* قضية مدينة حمد في أيادٍ أمينة وتحت أنظار أعلى سلطة بالبحرين
* تحوير القضية إلى شخص وزير "التربية" لعبة مكشوفة ومعروفة الأهداف
* المجرم الموضوع في قفص الاتهام وتمت محاكمته "حدث" في النهاية
* "قضية سوار" ليست الأولى من نوعها وهناك حاجة للمناصحة والحلول الجذرية
* الصحافي تمر عليه يومياً العديد من القضايا والقصص المشابهة ومن يكتب عنها يحارب ويهدد
* الظواهر الأخلاقية في المدارس بحاجة لحلول تشريعية قبل التعليمية والمجتمعية
* مصدر يؤكد وجود شلة مدرسية تغرر بالفتيات للتدخين ومن ثم الحشيش
* اعتراف طفل بالإدمان يستوجب توفير الحماية وإبلاغ "الداخلية"
* لا بد من صحوة مجتمعية يعمل فيها ولي الأمر مع المدرس والإمام والإعلامي والقانوني
كل قضية يكون المواطن فيها مأمناً على أن ابنه وفلذات كبده في أيادٍ أمينة ثم يأتي من يخبره أن هناك مخاطر تحدق به وتتربص بسلامته وأمنه، لا بد أنها ستثير الضجة والرعب والهلع فيه وستنتقل إلى أولياء الأمور ثم المجتمع ككل، فكل قضية بالمجمل تخص الأمن سواء الأمن المدرسي أو المجتمعي هي بالتأكيد ستتحول إلى قضية رأي عام.
قضية واقعة مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات المثارة بخصوص تداول مؤثرات عقلية بين الطالبات والتي اهتم بها الشارع البحريني وأحدثت ضجة كبيرة في بداية كلامنا، نؤكد نثق أن هذه القضية في أيادٍ أمينة، وأن توجيه صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء لفتح تحقيق شامل ومتكامل في هذه الواقعة وتشكيل لجنة رفيعة المستوى برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء كي تتولى التحقيق في قضية الممارسات المخالفة لسلوكيات البيئة المدرسية والوقوف على الحقائق ومحاسبة المتجاوزين والمقصرين والحيلولة دون تكرار مثل تلك الأحداث المؤسفة في أية مدرسة حيث تضم اللجنة: وزير الداخلية، وزير التربية والتعليم، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب، وزيرة الصحة، وسترفع اللجنة تقريرها إلى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بعد انتهاء أعمالها، أمر مطمئن ويعكس أن القضية تحت محط أنظار أعلى سلطة بالبحرين، وأن هناك تحقيقاً عادلاً وشاملاً سوف يتم وبالتأكيد إنه سيخرج في مصلحة النظام التعليمي في مملكة البحرين كلل، خاصة أن هناك نية جادة في الحيلولة دون تكرارها في أي مدرسة أخرى، فهو مبعث أمن وطمأنينة للناس بالذات أولياء الأمور.
كما نود أن نؤكد في البداية على أمرين مهمين في هذه القضية، أولها، أن قيام البعض بتحوير القضية المثارة إلى شخص وزير التربية والتعليم وقيادة الحملة المسعورة ضد هذا الصرح التعليمي الشامخ وتزامناً مع ذكرى مئوية التعليم في مملكة البحرين، ندرك أهدافها وهي ليست جديدة بالمناسبة، فهي بين فترة وأخرى تعود لتثار بشكل أو بآخر «خلاص حفظنا.. ولكم ملينا»، وشخصياً دائماً ما أقول إن تعامل وزير التربية والتعليم الراقي جداً والمحترم مع الصحافة من المفترض أن يقتدي به بقية الوزراء والمسؤولين في مملكة البحرين، فهو يحترم الصحافة والعاملين فيها بشكل يعكس تنفيذه لتوجيهات سمو رئيس الوزراء وسياسة الأبواب المفتوحة، وطيلة تعاملنا شخصياً معه لم يحدث يوماً أن امتنع عن التصريح أو رفض التعليق حتى وإن كان الوقت يزاحمه ومضطراً للمغادرة وليس لديه وقت للتصريح، بل ويحرص أشد الحرص على توجيه المسؤولين من حوله للاهتمام بالصحافي والمتابعة معه وتزويده بكافة ما يحتاجه لمادته الصحافية، وتلك مواقف يدركها من تعامل معه بشكل مباشر وأيضاً تعكس حرصه على كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة فيما يخص وزارته.
أما الآمر الآخر، فهو أن الحديث في مثل هذه القضايا ذو شجون، ونحن هنا لا نقصد واقعة مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات إنما بشكل عام نتحدث عن مثل هذه القضايا التي نلحظ أن الضحية فيها هو طفل مغرر به أو مراهق أو شاب لايزال لا يمتلك خبرة بالحياة، فالمجرم الذي وضع في قفص الاتهام وتمت محاكمته هو «حدث» في النهاية وفق التعامل القانوني معه، ولربما يصدم القارئ إن قلنا إن هذه القضية التي أثارتها الدكتورة شريفة سوار ليست الأولى من نوعها وليست القضية الأولى التي نعلم عنها نحن كأقلام صحافية يلجأ إلينا فيها أولياء الأمور لإيجاد حل لها والبحث عن علاج لمشكلة يُبتلى فيها ولي الأمر مع ابنه أو ابنته.
فلا بد أن يفهم بعض المسؤولين غير المثقفين في متطلبات العمل الصحافي أن الصحافي بالأصل تمر عليه يومياً العديد من القضايا والقصص، وقد تمر عليه أيام وأسابيع وهو يبذل جهداً في تحري الحقيقة قبل أن يكتب عن أي شيء يمر عليه، وعندما يكتب فهو يراعي البعد الأمني والمجتمعي للقضايا، وكثير من القضايا قد ترده ولا يتطرق لها بالأصل وإن تطرق لها فقد طرحها بعد نفاد كل الحلول، ومتابعته مع ولي الأمر في طرق كل أبواب المسؤولين حيث يكون آخر خيار في مثل هذه القضايا طرحها إعلامياً، وليس معنى الإثارة الإعلامية التكسب الشخصي من شهرة وغيرها على حساب مصداقيته وأمانته والمسؤولية المجتمعية التي ينبغي أن يراعيها في عدم إثارة قضايا تؤثر على الأمن المجتمعي والسلم الأهلي، والمأساة التي يقع فيها من يكتب عن هذه القضايا أنه يحارب ويهدد رغم أنه يمارس حقه الديمقراطي الذي كفله له المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
من يقول ويدعي أن قضية مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات قد تكون القضية الأولى والأخيرة وحالة فردية، نرد عليه بل إن هناك قضايا عديدة منتشرة بين الطلبة ومشاكل آخذه في التفاقم وتحتاج لتكاتف مجتمعي وحلول جذرية لا حلول على شكل مهدئات، فهناك فساد إخلاقي آخذ في الانتشار بين عدد من طالبات وطلاب المدارس والأجيال الناشئة، لعدة عوامل، منها البيئة المنزلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، وضعف الوازع الديني والأخلاقي، وغيرها، وهناك ظواهر مخزية كالفتيات المتشبهين بالأولاد «البويات» أو الأولاد المتشبهين بالفتيات «بناتية»، والتدخين لكلا الجنسين بنوعيه «السجائر والشيشة»، والتسيب المدرسي والهروب، وبحاجة لحلول قانونية وتشريعية حازمة قبل الحلول المجتمعية والمدرسية والتربوية.
قبل سنتين مضت وردنا اتصال من مصدر أن هناك طالباً قد لجأ لمركز إرشادي، واعترف لأخصائي ذلك المركز عن أن هناك «شلة طلابية» في المدرسة دفعته للتدخين بطريقة شرهة جداً، حيث تم تعلميه طريقة تدخين ثلاث علب كاملة في وقت واحد!! وأمام كلامه المهزوز وطريقة تحدثه غير الطبيعية تم اكتشاف الفاجعة، وهي أن هذا الطالب الذي تم تدريبه على هذه الطريقة بالتدخين وقت انتهاء الدوام المدرسي «الهدة» يلتقي مع هذه الشلة مع أشخاص آخرين خارج وقت الدوام المدرسي في الممشى مساءً حيث يأتيهم رجل كبير يمنحهم الحشيش، وبعد أن تم تعليمه على السجائر تم دفعه لتدخين الحشيش! الأدهى أن الطالب قال للأخصائي: لا يوجد رقيب وقت انتهاء الدوام المدرسي «الهدّة» وإذا ما ضبط الطالب فإنه سيتم إنذاره وفصله عدة أيام، أي لا يوجد عقاب رادع مخيف، فقمنا بدرونا بالتواصل مع وزارة الداخلية من خلف الكواليس وتحويل القضية إليهم وإبلاغهم أن الطالب يدعي أن هناك مدرسين متورطين في توزيع حبوب هلوسة، وتم إبلاغنا أن هذا الأمر غير صحيح أبداً وأن الطالب لربما يبالغ، كما تمت محاولة عمل كمين للقبض على عصابة الطلبة، فيما المصدر أخبرنا أن الطالب اختفى ولم يعد يراجع المركز، ووالدته في تكتم على الموضوع، كما قامت إدارة المدرسة فور علمها بالشكوى المقدمة بمخاطبة والدته بأن الأمن مستتب وهذه الأمور غير موجودة «هنا مكمن الخلل»، فلابد من التحقق أولاً والتأكد أن كان كلامه صحيح أو لا قبل الرد فوراً، لأن هذا الأسلوب يضعف ثقة المواطن في اللجوء لهذه الجهات ويجعله لا يمتلك خياراً غير التشهير في مواقع التواصل الاجتماعي أو الانسحاب والسكوت على بلواه واللجوء إلى المراكز العلاجية، فيما من جعله مدمناً حر طليق يبحث عن ضحية أخرى، فأسلوب التشكيك ومحاولة إثبات أنه المخطئ بدلاً من مطالعة الصورة بالكامل، وأن هذا الطالب ما هو إلا ضحية تغرير وخداع من قبل طلبة دفعوه للتدخين ومن ثم للانجرار إلى عالم أكبر خارج أسوار المدرسة، وشجاعته في التكلم والاعتراف تحتاج إلى دعم، كما أنه يحتاج إلى علاج أكثر من محاكمة وعقاب.
ثم عندما يراجع شخص مراكز إرشادية ويكتشف أنه مدمن، فالإجراء المتبع أنه يتم تحويله إلى وحدة المؤيد لعلاج وتأهيل مدمني الكحول والمخدرات «وهنا مكمن الخلل الآخر»، فمن المفترض أن يكون هناك تضافر في الجهود وإيجاد شبكة اتصالية موحدة بين مختلف الجهات والوزارات التي تكشف فيها مثل هذه القضايا بحيث إن أي حدث أو مراهق أو طفل يلجأ لمركز إرشادي ويعترف بإدمانه يتم التواصل مباشرة مع وزارة الداخلية وإبلاغهم بأن هناك طفلاً مدمناً، ولا بد من تتبع من غرر به ودفعه للتدخين وللإدمان على الحشيش وتلقفه عند أبواب المدرسة بعد انتهاء وقت الدوام المدرسي، حتى تتم متابعة القضية من كافة النواحي والجهات، ويتم الإمساك بالرأس المدبر لا الطفل المغرر وحتى نضمن الحماية له، فبهذا الإجراء حتى من يخاف ويتردد سيتشجع على الاعتراف لأنه سيشعر أنه اتجه إلى أيادٍ أمينة ستكفل له الحماية لا الاكتفاء بمعالجة الطالب فقط، فإن عولج هذا الطالب فماذا عن البقية؟
كما أن هناك حاجة من قبل بعض المسؤولين، عندما تثار مثل هذه القضايا، ألا يأخذ القضية على محمل شخصي، وكأن هناك من يستهدفه ويحاول طيلة الوقت إثبات أن موقعه الوظيفي المدينة الفاضلة، فكل بلد فيها مقبرة بل ينظر إلى المصلحة العامة للبلد وما هو أبعد من شخصه ووظيفته حتى، فبعض المسؤولين لدينا للأسف نجد أن وزراءهم قياديون ومتفهمون لورود القضايا والمشاكل، في حين هو كمسؤول في موقع وظيفي ما يكون غير حيادي ويبحث عن أي شيء يرميه في كفة أولياء الأمور والصحافة، وكما يقال كمقولة سائدة «حكومي أكثر من الحكومة نفسها»، فهل معقول هناك موقع وظيفي واحد في العالم بلا أخطاء ويتم العمل فيه بشكل مثالي تام؟ بالطبع لا.. الأخطاء واردة وتركيزنا يجب ألا ينصب على محاولة «تغليط» من أثار القضية وكأنه عدو لنا أو التشكيك في ما طرح، بل جوهر القضية نفسها، ولا يصح أن نسير على منهجية تقاذف المسؤوليات، بل أن نكون يداً واحدة مجتمعة في إيجاد حل جذري ووقائي يعالج جذور المشكلة لا يقتطع أفرعها الصغيرة!
وللأسف الشديد، دائماً السيناريو المتتبع مع الأقلام التي تكشف مثل هذه القضايا محاولة الإسكات والمحاربة والتشكيك بمصداقية ما تطرحه وادعاء أنها تهول وتكبر المسائل، والطريف عندما تجد مسؤولاً يتكلم وهو بكامل قواه العقلية أن هذا الصحافي يبحث عن شهرة وأضواء وأن المسألة حالة فردية لا ظاهرة وتحصل في كل مدارس العالم، والحقيقة التي لا نفهمها ونتمنى لو يكون هناك شخص منطقي وعاقل يوضحها لنا: ولماذا أنت كمسؤول تدرك أننا في بلد متطور ولله الحمد يخلوا من هذه المسائل والقضايا ونفتخر أن مدارسنا نظيفة من الظواهر التي نراها في دول أخرى حيث الحشيش والسلوكيات غير الأخلاقية تحصل على عتبات المدارس، لن يرضيك إلا عندما نكون نسخة مقلدة من تلك الدول الغريبة في هذه السلبيات والبلاوي؟ لماذا نشعر وكأنك بهذا الجواب غير العقلاني ولا شعورياً تطمح أن تكون البحرين مثل بعض دول الغرب في الفساد؟ معقول يعني تريد أن تكون البحرين مثل بقية تلك الدول في مدارسها وشوارعها بدلاً من أن تكون حريصاً بالمحافظة على وطننا أن يكون بلداً مثالياً لا يتشابه مع تلك الدول في هذه المصائب والكوارث التي ابتلي بها الناس هناك ويبحثون عن حلول لها من سنين؟ ثم أي منطق هذا الذي يجعل البعض يصرح بطريقة أنها حالة فردية لا ظاهرة؟ يعني تنتظر أن تكون ظاهرة حتى تتحرك وتحس على دمك وتعالج الموضوع؟ ألا تفكر بعض العقليات القيادية لدينا أنه لكل بلد خصوصيته وظروفه الجغرافية والمجتمعية، وأننا في مملكة البحرين نحمد الله أننا في بلد صغير المساحة جغرافيته بسيطة وغير معقدة بالجبال والهضاب والوديان التي قد تتسبب بعدم القدرة على بسط الأمن واستتباب الاستقرار، ولأننا في بلد صغير المساحة ومجتمع متداخل وتلك نعمة، فهي بنفس الوقت قد تكون نقمة في حال انتشار ظاهرة، لأنها ستكون سريعة الانتشار بين البيوت، عكس دول أخرى، من الممكن أن تنتشر في مناطق وولايات ولا تتنشر في الأخرى، نظراً أيضاً لتركيبتها الجغرافية المعقدة «لا تلبس ثوب غير ثوبك»!
هناك من يقول، المشكلة الحاصلة أننا نستهين بالأمور البسيطة والصغيرة حتى تتفاهم، وأنا معهم في وجهه النظر هذه، ولست مع من يقول حالات فردية، ويجب ألا نضخم المسائل ونكبرها، فالمجتمع الآمن هو المجتمع الذي يسير على منهجية الوقاية خير من العلاج و»يجهز الدوى قبل الفلعة مو ينتظر الفلعة حق يدور عن دوى ويقعد يجرب أكثر من دوى!».
هناك علامة استفهام، الرأي العام البحريني لايزال يتمنى الحصول على إجابه لها، وهي بتاريخ 24 مارس الماضي نشر تصريحان متناقضان، الأول لوزارة التربية والتعليم حيث أكدت أن الموضوع (قديم) وأن الوزارة هي من اكتشفته منذ السابع من يناير 2019 وشكّلت بشأنه لجنة تحقيق من تسعة أعضاء من المختصين وأصدرت القرارات الرادعة منذ التاسع من يناير 2019، وليس مثلما يعتقد البعض بأن هذا الموضوع أثير فقط تزامناً مع نشر الفيديو المتداول حيث سبق للوزارة الرد على شكوى واردة إليها عبر الخط الساخن حول ذات الموضوع في 10 مارس 2019، كما سبق للوزارة التعامل مع هذا الموضوع والرد عليه في ذات اليوم عند نشره في إحدى الصحف المحلية يوم 17 مارس 2019، مما يؤكد بأن الموضوع ليس جديداً، إلا فيما تضمنه من أقوال جديدة لم ترد خلال التحقيق وأنه نظراً لخطورة المخالفات المنسوبة للطالبتين، وتأثيرها السلبي على المجتمع المدرسي، فقد أوصت لجنة الانضباط الطلابي بتحويلهما إلى نظام الدراسة بالمنازل، بعد انتهاء فترة عقوبتهما، إضافةً إلى إحاطة الجهات المختصة بهذه الواقعة فيما الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني بوزارة الداخلية البحرينية أصدرت بياناً ذكرت خلاله أنه تم استدعاء كافة الأطراف المعنية بالقضية والتي لم يسبق تلقي بلاغ بشأنها، والسؤال هنا قد يكون أن أطراف القضية لم يلجؤوا لوزارة الداخلية وتقديم شكوى، لكن أليس من المفترض من القائمين في وزارة التربية والتعليم إخطار وزارة الداخلية بهذه القضية؟ أقله أن يكون هناك تنسيق قائم وشراكة حقيقية بين وزارتي التربية والتعليم والداخلية بالإخطار عن أي نوع من هذه القضايا الخطيرة والتي كما ذكر بيان التربية والتعليم «لخطورة المخالفات المنسوبة للطالبتين»، بل لا بد من أن يكون هناك تنسيق قائم بين مختلف وزارات ومؤسسات الدولة ووزارة الداخلية، بحيث أي قضية ترد من هذه الشاكلة يتم إرسال نسخة منها إلى وزارة الداخلية للبحث والتحري الدقيق، فالمسألة لا تتعلق بطالبتين بل إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك، هذا إذا أردنا أن نسير وفق منهجية الحفاظ على الكيان التعليمي وغيره في مملكة البحرين من أي اختراقات لقضايا من هذا النوع.
كما قالت الوزارة، إنها قد تعاملت مع هذه المخالفة المتمثلة في تداول واستهلاك حبوب (ليريكا) في المدرسة بالجدية اللازمة، والسؤال هنا هل المقصود بالجدية اللازمة أنه تمت محاولة تتبع من وراء هاتين الطالبتين وكيف حصلتا على هذه الحبوب، ومن أوزع لهما استخدامها أو حتى توزيعها؟ كما ذكرت الوزارة أن في الوزارة مركزاً للإرشاد النفسي والأكاديمي، يتولى متابعة المشاكل الطلابية بكافة أنواعها والمساعدة على حلها، إضافة إلى وجود أكثر من 600 مرشد اجتماعي في المدارس، وهناك نشدد بأهمية أننا لا نريد أن يكون هذا المركز يلجأ إليه الطالب بل هو من يصل للطلاب ويقتحم مجتمعاتهم وينزل إليهم ويشجعهم على مراجعته حتى يكون مصدر أمان لهم للكشف عن أي قضايا أخرى مماثلة.
أعتقد أن الخطوة الأولى لعلاج مثل هذه القضايا الاعتراف بالمشكلة لا المكابرة وادعاء أنها حالات فردية والتقليل من أهميتها بوصفها «مشكلة بسيطة»، فهؤلاء طلبة صغار ليس لهم خبرة بالحياة وهم بالمناسبة «صيدة» سهلة لأي أفراد وعصابات تود اختراق المجتمعات المدرسية الآمنة، كما أن الموضوع له أبعاد، فإن كان هناك من يقول إن الإهمال التربوي والبيئة المنزلية هي السبب في الانحرافات السلوكية للمراهق والشاب فينبغي هنا أن نؤكد قاعدة أن المدرسة والجامعة في أي دولة بالعالم هي من تكون الخيار الثاني والبيئة الآمنة والتي تقوم الطالب والطفل والشاب، ولا بد أن تكون هناك صحوة مجتمعية بحيث يعمل فيها ولي الأمر مع المدرس مع إمام المسجد مع النائب مع الإعلامي مع القانوني مع رجل الأمن مع المسؤولين كافة لإنقاذ هؤلاء الضحايا وطرح حلول جذرية وحملات توعوية وبرامج إرشادية تعزز مفهوم المجتمع الوقائي لا العلاجي، فلا يكفي أن نقول إن الحل كان بمعاقبة الطالبتين وفصلهما، بل إن العقاب الحقيقي يجب أن يشمل كافة الأطراف ذات العلاقة، وأن نضمن ألا تكون هناك سيناريوهات متشابهة أو مستقبلية حتى في مجتمعات طلابية أخرى، فهذا ما يقلق أولياء الأمور حالياً.
* تحوير القضية إلى شخص وزير "التربية" لعبة مكشوفة ومعروفة الأهداف
* المجرم الموضوع في قفص الاتهام وتمت محاكمته "حدث" في النهاية
* "قضية سوار" ليست الأولى من نوعها وهناك حاجة للمناصحة والحلول الجذرية
* الصحافي تمر عليه يومياً العديد من القضايا والقصص المشابهة ومن يكتب عنها يحارب ويهدد
* الظواهر الأخلاقية في المدارس بحاجة لحلول تشريعية قبل التعليمية والمجتمعية
* مصدر يؤكد وجود شلة مدرسية تغرر بالفتيات للتدخين ومن ثم الحشيش
* اعتراف طفل بالإدمان يستوجب توفير الحماية وإبلاغ "الداخلية"
* لا بد من صحوة مجتمعية يعمل فيها ولي الأمر مع المدرس والإمام والإعلامي والقانوني
كل قضية يكون المواطن فيها مأمناً على أن ابنه وفلذات كبده في أيادٍ أمينة ثم يأتي من يخبره أن هناك مخاطر تحدق به وتتربص بسلامته وأمنه، لا بد أنها ستثير الضجة والرعب والهلع فيه وستنتقل إلى أولياء الأمور ثم المجتمع ككل، فكل قضية بالمجمل تخص الأمن سواء الأمن المدرسي أو المجتمعي هي بالتأكيد ستتحول إلى قضية رأي عام.
قضية واقعة مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات المثارة بخصوص تداول مؤثرات عقلية بين الطالبات والتي اهتم بها الشارع البحريني وأحدثت ضجة كبيرة في بداية كلامنا، نؤكد نثق أن هذه القضية في أيادٍ أمينة، وأن توجيه صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء لفتح تحقيق شامل ومتكامل في هذه الواقعة وتشكيل لجنة رفيعة المستوى برئاسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء كي تتولى التحقيق في قضية الممارسات المخالفة لسلوكيات البيئة المدرسية والوقوف على الحقائق ومحاسبة المتجاوزين والمقصرين والحيلولة دون تكرار مثل تلك الأحداث المؤسفة في أية مدرسة حيث تضم اللجنة: وزير الداخلية، وزير التربية والتعليم، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب، وزيرة الصحة، وسترفع اللجنة تقريرها إلى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بعد انتهاء أعمالها، أمر مطمئن ويعكس أن القضية تحت محط أنظار أعلى سلطة بالبحرين، وأن هناك تحقيقاً عادلاً وشاملاً سوف يتم وبالتأكيد إنه سيخرج في مصلحة النظام التعليمي في مملكة البحرين كلل، خاصة أن هناك نية جادة في الحيلولة دون تكرارها في أي مدرسة أخرى، فهو مبعث أمن وطمأنينة للناس بالذات أولياء الأمور.
كما نود أن نؤكد في البداية على أمرين مهمين في هذه القضية، أولها، أن قيام البعض بتحوير القضية المثارة إلى شخص وزير التربية والتعليم وقيادة الحملة المسعورة ضد هذا الصرح التعليمي الشامخ وتزامناً مع ذكرى مئوية التعليم في مملكة البحرين، ندرك أهدافها وهي ليست جديدة بالمناسبة، فهي بين فترة وأخرى تعود لتثار بشكل أو بآخر «خلاص حفظنا.. ولكم ملينا»، وشخصياً دائماً ما أقول إن تعامل وزير التربية والتعليم الراقي جداً والمحترم مع الصحافة من المفترض أن يقتدي به بقية الوزراء والمسؤولين في مملكة البحرين، فهو يحترم الصحافة والعاملين فيها بشكل يعكس تنفيذه لتوجيهات سمو رئيس الوزراء وسياسة الأبواب المفتوحة، وطيلة تعاملنا شخصياً معه لم يحدث يوماً أن امتنع عن التصريح أو رفض التعليق حتى وإن كان الوقت يزاحمه ومضطراً للمغادرة وليس لديه وقت للتصريح، بل ويحرص أشد الحرص على توجيه المسؤولين من حوله للاهتمام بالصحافي والمتابعة معه وتزويده بكافة ما يحتاجه لمادته الصحافية، وتلك مواقف يدركها من تعامل معه بشكل مباشر وأيضاً تعكس حرصه على كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة فيما يخص وزارته.
أما الآمر الآخر، فهو أن الحديث في مثل هذه القضايا ذو شجون، ونحن هنا لا نقصد واقعة مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات إنما بشكل عام نتحدث عن مثل هذه القضايا التي نلحظ أن الضحية فيها هو طفل مغرر به أو مراهق أو شاب لايزال لا يمتلك خبرة بالحياة، فالمجرم الذي وضع في قفص الاتهام وتمت محاكمته هو «حدث» في النهاية وفق التعامل القانوني معه، ولربما يصدم القارئ إن قلنا إن هذه القضية التي أثارتها الدكتورة شريفة سوار ليست الأولى من نوعها وليست القضية الأولى التي نعلم عنها نحن كأقلام صحافية يلجأ إلينا فيها أولياء الأمور لإيجاد حل لها والبحث عن علاج لمشكلة يُبتلى فيها ولي الأمر مع ابنه أو ابنته.
فلا بد أن يفهم بعض المسؤولين غير المثقفين في متطلبات العمل الصحافي أن الصحافي بالأصل تمر عليه يومياً العديد من القضايا والقصص، وقد تمر عليه أيام وأسابيع وهو يبذل جهداً في تحري الحقيقة قبل أن يكتب عن أي شيء يمر عليه، وعندما يكتب فهو يراعي البعد الأمني والمجتمعي للقضايا، وكثير من القضايا قد ترده ولا يتطرق لها بالأصل وإن تطرق لها فقد طرحها بعد نفاد كل الحلول، ومتابعته مع ولي الأمر في طرق كل أبواب المسؤولين حيث يكون آخر خيار في مثل هذه القضايا طرحها إعلامياً، وليس معنى الإثارة الإعلامية التكسب الشخصي من شهرة وغيرها على حساب مصداقيته وأمانته والمسؤولية المجتمعية التي ينبغي أن يراعيها في عدم إثارة قضايا تؤثر على الأمن المجتمعي والسلم الأهلي، والمأساة التي يقع فيها من يكتب عن هذه القضايا أنه يحارب ويهدد رغم أنه يمارس حقه الديمقراطي الذي كفله له المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
من يقول ويدعي أن قضية مدرسة مدينة حمد الإعدادية للبنات قد تكون القضية الأولى والأخيرة وحالة فردية، نرد عليه بل إن هناك قضايا عديدة منتشرة بين الطلبة ومشاكل آخذه في التفاقم وتحتاج لتكاتف مجتمعي وحلول جذرية لا حلول على شكل مهدئات، فهناك فساد إخلاقي آخذ في الانتشار بين عدد من طالبات وطلاب المدارس والأجيال الناشئة، لعدة عوامل، منها البيئة المنزلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، وضعف الوازع الديني والأخلاقي، وغيرها، وهناك ظواهر مخزية كالفتيات المتشبهين بالأولاد «البويات» أو الأولاد المتشبهين بالفتيات «بناتية»، والتدخين لكلا الجنسين بنوعيه «السجائر والشيشة»، والتسيب المدرسي والهروب، وبحاجة لحلول قانونية وتشريعية حازمة قبل الحلول المجتمعية والمدرسية والتربوية.
قبل سنتين مضت وردنا اتصال من مصدر أن هناك طالباً قد لجأ لمركز إرشادي، واعترف لأخصائي ذلك المركز عن أن هناك «شلة طلابية» في المدرسة دفعته للتدخين بطريقة شرهة جداً، حيث تم تعلميه طريقة تدخين ثلاث علب كاملة في وقت واحد!! وأمام كلامه المهزوز وطريقة تحدثه غير الطبيعية تم اكتشاف الفاجعة، وهي أن هذا الطالب الذي تم تدريبه على هذه الطريقة بالتدخين وقت انتهاء الدوام المدرسي «الهدة» يلتقي مع هذه الشلة مع أشخاص آخرين خارج وقت الدوام المدرسي في الممشى مساءً حيث يأتيهم رجل كبير يمنحهم الحشيش، وبعد أن تم تعليمه على السجائر تم دفعه لتدخين الحشيش! الأدهى أن الطالب قال للأخصائي: لا يوجد رقيب وقت انتهاء الدوام المدرسي «الهدّة» وإذا ما ضبط الطالب فإنه سيتم إنذاره وفصله عدة أيام، أي لا يوجد عقاب رادع مخيف، فقمنا بدرونا بالتواصل مع وزارة الداخلية من خلف الكواليس وتحويل القضية إليهم وإبلاغهم أن الطالب يدعي أن هناك مدرسين متورطين في توزيع حبوب هلوسة، وتم إبلاغنا أن هذا الأمر غير صحيح أبداً وأن الطالب لربما يبالغ، كما تمت محاولة عمل كمين للقبض على عصابة الطلبة، فيما المصدر أخبرنا أن الطالب اختفى ولم يعد يراجع المركز، ووالدته في تكتم على الموضوع، كما قامت إدارة المدرسة فور علمها بالشكوى المقدمة بمخاطبة والدته بأن الأمن مستتب وهذه الأمور غير موجودة «هنا مكمن الخلل»، فلابد من التحقق أولاً والتأكد أن كان كلامه صحيح أو لا قبل الرد فوراً، لأن هذا الأسلوب يضعف ثقة المواطن في اللجوء لهذه الجهات ويجعله لا يمتلك خياراً غير التشهير في مواقع التواصل الاجتماعي أو الانسحاب والسكوت على بلواه واللجوء إلى المراكز العلاجية، فيما من جعله مدمناً حر طليق يبحث عن ضحية أخرى، فأسلوب التشكيك ومحاولة إثبات أنه المخطئ بدلاً من مطالعة الصورة بالكامل، وأن هذا الطالب ما هو إلا ضحية تغرير وخداع من قبل طلبة دفعوه للتدخين ومن ثم للانجرار إلى عالم أكبر خارج أسوار المدرسة، وشجاعته في التكلم والاعتراف تحتاج إلى دعم، كما أنه يحتاج إلى علاج أكثر من محاكمة وعقاب.
ثم عندما يراجع شخص مراكز إرشادية ويكتشف أنه مدمن، فالإجراء المتبع أنه يتم تحويله إلى وحدة المؤيد لعلاج وتأهيل مدمني الكحول والمخدرات «وهنا مكمن الخلل الآخر»، فمن المفترض أن يكون هناك تضافر في الجهود وإيجاد شبكة اتصالية موحدة بين مختلف الجهات والوزارات التي تكشف فيها مثل هذه القضايا بحيث إن أي حدث أو مراهق أو طفل يلجأ لمركز إرشادي ويعترف بإدمانه يتم التواصل مباشرة مع وزارة الداخلية وإبلاغهم بأن هناك طفلاً مدمناً، ولا بد من تتبع من غرر به ودفعه للتدخين وللإدمان على الحشيش وتلقفه عند أبواب المدرسة بعد انتهاء وقت الدوام المدرسي، حتى تتم متابعة القضية من كافة النواحي والجهات، ويتم الإمساك بالرأس المدبر لا الطفل المغرر وحتى نضمن الحماية له، فبهذا الإجراء حتى من يخاف ويتردد سيتشجع على الاعتراف لأنه سيشعر أنه اتجه إلى أيادٍ أمينة ستكفل له الحماية لا الاكتفاء بمعالجة الطالب فقط، فإن عولج هذا الطالب فماذا عن البقية؟
كما أن هناك حاجة من قبل بعض المسؤولين، عندما تثار مثل هذه القضايا، ألا يأخذ القضية على محمل شخصي، وكأن هناك من يستهدفه ويحاول طيلة الوقت إثبات أن موقعه الوظيفي المدينة الفاضلة، فكل بلد فيها مقبرة بل ينظر إلى المصلحة العامة للبلد وما هو أبعد من شخصه ووظيفته حتى، فبعض المسؤولين لدينا للأسف نجد أن وزراءهم قياديون ومتفهمون لورود القضايا والمشاكل، في حين هو كمسؤول في موقع وظيفي ما يكون غير حيادي ويبحث عن أي شيء يرميه في كفة أولياء الأمور والصحافة، وكما يقال كمقولة سائدة «حكومي أكثر من الحكومة نفسها»، فهل معقول هناك موقع وظيفي واحد في العالم بلا أخطاء ويتم العمل فيه بشكل مثالي تام؟ بالطبع لا.. الأخطاء واردة وتركيزنا يجب ألا ينصب على محاولة «تغليط» من أثار القضية وكأنه عدو لنا أو التشكيك في ما طرح، بل جوهر القضية نفسها، ولا يصح أن نسير على منهجية تقاذف المسؤوليات، بل أن نكون يداً واحدة مجتمعة في إيجاد حل جذري ووقائي يعالج جذور المشكلة لا يقتطع أفرعها الصغيرة!
وللأسف الشديد، دائماً السيناريو المتتبع مع الأقلام التي تكشف مثل هذه القضايا محاولة الإسكات والمحاربة والتشكيك بمصداقية ما تطرحه وادعاء أنها تهول وتكبر المسائل، والطريف عندما تجد مسؤولاً يتكلم وهو بكامل قواه العقلية أن هذا الصحافي يبحث عن شهرة وأضواء وأن المسألة حالة فردية لا ظاهرة وتحصل في كل مدارس العالم، والحقيقة التي لا نفهمها ونتمنى لو يكون هناك شخص منطقي وعاقل يوضحها لنا: ولماذا أنت كمسؤول تدرك أننا في بلد متطور ولله الحمد يخلوا من هذه المسائل والقضايا ونفتخر أن مدارسنا نظيفة من الظواهر التي نراها في دول أخرى حيث الحشيش والسلوكيات غير الأخلاقية تحصل على عتبات المدارس، لن يرضيك إلا عندما نكون نسخة مقلدة من تلك الدول الغريبة في هذه السلبيات والبلاوي؟ لماذا نشعر وكأنك بهذا الجواب غير العقلاني ولا شعورياً تطمح أن تكون البحرين مثل بعض دول الغرب في الفساد؟ معقول يعني تريد أن تكون البحرين مثل بقية تلك الدول في مدارسها وشوارعها بدلاً من أن تكون حريصاً بالمحافظة على وطننا أن يكون بلداً مثالياً لا يتشابه مع تلك الدول في هذه المصائب والكوارث التي ابتلي بها الناس هناك ويبحثون عن حلول لها من سنين؟ ثم أي منطق هذا الذي يجعل البعض يصرح بطريقة أنها حالة فردية لا ظاهرة؟ يعني تنتظر أن تكون ظاهرة حتى تتحرك وتحس على دمك وتعالج الموضوع؟ ألا تفكر بعض العقليات القيادية لدينا أنه لكل بلد خصوصيته وظروفه الجغرافية والمجتمعية، وأننا في مملكة البحرين نحمد الله أننا في بلد صغير المساحة جغرافيته بسيطة وغير معقدة بالجبال والهضاب والوديان التي قد تتسبب بعدم القدرة على بسط الأمن واستتباب الاستقرار، ولأننا في بلد صغير المساحة ومجتمع متداخل وتلك نعمة، فهي بنفس الوقت قد تكون نقمة في حال انتشار ظاهرة، لأنها ستكون سريعة الانتشار بين البيوت، عكس دول أخرى، من الممكن أن تنتشر في مناطق وولايات ولا تتنشر في الأخرى، نظراً أيضاً لتركيبتها الجغرافية المعقدة «لا تلبس ثوب غير ثوبك»!
هناك من يقول، المشكلة الحاصلة أننا نستهين بالأمور البسيطة والصغيرة حتى تتفاهم، وأنا معهم في وجهه النظر هذه، ولست مع من يقول حالات فردية، ويجب ألا نضخم المسائل ونكبرها، فالمجتمع الآمن هو المجتمع الذي يسير على منهجية الوقاية خير من العلاج و»يجهز الدوى قبل الفلعة مو ينتظر الفلعة حق يدور عن دوى ويقعد يجرب أكثر من دوى!».
هناك علامة استفهام، الرأي العام البحريني لايزال يتمنى الحصول على إجابه لها، وهي بتاريخ 24 مارس الماضي نشر تصريحان متناقضان، الأول لوزارة التربية والتعليم حيث أكدت أن الموضوع (قديم) وأن الوزارة هي من اكتشفته منذ السابع من يناير 2019 وشكّلت بشأنه لجنة تحقيق من تسعة أعضاء من المختصين وأصدرت القرارات الرادعة منذ التاسع من يناير 2019، وليس مثلما يعتقد البعض بأن هذا الموضوع أثير فقط تزامناً مع نشر الفيديو المتداول حيث سبق للوزارة الرد على شكوى واردة إليها عبر الخط الساخن حول ذات الموضوع في 10 مارس 2019، كما سبق للوزارة التعامل مع هذا الموضوع والرد عليه في ذات اليوم عند نشره في إحدى الصحف المحلية يوم 17 مارس 2019، مما يؤكد بأن الموضوع ليس جديداً، إلا فيما تضمنه من أقوال جديدة لم ترد خلال التحقيق وأنه نظراً لخطورة المخالفات المنسوبة للطالبتين، وتأثيرها السلبي على المجتمع المدرسي، فقد أوصت لجنة الانضباط الطلابي بتحويلهما إلى نظام الدراسة بالمنازل، بعد انتهاء فترة عقوبتهما، إضافةً إلى إحاطة الجهات المختصة بهذه الواقعة فيما الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني بوزارة الداخلية البحرينية أصدرت بياناً ذكرت خلاله أنه تم استدعاء كافة الأطراف المعنية بالقضية والتي لم يسبق تلقي بلاغ بشأنها، والسؤال هنا قد يكون أن أطراف القضية لم يلجؤوا لوزارة الداخلية وتقديم شكوى، لكن أليس من المفترض من القائمين في وزارة التربية والتعليم إخطار وزارة الداخلية بهذه القضية؟ أقله أن يكون هناك تنسيق قائم وشراكة حقيقية بين وزارتي التربية والتعليم والداخلية بالإخطار عن أي نوع من هذه القضايا الخطيرة والتي كما ذكر بيان التربية والتعليم «لخطورة المخالفات المنسوبة للطالبتين»، بل لا بد من أن يكون هناك تنسيق قائم بين مختلف وزارات ومؤسسات الدولة ووزارة الداخلية، بحيث أي قضية ترد من هذه الشاكلة يتم إرسال نسخة منها إلى وزارة الداخلية للبحث والتحري الدقيق، فالمسألة لا تتعلق بطالبتين بل إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك، هذا إذا أردنا أن نسير وفق منهجية الحفاظ على الكيان التعليمي وغيره في مملكة البحرين من أي اختراقات لقضايا من هذا النوع.
كما قالت الوزارة، إنها قد تعاملت مع هذه المخالفة المتمثلة في تداول واستهلاك حبوب (ليريكا) في المدرسة بالجدية اللازمة، والسؤال هنا هل المقصود بالجدية اللازمة أنه تمت محاولة تتبع من وراء هاتين الطالبتين وكيف حصلتا على هذه الحبوب، ومن أوزع لهما استخدامها أو حتى توزيعها؟ كما ذكرت الوزارة أن في الوزارة مركزاً للإرشاد النفسي والأكاديمي، يتولى متابعة المشاكل الطلابية بكافة أنواعها والمساعدة على حلها، إضافة إلى وجود أكثر من 600 مرشد اجتماعي في المدارس، وهناك نشدد بأهمية أننا لا نريد أن يكون هذا المركز يلجأ إليه الطالب بل هو من يصل للطلاب ويقتحم مجتمعاتهم وينزل إليهم ويشجعهم على مراجعته حتى يكون مصدر أمان لهم للكشف عن أي قضايا أخرى مماثلة.
أعتقد أن الخطوة الأولى لعلاج مثل هذه القضايا الاعتراف بالمشكلة لا المكابرة وادعاء أنها حالات فردية والتقليل من أهميتها بوصفها «مشكلة بسيطة»، فهؤلاء طلبة صغار ليس لهم خبرة بالحياة وهم بالمناسبة «صيدة» سهلة لأي أفراد وعصابات تود اختراق المجتمعات المدرسية الآمنة، كما أن الموضوع له أبعاد، فإن كان هناك من يقول إن الإهمال التربوي والبيئة المنزلية هي السبب في الانحرافات السلوكية للمراهق والشاب فينبغي هنا أن نؤكد قاعدة أن المدرسة والجامعة في أي دولة بالعالم هي من تكون الخيار الثاني والبيئة الآمنة والتي تقوم الطالب والطفل والشاب، ولا بد أن تكون هناك صحوة مجتمعية بحيث يعمل فيها ولي الأمر مع المدرس مع إمام المسجد مع النائب مع الإعلامي مع القانوني مع رجل الأمن مع المسؤولين كافة لإنقاذ هؤلاء الضحايا وطرح حلول جذرية وحملات توعوية وبرامج إرشادية تعزز مفهوم المجتمع الوقائي لا العلاجي، فلا يكفي أن نقول إن الحل كان بمعاقبة الطالبتين وفصلهما، بل إن العقاب الحقيقي يجب أن يشمل كافة الأطراف ذات العلاقة، وأن نضمن ألا تكون هناك سيناريوهات متشابهة أو مستقبلية حتى في مجتمعات طلابية أخرى، فهذا ما يقلق أولياء الأمور حالياً.