بالأمس صادفتني حالة وقفت عندها أتمعن في المشهد بشكل كلي.

أحد الأشخاص قابلني في أحد الممرات وأنا متجه لمكتبي، وبحكم معرفتي بموقع عمله، أدركت بأنه بعيد جداً عن مكتبه، فسألته ماذا يفعل هنا بعيداً عن مكان عمله؟! أجابني بأنه خرج ليتمشى قليلاً، وأنه سيعرج على مكاتب بعض أصدقائه!

سألته باستغراب: طيب أنت «تتسكع» الآن، ماذا لو سألك مسؤولك المباشر أين كنت؟! فأجابني على الفور: سأقول له بأنني كنت ذاهباً لأحصل على بعض الأوراق الهامة من أحد الإدارات!

قلت له: يعني ستكذب عليه؟! فأجاب ببرود: نعم، وهذا عذر بسيط جداً، لو لدي وقت أطول لأخبرتك بعشرات من الأعذار و«التكتيكات» التي بها يمكن لأي شخص خداع مسؤوله في العمل!

تركته ومضيت مستنكراً، بعدها فتحت الشبكة العنكبوتية لأكتب العنوان أعلاه «كيف تخدع مسؤولك في العمل»، فانتابتني صدمة كبيرة، إذ مثلما تعج مواقع الإنترنت بمعلومات مفيدة، بالأخص في علوم الإدارة، وتطوير الأعمال، وتحسين أجواء العمل، ونظريات التحفيز، تجد أيضاً نشراً لمواد ومعلومات وكأنها «تحرض» الناس على الممارسات غير السوية في الجوانب الإدارية، بل وتعطيهم طرقاً وأساليب للاستخدام.

قرأت أحد المواضيع المنشورة تحت عنوان «طرق خداع المسؤول»، فخلصت لهذه النقاط التي أسردها عليكم دون شرح أو تفصيل، حتى لا أكون مشاركا في نفس عملية نشر «السموم» هذه.

الموضوع حدد ستة أساليب يتبعها الشخص ليخدع بها مسؤوله، وهي:

* لا تتحرك من مكتبك إلا وفي يدك مجموعة من الأوراق، لتوهم الجميع أنك دائماً في عمل!

* تأكد من استخدام الحاسب في مكتبك طوال الوقت، لتوهم الجميع أنك مشغول!

* المكتب الخالي من الأوراق وغير الفوضوي، قد يبين للمسؤول أن صاحبه لا يعمل!

* لا تجب على هاتفك وأعد الاتصال بالمتصلين عليك وأكد لهم أنك لم تستطع الإجابة على اتصالهم لانشغالك في إنجاز العمل!

* أظهر نفسك بأنك مستعجل دائماً، لتوهمهم بأنك مشغول!

* احضر مبكراً، وتأخر في الخروج من العمل، إن كان المسؤول يتأخر، فسيلاحظ وجودك!

* اجعل لصوتك صدى مسموعاً للجميع، بالأخص في الاجتماعات وتحديداً حينما تؤيد رأي المسؤول!

* ضع العديد من الكتب في مكتبك، وبعضهم على الأرض، لتوهمهم بمستواك وثقافتك!

* احفظ بعض المصلحات، لتستخدمها في الحديث لتبرز وكأنك فاهم وذو مستوى متقدم!

* وأخيرا النصيحة الذهبية: لا ترسل هذه الرسالة لرئيسك ولو بالخطأ!

أنهيت القراءة وقلت في نفسي: والله إن بعض البشر تفوقوا على «وسوسة الشيطان» نفسه، بحيث أصبح لـ«الفهلوة» ولـ«النفاق» ولـ«الكذب» ولـ«التدليس» ولـ«للخداع» مدارس واستراتيجيات وطرائق.

لكن بالنظر لهذه القائمة أعلاه، يمكن القول بأنها قائمة «غير متقدمة» في الأساليب الخطيرة التي تنتهج مع بعض المسؤولين، خاصة من تلك الشرائح التي تحول مواقع العمل لـ«مناهل» استفادة شخصية لهم، وأتحدث هنا عن طرائق فيها «خداع» للمسؤول، لكن بأساليب أكثر خبثا، على رأسها محاولة الوصول لمصاف فئة الحاشية أو البطانة، هنا تبدأ عمليات «التضليل» عبر قلب الحقائق، وعبر تشويه صورة الآخرين، وعبر التأثير على اتجاهات القرارات والعمليات.

في النقطة هذه تحديداً هناك خداع للمسؤول أيضاً، لكنه بدرجة أخطر وأكبر، لأن الخطوات الأولى التي ذكرناها أعلاه، تأثيرها محدود ويعود للشخص نفسه بحيث ينأى بنفسه عن العقوبة والإجراءات، لكن في النوع الثاني التأثير قد يكون «كارثياً» لأن تأثيره قد يضر أفراداً آخرين، وقد يقود المنظومة بأكملها للتخطبات بل للهاوية، لو مرت هذه الأمور على المسئول دون أن ينتبه.

نصيحتي هنا، كل أمر فيه وجهان، واحد سيء وغير سوي، وآخر إيجابي وسوي، أنت من تختار ما تكون عليه، هل تكون «مخادعاً» و«أفاقاً» و«كاذباً»، أو تكون «صادقاً» و«سوياً» و«صالحاً»، أقلها حتى لا تخدع نفسك قبل أي أحد آخر.