لا تتوقف الحكومة الإسرائيلية عن دعوة الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل لكنها في المقابل تفعل الكثير من الذي يجعل هذه الدول تمتنع من الإقدام على هذه الخطوة المرفوضة شعبياً، فإسرائيل تقتل الفلسطينيين وتقسو عليهم وفي نفس الوقت تريد من العرب والمسلمين أن يتعاطفوا معها ويطبعوا وينسوا أنها هي المحتلة لفلسطين. نعم هناك مصالح تحكم وتجعل الدول تتصرف بطريقة قد لا تكون هي نفسها راضية عنها، لكنها في كل الأحوال لا يمكنها تجاوز بعض الخطوط خصوصاً وأنه لا يتوفر في المقابل ما يكفي من مبررات يمكنها الاستناد عليها وإقناع الشعوب بجدوى إقدامها على هذه الخطوة أو تلك.

السلام لا يمكن أن يأتي وسط استمرار إسرائيل في ممارساتها السالبة، والدول العربية لا يمكنها أن تقدم على أي خطوة تعتبرها الولايات المتحدة إيجابية في الوقت الذي لا تراعي فيه إسرائيل الكثير من الأمور وتتعامل مع الفلسطينيين بالشكل الذي تعتبر فيه قتلهم في مظاهرة أمراً عادياً ولا تراعي فيه الولايات المتحدة أموراً كثيرة فتقدم مثلاً على الإعلان عن أن الجولان ليس محتلاً وأنه أرض إسرائيلية.

لا تريد الدول العربية تخريب علاقتها بالولايات المتحدة ولا تريد الدخول في حرب مع إسرائيل، لكنها أيضاً لا يمكن أن تقبل إلا بما هو معقول ومنطقي. حشر الدول العربية في زاوية ضيقة يمنعها من التجاوب مع كل رغبة أمريكية أو إسرائيلية، لهذا جاءت بعض قرارات القمة العربية العادية 30 في تونس على غير ما تشتهي الولايات المتحدة وتتمنى وغير مريحة لإسرائيل.

اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لا بد أن يقابل بإدانة من الدول العربية، وفرض سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا ينسجم مع المرجعيات الدولية لا بد أن ترفضه الدول العربية، ومن الطبيعي أن تلقى الدعوة إلى نقل السفارات في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس الرفض من الدول العربية. هذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية تخرب على نفسها وتفشل مشاريعها بنفسها. دون أن يعني هذا أن الدول العربية متكالبة على إحداث مصالحة بينها وبين إسرائيل أو أنها راغبة في التطبيع معها.

الأخطاء التي تقع فيها الحكومة الإسرائيلية تشابه الأخطاء التي يقع فيها النظام الإيراني، فهذا النظام يقول إن يده ممدودة لدول المنطقة وأنه يريد لها الخير ولا يطلب معاداتها لكنه يمارس من الأفعال والسلوكيات ويتخذ من المواقف ما يجعل كل دول المنطقة تنفر منه وترفض حتى الاستماع إليه.

لا يمكن لإسرائيل ولا لإيران ولا للولايات المتحدة أن تفرض ما تريد على الدول العربية، فهذه الدول لا يمكن أن تقبل إلا المنطقي من الأمور وإلا الأمور التي لا تؤثر على العلاقة بينها وبين شعوبها، فهي معنية بشعوبها قبل أن تكون معنية بأي شيء، وهي ملتزمة بأمور وقواعد ومبادئ لا يمكن أن تتجاوزها. هي دول وليست أفرادا، ومواقف الدول لا تتخذ بناء على العواطف ولا حكم للمجاملات فيها.

رفض الدول العربية لقرار الرئيس الأمريكي فيما يخص الجولان طبيعي ومنطقي، ورفضها لنقل الدول التي لها سفارات في تل أبيب إلى القدس طبيعي ومنطقي، ورفضها الإقدام على إنشاء علاقات مع إسرائيل والتطبيع معها في وقت لاتزال تمارس فيه إسرائيل كل هذا الذي تمارسه ضد الفلسطينيين طبيعي ومنطقي، وكذا موقفها من النظام الإيراني.

الدول العربية لا يمكنها أن تتخذ القرارات والمواقف بعيداً عن قناعاتها ورضا شعوبها ولا يمكن أن تقدم على غير الطبيعي والمنطقي، وهذه من البديهيات التي ينبغي من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران أن تضعها في اعتبارها.