من الأمور اللافتة في تفكير البعض اعتباره جلوس سفير دولة خليجية إلى جانب سفير إسرائيل في دولة أجنبية أثناء حضور سفراء بعض الدول والمسؤولين مؤتمراً صحفياً أو حفلاً ما شكلاً من أشكال التطبيع مع إسرائيل ودعوة صريحة للاعتراف بها كدولة، وأن هذا يدخل في التمهيد لإقامة علاقات دبلوماسية ولتهيئة الأجواء لقيام مسؤولين إسرائيليين كبار بزيارات رسمية لدول مجلس التعاون.

تفكير يصعب تصنيفه ولكنه يعبر دونما شك عن قلة معرفة بالمجتمع الدبلوماسي وتأكيد على أن هذا البعض لا يزال ينظر إلى الأمور بسطحية لم يعد لها قبول في هذا الزمن. فأن تجد نفسك جالساً على الكرسي الملاصق للكرسي الذي يجلس عليه سفير أو مسؤول إسرائيلي في مناسبة تقام في دولة أجنبية لا يعني أن تطبيعاً مع إسرائيل قد حصل وأنه قد «طاح الحطب» ولم يعد ما يمنع من التواصل معها.

هذا التفكير لم يعد مقبولاً في هذا الزمن وبعد كل الذي مر من أحداث وتطورات شهدتها منطقة الشرق الأوسط، فالشكليات التي يتم التركيز عليها لا قيمة لها لأنها ببساطة لا يمكن أن تؤدي إلى اعتبار أن المشكلة بين دولنا الخليجية وإسرائيل قد انتهت، فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن يتم حل المشكلة الفلسطينية بالطريقة التي يرضى عنها الجميع لتكون سبباً في استقرار المنطقة.

أن تجد نفسك جالساً على كرسي يجلس على يمينه سفير أو وزير أو مسؤول إسرائيلي لا يعني أبداً أنك طبعت مع إسرائيل أو أنك تدعو إلى التطبيع أو أنك خنت القضية الفلسطينية أو فرطت فيها وبعتها، وأن تجد نفسك وقد صافحت هذا المسؤول أو ذاك بعد أن رأيت يده ممدودة إليك لتصافحه لا يعني أيضاً أنك تدعو إلى مثل ذاك الأمر أو أنك صرت كذلك. مثل هذا الأمر يكون فقط عند الذين يعانون من نقص في قدراتهم العقلية وخبراتهم والذين لا يزالون غير قادرين على قراءة الساحة وتطوراتها.

قبل السبعينيات وفي بدايتها لم يكن ممكناً ولا متقبلاً تضمن نشرة الأخبار لصورة مسؤول إسرائيلي، وعندما بدأت بعض التلفزيونات تسمح ببث صور وأفلام تحتوي على صورة أو خبر لموشيه دايان ضاق البعض من هذا الأمر لكن أحداً لم يقل بأن هذا تمهيد للتطبيع مع إسرائيل، فالعقول كانت تستوعب فكرة أن هذا الأمر يدخل في الطبيعي وأنه لا يمكن أن يتم التطبيع مع إسرائيل بمجرد بث فيلم إخباري يتضمن صورة أو خبراً عن مسؤول إسرائيلي.

إسرائيل لا يمكن أن تصير صديقة بمجرد أن جلس هذا المسؤول الخليجي أو ذاك إلى جانب مسئول إسرائيلي في هذه البلاد أو تلك، وهي لا يمكن أن تصير كذلك بمجرد حصول مصافحة بين مسؤول خليجي ومسؤول إسرائيلي. العلاقات مع إسرائيل تتبدل بتبدل موقفها وبتيقنها أنه لا استقرار في المنطقة ولا مصالحة إلا بحل القضية الفلسطينية وإنصاف الفلسطينيين، وعليه فإن عاقلاً لا يمكن أن يقول بأن تحدث المسؤول الخليجي مع المسؤول الإسرائيلي أو مصافحته أو الجلوس على الكرسي المجاور للكرسي الذي يجلس عليه تطبيعاً أو دعوة للتطبيع أو تمهيداً لمثل هذا الأمر. مثل هذا لا يقوله إلا قاصر عقل وعلم ومن هو دون القدرة على استيعاب مثل هذا الأمر.

موقف دول مجلس التعاون من إسرائيل واضح ومعروف، والأكيد أنه لا يمكن لهذه الدول أن تطبع مع إسرائيل قبل أن يتم إيجاد حل عملي ومنصف للقضية الفلسطينية، لكن بالتأكيد أيضاً لا يمكن اعتبار مصافحة أو جلوس على كرسي مجاور لكرسي يجلس عليه مسؤول إسرائيلي في مجتمع أجنبي تطبيعاً مع إسرائيل أو تمهيداً للتطبيع.