخب البحريني حتى وإن تم خداعه وتضليله من قبل مرشح في سبيل التصويت له وإيصاله ومن ثم نسيانه، فإن بإمكانه أن يعيد كل ما فعله له من خلال إسقاطه في الانتخابات القادمة أو حتى إسقاط من يدعمه ومحسوب عليه في حال عدم إعادة ترشحه، ولعل أكثر الأسئلة التي كان ملاحظاً تكرار طرحها في معظم الندوات والمحاضرات الانتخابية "ماذا نفعل في حال وصول المرشح إلى مقعد المجلس النيابي أو البلدي ثم تخلفه عن الإيفاء بالوعود التي طرحها لنا في برنامجه الانتخابي"، حيث كثير من المواطنين أوصوا بأهمية الاحتفاظ بنسخ من البرامج الانتخابية الموزعة وذلك في سبيل الاتجاه نحو محاسبة المرشحين الفائزين المتخلفين عن تنفيذ وعودهم الانتخابية قانونياً، وهو مؤشر آخر يثبت أن الناخب البحريني أصبح المواطن النائب المهتم بالرقابة على المرشحين الفائزين في تنفيذ وعودهم الانتخابية والمحاسبة وكأنه يمارس سلطة رقابية تتشابه مع مهام عضو مجلس النواب، فقد بات واعياً بخصوص مسائل حقوقه واستخدام أدواته الديمقراطية التي كفلها له المشروع الإصلاحي الرائد لجلالة الملك حفظه الله ورعاه.
كما أن الناخب البحريني انتصر في هذه المعركة بالاهتمام بإيصال الكفاءات البحرينية والتدقيق والحرص على أن يصل ممن يحسنوا تمثيل المواطن البحريني ويكونون قريبين من همومه واحتياجاته، ولعل هذا اتضح جلياً في مظاهر الاهتمام بمناقشة العديد من المرشحين في نقاط برامجهم الانتخابية والتدقيق في سيرتهم الذاتية، مما يعكس أن هناك فرقاً كبيراً وشائعاً في تجاربنا الانتخابية السابقة وتجربتنا الانتخابية الحالية، بل كان هناك وعي شعبي تمثل في توجيه النصائح الانتخابية للمواطنين بأهمية رفض الرشاوي الانتخابية في بعض الدوائر الانتخابية والتهديد بالتشهير لأي مرشح ينوي توزيع مبالغ مالية أو مكيفات أو غيرها من أمور من مبدأ هذا المبلغ سيخدمك لفترة لا تتجاوز عدة شهور، في حين سيستفيد هو مادياً من مزايا ومكتسبات طيلة الأربع سنوات له كنائب، ولعل هذا ما أظهر أن هناك فارقاً كبيراً بين ظواهر الرشاوى الانتخابية التي كانت سائدة في انتخابات 2006 و2010 وندرتها في انتخابات 2018.
لذا لا يمكن إغفال أن المنافسات بين المرشحين كانت شرسة جداً، ولعل هذا ما اتضح خلال الجولة الثانية من الانتخابات، حيث ازدادت معارك حرب الشائعات وألعاب الحروب النفسية بشكل لافت للنظر ومكثف خاصة ليلة التصويت، فقد كانت الليلة الأسخن التي كثر فيها تداول الرسائل الهاتفية التي تستهدف ضرب المرشحين المنافسين أو حمل معلومات مغلوطة أو توجيهات بعدم التصويت لبعض المرشحين بتلفيق بعض القصص عليهم، لذا فقد كان هنا المحك الحقيقي الذي يبين من ترشح لأجل دعم المسيرة الديمقراطية للبحرين ومن ترشح لأجل مصالحه الخاصة وانتماءاته الحزبية، وهنا كان الاختبار الوطني الذي يظهر الضمائر الوطنية المحبة للبحرين والرافضة للإساءة لتجربتنا الديمقراطية وممارسة أي مظهر لا يمثل أخلاقيات شعب البحرين، فمن يحب البحرين ومتمسك بإنجاح هذا العرس الديمقراطي ومشروعها الإصلاحي الرائد حتماً سيلتزم بعدم الإساءة والتحلي بروح المنافسة الشريفة، كما أن بعض المواقف قد أثبتت للمواطن البحريني من هو متدين قولاً وفعلاً ومن هو متدين بالظاهر وشكلياً فيما كل تصرفاته وسلوكياته بعيدة عن مبادئ الدين الصحيحة، كما أثبتت أن هناك من يقدم انتماءاته الحزبية والتي بعضها جزء من كيانات حزبية خارجية على انتمائه للبحرين وولائه لها أولاً وأخيراً من خلال ممارسة ظاهرة اللمز والتسقيط في بعض المرشحين الوطنيين.
كما أن بعض الفرق الانتخابية أيضاً حرصت على ضرب المرشحين المنافسين من خلال العديد من الألعاب الانتخابية كلعبة قلب الطاولة على الآخر، وترويج أن المرشح المنافس ليس مستقلاً وكاذب، أو محاولة بيان أنه يتبع جمعية سياسية حتى لا يتجه الناس للتصويت إليه ويتجهوا للمرشح الآخر المدعوم بالباطن لإحدى الجمعيات السياسية!!
كما عمدت بعض الفرق الانتخابية إلى تعمد تكثيف حضور بعض وجوه إحدى الجمعيات السياسية لدى المقر الانتخابي للمرشح المنافس حتى يتأكد للناس أنه غير مستقل، فقد كانت هناك قناعة سائدة في انتخابات 2018 أن العديد من المواطنين لا يحبذون مرشحي الجمعيات، ولعل هذا ما حدا بالكثير من الجمعيات السياسية في البحرين إلى عدم طرح مرشحين أعضاء من الجمعية إنما مساندة مرشحين مستقلين ومحايدين في اتجاهاتهم السياسية والفكرية بالباطن وعبر دعم لوجستي غير مباشر، ولعل هذا ظهر واضحاً وجلياً بين بعض المرشحين في إحدى الدوائر الانتخابية الذين حاضنتهم الفكرية وتنشئتهم تختص باتجاهات فكرية لإحدى الجمعيات السياسية فيما ترشحوا ضد بعضهم البعض كمستقلين، حيث كثرت المناوشات والجدالات بين المواطنين بشأن إيهما يكون فعلاً مرشحاً مستقلاً بعيدا عن انتماءاته وانتماءات أهله الحزبية كأعضاء مؤسسين لتلك الجمعية وأيهما ترشح وهو مدعوم بالباطن للجمعية السياسية التي هم مصنفون عليها بالأصل وانشغل أهالي الدائرة تلك بلعبة كشف هذا اللغز الانتخابي المحير، لذا كثير من الناخبين البحرينيين في بعض الدوائر الانتخابية كان من الممكن وصفهم بـ"الناخبين الحيارى" أمام العديد من الرسائل والحملات الانتخابية التي كانت تحمل معلومات متضاربة حول من هو المرشح المستقل فعلاً ومن هو المرشح الذي يدعي أنه مستقل والشارع البحريني انشغل معهم بمحاولة كشف هذه الحقائق!!
هناك أيضاً ظاهرة التحالفات بين المرشحين، حيث لوحظ بعد الجولة الأولى من الانتخابات قيام العديد من المرشحين الذين لم يحالفهم حظ الفوز بالتحالف مع المرشحين الفائزين والمتنافسين في الجولة الثانية من الانتخابات، وهناك منهم من حرص على مراعاة المصلحة الوطنية وهو يتحالف مع المرشح الأكفأ ويهتم بالتحالف مع الأفضل مع ركن مشاعر الخسارة الحاضرة بداخله جانباً، فيما البعض لجؤوا إلى الاهتمام بالتحالف مع مرشح نسبة التصويت التي حصل عليها قليلة بالأصل مقارنة بالمرشح المنافس حتى وإن لم يكن على درجة كبيرة من المؤهلات والخبرات، ولكن من باب الانتقام والعدائية والعداوات الشخصية وعدم تقبل الخسارة في سبيل استهداف المرشح الذي اكتسح، كما عمدت بعض الفرق الانتخابية لبعض المرشحين الذين لم يحالفهم حظ الفوز إلى ادعاء أن سبب الخسارة هو وجود خيانات من بعض المرشحين الذين يدعون التحالف معهم سواء أكان مرشحاً نيابياً متحالفاً مع مرشح بلدي أو العكس وأنهم قاموا بتقديم وعود لهم بتحويل الأصوات إليهم، وبالطبع هذا الكلام غير منطقي ومقبول لأن الناس أحرار في اختياراتهم، فقد يكونون مؤيدين لمرشح نيابي في حين ليسوا مع المرشح البلدي المتحالف معه والعكس صحيح، ومنهم من لجأ لحيلة أن هناك توجيهاً من جهات عليا بالدولة لمحاربته وإسقاطه، وغيرها من أقاويل نضج التجربة الديمقراطية في البحرين أثبتت أنها مجرد أقاويل لا صحة لها، فحتى وإن كانت هناك تحالفات قائمة بين مرشح نيابي ومرشح بلدي وسقوط أحدهما مقابل دخول الآخر الجولة الثانية فهذا أكبر دليل على نزاهة الانتخابات البحرينية ووعي الناخب البحريني في الاهتمام باختيار من هو مقتنع منه بغض النظر عن أي توجيهات أو إملاءات تمارس عليه وتوجهه.
هناك من علق بعبارة "فعلاً هذه الانتخابات علمتنا الكثير وعرفتنا على أشخاص لم نتوقع وقوفهم معنا وكشفت لنا معادن أشخاص صدمنا بأخلاقياتهم وتصرفاتهم!!" نعم تجربتنا الانتخابية البحرينية علمتنا الكثير وكشفت لنا معادن وأظهرت لنا حقائق ما كان من الممكن معرفتها لولا الخوض في هذا المعترك.
أيضاً انتخابات 2018 أكدت لنا حرص المواطن البحريني على المشاركة الديمقراطية بدليل اتجاه الكثير من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة إلى مراكز الاقتراع، حيث في أحد مراكز الاقتراع تمت مساعدة ما يزيد عن 103 حالات، ولعل مقطع الفيديو المنتشر لسيدة بحرينية تضع أنبوباً للتنفس بسبب ظرف صحي تمر به خير شاهد على هذا الحرص، كما أن نفاد أوراق الاقتراع في أحد مراكز التصويت وازدياد تدفق المواطنين وبكثافة لافتة خلال الساعات الأخيرة وقبل إغلاق صناديق الاقتراع، أيضاً من المؤشرات التي تعكس أن المواطن البحريني اتجه إلى هذه الصناديق بإرادته ورغبته في إيجاد التغيير، وأنه حر في مواقفه واتجاهاته الديمقراطية.
هناك مؤشرات أن المجلس النيابي القادم سيشكل فارقاً كبيراً من ناحية التنوعات التي تتواجد به، فهناك اكتساح ملاحظ للمرأة البحرينية، ففي إحدى الدوائر الانتخابية تنافست مرشحتان امرأتان مقابل سقوط المرشحين الرجال، مما يعزز مفهوم أن الناخب البحريني دعم في انتخابات 2018 تمكين المرأة نيابياً، وقد تكون تلك سابقة بالأصل في تاريخ الانتخابات على المستوى الخليجي، وهناك معطيات تكشف أنه من الممكن أن تتولى رئاسة المجلس النيابي امرأة، كما هناك معطيات أن يتولى منصب النائب الأول والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحد المرشحين الشباب الفائزين، فالاتجاه الشعبي العام في البحرين مع هذين الاتجاهين، اتجاه دعم المرأة البحرينية، وأيضاً دعم الشباب وتمكينهم سياسياً وبرلمانياً.
قد يكون السؤال بعد تجاوزنا لمحطة الانتخابات "ماذا بعد الانتخابات؟" وما المحطة التالية التي تنتظرنا؟ حتماً إنه وكما كان هناك حرص على إنجاح هذا العرس الديمقراطي فلا بد أن يستكمل هذا الحرص بالمتابعة الدائمة مع من سيحالفهم حظ الفوز في المجالس النيابية والبلدية، فالنائب لوحده ليس بإمكانه متابعة جميع مطالب وقضايا المواطنين في دائرته، كما لا بد أن يكون هناك حرص من قبل هؤلاء النواب الفائزين بعدم تغيير أرقام هواتفهم بعد فوزهم وانقطاع تواصلهم عن الناس ومحاسبة الناس لهم في حال فعلوا ذلك، كما أن الحاجة تكمن في إيجاد لجان أهلية تساند عمل العضو النيابي والبلدي بالمنطقة، فالأهالي الناشطون والقوى المؤثرة في ساحة الدائرة الانتخابية والذين ساهموا في إنجاح تجربتنا الانتخابية، لا بد أن يتم الحرص على التواصل الدائم معهم من خلال ضمهم في هذه اللجان لاستكمال مسيرتنا البحرينية الديمقراطية الحافلة.
{{ article.visit_count }}
- لم تعد تنطلي على الناخب البحريني الشعارات الزائفة ـو التبريرات غير الواقعية
- المواطن البحريني المؤسس الأول لتشكلية المجلس النيابي والبلدي القادم
- هناك وعي لدى الرأي العام البحريني بخصوص استخدام أدواته الديمقراطية
- وعي شعبي من تجاربنا الانتخابية تمثل في رفض الرشاوى الانتخابية
- الانتخابات كانت المحك لكشف الضمائر الوطنية المحبة للبحرين
- البعض قدم انتماءاته الحزبية الخارجية على انتمائه وولائه للبحرين
- القناعة في انتخابات 2018 أن عديداً من المواطنين لا يحبذون مرشحي الجمعيات
- اتجاه الكثير من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة لمراكز الاقتراع
- الناخب البحريني حرص على المشاركة الديمقراطية واتجه إلى صناديق الاقتراع
- اتجاه بتمكين المرأة لتتولى رئاسة "النيابي" وتولي نائب شاب منصب النائب الأول
.....
إن كان هناك عنوان يجب أن تعنون به تجربة انتخابات 2018 فقد يكون العنوان الأصلح والمناسب هو "الإرادة الشعبية الوطنية انتصرت في المعركة البحرينية الديمقراطية"، فقد اثبت الناخب البحريني خلال هذه الانتخابات أنه رقم صعب جداً وعلى درجة كبيرة من الوعي، وأن قراره بيده فعلاً، وبصوته قادر على إحداث التغييرات واختيار مصيره ومستقبله ومستقبل أبنائه.
الناخب البحريني أثبت خلال فترة الانتخابات أنه لم يعد من السهل التحكم في اختياراته وتوجهاته أو مواقفه التي جاءت نتيجة تراكم خبرات سابقة ومتتالية من مواسم الانتخابات السابقة أو خداعه وتضليله، والدليل ما قام به الناخبون من إسقاط معظم النواب الذين أعادوا ترشيح أنفسهم بنسب تصويت ضئيلة، فيما عدا البعض منهم الذي فاز من الجولة الأولى من منطلق أنهم خدموا قضايا المواطن البحريني وكان لهم حراكهم المميز فيما دخل آخرون منهم معترك الجولة الثانية من الانتخابات، وهو مؤشر يعكس أن الناخب البحريني قد لقن البعض منهم درساً ديمقراطياً وأوصل موقفه الساخط وغير الراضي عن أدائهم خلال المجلس السابق في عدم دعم قضايا المواطنين والإيفاء بوعودهم التي نسوها وتخلفوا عنها بعد فوزهم، مما يعكس ككل نضج التجربة الديمقراطية البحرينية وأن الناخب البحريني أصبح صاحب قرار ولم تعد تنطلي عليه الشعارات الزائفة أو التبريرات غير الواقعية.
هذه الانتخابات أثبتت للجميع مقولة "اللي يبونه بيوصلونه" في الإشارة إلى ما يروجه البعض من نظرية المؤامرة وفكرة مغلوطة أنه دائماً ما يحدث في الانتخابات طرح مرشحين حكوميين، وإشاعة أنه سيتم توجيه الأصوات لهم وحث وإلزام بعض الموظفين العاملين لدى جهات معينة في الدولة على التصويت لمرشح معين أو دعمهم بالباطن لأجل فوزهم لم تعد نظرية صحيحة وواقعية، ودليل ذلك ممن أشيع أنهم مرشحون مدعومون من جهات حكومية سقطوا مقابل أن منافسيهم كانوا ممن دخلوا الجولة الثانية من الانتخابات، لذا فتجربتنا الانتخابية في عام 2018 وأمام تطور الوعي لدى الناخب البحريني أوجدت لنا العديد من الدروس الوطنية البليغة التي تستوجب التوقف عندها والتعلم مما تحمله لنا من عبر ومواعظ، فالمواطن البحريني بيده حرية الاختيار الصحيح وحرية إيصال ممثله النيابي والبلدي وهو المؤسس الأول لتشكلية المجلس النيابي والبلدي القادم من خلال توجهه إلى صناديق التصويت لاختيار من يود تمثيله داخل هذه المجالس.
كما أن ما حصل في هذه الانتخابات دروس وطنية تصدر لمن يهمه الأمر أن الناخب البحريني حتى وإن تم خداعه وتضليله من قبل مرشح في سبيل التصويت له وإيصاله ومن ثم نسيانه، فإن بإمكانه أن يعيد كل ما فعله له من خلال إسقاطه في الانتخابات القادمة أو حتى إسقاط من يدعمه ومحسوب عليه في حال عدم إعادة ترشحه، ولعل أكثر الأسئلة التي كان ملاحظاً تكرار طرحها في معظم الندوات والمحاضرات الانتخابية "ماذا نفعل في حال وصول المرشح إلى مقعد المجلس النيابي أو البلدي ثم تخلفه عن الإيفاء بالوعود التي طرحها لنا في برنامجه الانتخابي"، حيث كثير من المواطنين أوصوا بأهمية الاحتفاظ بنسخ من البرامج الانتخابية الموزعة وذلك في سبيل الاتجاه نحو محاسبة المرشحين الفائزين المتخلفين عن تنفيذ وعودهم الانتخابية قانونياً، وهو مؤشر آخر يثبت أن الناخب البحريني أصبح المواطن النائب المهتم بالرقابة على المرشحين الفائزين في تنفيذ وعودهم الانتخابية والمحاسبة وكأنه يمارس سلطة رقابية تتشابه مع مهام عضو مجلس النواب، فقد بات واعياً بخصوص مسائل حقوقه واستخدام أدواته الديمقراطية التي كفلها له المشروع الإصلاحي الرائد لجلالة الملك حفظه الله ورعاه.
كما أن الناخب البحريني انتصر في هذه المعركة بالاهتمام بإيصال الكفاءات البحرينية والتدقيق والحرص على أن يصل ممن يحسنوا تمثيل المواطن البحريني ويكونون قريبين من همومه واحتياجاته، ولعل هذا اتضح جلياً في مظاهر الاهتمام بمناقشة العديد من المرشحين في نقاط برامجهم الانتخابية والتدقيق في سيرتهم الذاتية، مما يعكس أن هناك فرقاً كبيراً وشائعاً في تجاربنا الانتخابية السابقة وتجربتنا الانتخابية الحالية، بل كان هناك وعي شعبي تمثل في توجيه النصائح الانتخابية للمواطنين بأهمية رفض الرشاوي الانتخابية في بعض الدوائر الانتخابية والتهديد بالتشهير لأي مرشح ينوي توزيع مبالغ مالية أو مكيفات أو غيرها من أمور من مبدأ هذا المبلغ سيخدمك لفترة لا تتجاوز عدة شهور، في حين سيستفيد هو مادياً من مزايا ومكتسبات طيلة الأربع سنوات له كنائب، ولعل هذا ما أظهر أن هناك فارقاً كبيراً بين ظواهر الرشاوى الانتخابية التي كانت سائدة في انتخابات 2006 و2010 وندرتها في انتخابات 2018.
لذا لا يمكن إغفال أن المنافسات بين المرشحين كانت شرسة جداً، ولعل هذا ما اتضح خلال الجولة الثانية من الانتخابات، حيث ازدادت معارك حرب الشائعات وألعاب الحروب النفسية بشكل لافت للنظر ومكثف خاصة ليلة التصويت، فقد كانت الليلة الأسخن التي كثر فيها تداول الرسائل الهاتفية التي تستهدف ضرب المرشحين المنافسين أو حمل معلومات مغلوطة أو توجيهات بعدم التصويت لبعض المرشحين بتلفيق بعض القصص عليهم، لذا فقد كان هنا المحك الحقيقي الذي يبين من ترشح لأجل دعم المسيرة الديمقراطية للبحرين ومن ترشح لأجل مصالحه الخاصة وانتماءاته الحزبية، وهنا كان الاختبار الوطني الذي يظهر الضمائر الوطنية المحبة للبحرين والرافضة للإساءة لتجربتنا الديمقراطية وممارسة أي مظهر لا يمثل أخلاقيات شعب البحرين، فمن يحب البحرين ومتمسك بإنجاح هذا العرس الديمقراطي ومشروعها الإصلاحي الرائد حتماً سيلتزم بعدم الإساءة والتحلي بروح المنافسة الشريفة، كما أن بعض المواقف قد أثبتت للمواطن البحريني من هو متدين قولاً وفعلاً ومن هو متدين بالظاهر وشكلياً فيما كل تصرفاته وسلوكياته بعيدة عن مبادئ الدين الصحيحة، كما أثبتت أن هناك من يقدم انتماءاته الحزبية والتي بعضها جزء من كيانات حزبية خارجية على انتمائه للبحرين وولائه لها أولاً وأخيراً من خلال ممارسة ظاهرة اللمز والتسقيط في بعض المرشحين الوطنيين.
كما أن بعض الفرق الانتخابية أيضاً حرصت على ضرب المرشحين المنافسين من خلال العديد من الألعاب الانتخابية كلعبة قلب الطاولة على الآخر، وترويج أن المرشح المنافس ليس مستقلاً وكاذب، أو محاولة بيان أنه يتبع جمعية سياسية حتى لا يتجه الناس للتصويت إليه ويتجهوا للمرشح الآخر المدعوم بالباطن لإحدى الجمعيات السياسية!!
كما عمدت بعض الفرق الانتخابية إلى تعمد تكثيف حضور بعض وجوه إحدى الجمعيات السياسية لدى المقر الانتخابي للمرشح المنافس حتى يتأكد للناس أنه غير مستقل، فقد كانت هناك قناعة سائدة في انتخابات 2018 أن العديد من المواطنين لا يحبذون مرشحي الجمعيات، ولعل هذا ما حدا بالكثير من الجمعيات السياسية في البحرين إلى عدم طرح مرشحين أعضاء من الجمعية إنما مساندة مرشحين مستقلين ومحايدين في اتجاهاتهم السياسية والفكرية بالباطن وعبر دعم لوجستي غير مباشر، ولعل هذا ظهر واضحاً وجلياً بين بعض المرشحين في إحدى الدوائر الانتخابية الذين حاضنتهم الفكرية وتنشئتهم تختص باتجاهات فكرية لإحدى الجمعيات السياسية فيما ترشحوا ضد بعضهم البعض كمستقلين، حيث كثرت المناوشات والجدالات بين المواطنين بشأن إيهما يكون فعلاً مرشحاً مستقلاً بعيدا عن انتماءاته وانتماءات أهله الحزبية كأعضاء مؤسسين لتلك الجمعية وأيهما ترشح وهو مدعوم بالباطن للجمعية السياسية التي هم مصنفون عليها بالأصل وانشغل أهالي الدائرة تلك بلعبة كشف هذا اللغز الانتخابي المحير، لذا كثير من الناخبين البحرينيين في بعض الدوائر الانتخابية كان من الممكن وصفهم بـ"الناخبين الحيارى" أمام العديد من الرسائل والحملات الانتخابية التي كانت تحمل معلومات متضاربة حول من هو المرشح المستقل فعلاً ومن هو المرشح الذي يدعي أنه مستقل والشارع البحريني انشغل معهم بمحاولة كشف هذه الحقائق!!
هناك أيضاً ظاهرة التحالفات بين المرشحين، حيث لوحظ بعد الجولة الأولى من الانتخابات قيام العديد من المرشحين الذين لم يحالفهم حظ الفوز بالتحالف مع المرشحين الفائزين والمتنافسين في الجولة الثانية من الانتخابات، وهناك منهم من حرص على مراعاة المصلحة الوطنية وهو يتحالف مع المرشح الأكفأ ويهتم بالتحالف مع الأفضل مع ركن مشاعر الخسارة الحاضرة بداخله جانباً، فيما البعض لجؤوا إلى الاهتمام بالتحالف مع مرشح نسبة التصويت التي حصل عليها قليلة بالأصل مقارنة بالمرشح المنافس حتى وإن لم يكن على درجة كبيرة من المؤهلات والخبرات، ولكن من باب الانتقام والعدائية والعداوات الشخصية وعدم تقبل الخسارة في سبيل استهداف المرشح الذي اكتسح، كما عمدت بعض الفرق الانتخابية لبعض المرشحين الذين لم يحالفهم حظ الفوز إلى ادعاء أن سبب الخسارة هو وجود خيانات من بعض المرشحين الذين يدعون التحالف معهم سواء أكان مرشحاً نيابياً متحالفاً مع مرشح بلدي أو العكس وأنهم قاموا بتقديم وعود لهم بتحويل الأصوات إليهم، وبالطبع هذا الكلام غير منطقي ومقبول لأن الناس أحرار في اختياراتهم، فقد يكونون مؤيدين لمرشح نيابي في حين ليسوا مع المرشح البلدي المتحالف معه والعكس صحيح، ومنهم من لجأ لحيلة أن هناك توجيهاً من جهات عليا بالدولة لمحاربته وإسقاطه، وغيرها من أقاويل نضج التجربة الديمقراطية في البحرين أثبتت أنها مجرد أقاويل لا صحة لها، فحتى وإن كانت هناك تحالفات قائمة بين مرشح نيابي ومرشح بلدي وسقوط أحدهما مقابل دخول الآخر الجولة الثانية فهذا أكبر دليل على نزاهة الانتخابات البحرينية ووعي الناخب البحريني في الاهتمام باختيار من هو مقتنع منه بغض النظر عن أي توجيهات أو إملاءات تمارس عليه وتوجهه.
هناك من علق بعبارة "فعلاً هذه الانتخابات علمتنا الكثير وعرفتنا على أشخاص لم نتوقع وقوفهم معنا وكشفت لنا معادن أشخاص صدمنا بأخلاقياتهم وتصرفاتهم!!" نعم تجربتنا الانتخابية البحرينية علمتنا الكثير وكشفت لنا معادن وأظهرت لنا حقائق ما كان من الممكن معرفتها لولا الخوض في هذا المعترك.
أيضاً انتخابات 2018 أكدت لنا حرص المواطن البحريني على المشاركة الديمقراطية بدليل اتجاه الكثير من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة إلى مراكز الاقتراع، حيث في أحد مراكز الاقتراع تمت مساعدة ما يزيد عن 103 حالات، ولعل مقطع الفيديو المنتشر لسيدة بحرينية تضع أنبوباً للتنفس بسبب ظرف صحي تمر به خير شاهد على هذا الحرص، كما أن نفاد أوراق الاقتراع في أحد مراكز التصويت وازدياد تدفق المواطنين وبكثافة لافتة خلال الساعات الأخيرة وقبل إغلاق صناديق الاقتراع، أيضاً من المؤشرات التي تعكس أن المواطن البحريني اتجه إلى هذه الصناديق بإرادته ورغبته في إيجاد التغيير، وأنه حر في مواقفه واتجاهاته الديمقراطية.
هناك مؤشرات أن المجلس النيابي القادم سيشكل فارقاً كبيراً من ناحية التنوعات التي تتواجد به، فهناك اكتساح ملاحظ للمرأة البحرينية، ففي إحدى الدوائر الانتخابية تنافست مرشحتان امرأتان مقابل سقوط المرشحين الرجال، مما يعزز مفهوم أن الناخب البحريني دعم في انتخابات 2018 تمكين المرأة نيابياً، وقد تكون تلك سابقة بالأصل في تاريخ الانتخابات على المستوى الخليجي، وهناك معطيات تكشف أنه من الممكن أن تتولى رئاسة المجلس النيابي امرأة، كما هناك معطيات أن يتولى منصب النائب الأول والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحد المرشحين الشباب الفائزين، فالاتجاه الشعبي العام في البحرين مع هذين الاتجاهين، اتجاه دعم المرأة البحرينية، وأيضاً دعم الشباب وتمكينهم سياسياً وبرلمانياً.
قد يكون السؤال بعد تجاوزنا لمحطة الانتخابات "ماذا بعد الانتخابات؟" وما المحطة التالية التي تنتظرنا؟ حتماً إنه وكما كان هناك حرص على إنجاح هذا العرس الديمقراطي فلا بد أن يستكمل هذا الحرص بالمتابعة الدائمة مع من سيحالفهم حظ الفوز في المجالس النيابية والبلدية، فالنائب لوحده ليس بإمكانه متابعة جميع مطالب وقضايا المواطنين في دائرته، كما لا بد أن يكون هناك حرص من قبل هؤلاء النواب الفائزين بعدم تغيير أرقام هواتفهم بعد فوزهم وانقطاع تواصلهم عن الناس ومحاسبة الناس لهم في حال فعلوا ذلك، كما أن الحاجة تكمن في إيجاد لجان أهلية تساند عمل العضو النيابي والبلدي بالمنطقة، فالأهالي الناشطون والقوى المؤثرة في ساحة الدائرة الانتخابية والذين ساهموا في إنجاح تجربتنا الانتخابية، لا بد أن يتم الحرص على التواصل الدائم معهم من خلال ضمهم في هذه اللجان لاستكمال مسيرتنا البحرينية الديمقراطية الحافلة.