يتردد عند البعض أن الموظف أو المسؤول في القطاع العام متقاعس عن أداء عمله بالوجه المطلوب ويهمل مهامه الوظيفية، وغالباً ما يكون الإطراء المجتمعي للموظف المجتهد أو المسؤول المنجز من الكوادر البشرية من القطاع الخاص سواء أكان بحرينياً أو أجنبياً، وكأن المجتمع أقر أن غالبية موظفي القطاع العام عالة على المجتمع بعكس ما يرونه في موظف القطاع الخاص الذي يجدونه من صفوة ومن خيرة الكوادر التي تنجز وتعمل بلا كلل أو ملل وكأنهم في سباق مع الزمن لخدمة المجتمع والوطن. وهذا الحكم المجتمعي ما هو إلا إجحاف في حق العاملين في القطاع العام مع سبق الإصرار لأنهم يتناسون بأن الكثير من مشاريع حققت نجاحات محلية ودولية كان وراءهم كوادر بحرينية من القطاع العام، فهناك مسؤولون ووزراء ومن دونهم كانوا سبباً للتنمية التي تشهدها المملكة في مجالات عدة.

كثيرون من القطاع العام يتعرضون إلى الاحتراق الوظيفي ربما لا يشعر بهم أحد أو يلتمس منهم هذا الجهد والإنجاز، والاحتراق الوظيفي هو مصطلح يطلق على الموظف والمسؤول الذي يوجه جل طاقته في العمل من أجل الوصول إلى الكمال في الأداء والإنجاز الوظيفي على وجه السرعة بكفاءة عالية مهملاً جوانب عديدة من حياته وكأن الحياة هي فقط «الوظيفة». والأكثر إنصافاً، هناك من الموظفين من القطاعين من يتعرضون إلى الاحتراق الوظيفي على حدا سواء عندما يمحور الموظف أو المسؤول تفكيره في أن الحياة تنصب في العمل والإنجاز على مدار 24 ساعة، وأن النجاح يقاس بنجاحه في العمل فقط ما يسبب ذلك إهمالاً لذاته ولأسرته والمحيطين به من أصدقاء. كثيرون يعملون بالساعات بعد العمل والبعض يشق على نفسه في العمل من المنزل بعد الدوام الرسمي حيث يأخذ على عاتقه جزءاً كبيراً من راحته البدنية والنفسية في سبيل إنجاز هذا العمل أو المشروع الموكل إليه في حين أن هذا العمل يتحمل التأخير بعض الشيء، ولكن هناك أشخاص «يأكلون في أنفسهم»، من أجل الإنجاز اليومي. بالتأكيد الحرص على أداء الواجب ضروري ومهم بل يعد من العبادة في مجمله، ولكن إهمال الذات في ممارسة أنشطة أخرى في نهاية الأسبوع وعدم إعطاء مساحة لأفراد الأسرة بعد العمل والانخراط في العمل ليل نهار وعلى مدار الأسبوع يمكن أن يعرض الموظف أو المسؤول إلى الاحتراق الوظيفي الذي قد يأتي بالسلب بعد ذلك عليه وعلى أدائه في العمل وشعوره بالرضا ويشعر بالإنهاك والتعب، قد يؤدي ذلك إلى التقاعد المبكر أو إلى مشاكل أسرية كثيرة وإلى مشاكل صحية وصعوبة في إقامة علاقات شخصية حتى مع زملاء العمل ومشاكل كثيرة سببها عدم التوازن.

أحياناً يجبر الموظف أو المسؤول على إنهاء مشروع في العمل ويعكف على أدائه بجد وإخلاص، وهذا لا ضير حتى وإن استغرق وقتاً طويلاً في سبيل تحقيق النجاح، ولكن بعد إنجاز هذا المشروع يجب إعطاء مساحة للفكر والجسم والروح للراحة ووقت للاسترخاء مع نهاية كل أسبوع من العمل. وبذلك يتجدد النشاط ويتجدد الطموح في الإنجاز في العمل، فأحياناً ضغوطات العمل والإجهاد تدمر حياة الموظف الخاصة وتجعله يتصارع مع نفسه عندما يتعرض إلى الاحتراق الوظيفي ولا يجد السبيل للنجاة منه. التوازن هو المطلوب بين العمل والراحة حتى في العبادة، لم يرهق الله عباده بالعبادة المتواصلة بل أعطى المسلم مساحة للعمل والراحة وللعبادة لعلمه عز وجل بعدم استطاعة الإنسان على التحمل في شأن واحد ما لم يعط مساحة كبيرة لممارسة الكثير من الأشياء. العبادة والعمل والراحة وممارسة الأنشطة والهوايات المحببة تدفع الموظف أو المسؤول إلى أن يكون إنساناً طبيعياً بعيداً عن الاحتراق الوظيفي.