عند عودة أحد معارفي من طهران التي زارها أخيراً سألته عن أحوال المواطنين الإيرانيين هناك وما إذا كانوا يمتدحون النظام كما يشيع أربابه فقال إنه فوجئ بموقفهم منه، واختصر حديثه في القول بأنه لم يسمع على مدى عشرة أيام قضاها هناك من أحد من الإيرانيين كلمة طيبة عن النظام وأن الغالبية يعيشون في أوضاع صعبة والجميع صار يؤمن بأن مسؤولي النظام يعيشون حياة باذخة وأنهم صاروا يتملكون الأراضي والبيوت الفخمة.

أهمية القول هنا تكمن في أن من سمعت منه ظل طويلاً يعتقد بأن كل ما ينشر عن النظام هناك وأحوال الشعب الإيراني مبالغ فيه وغير دقيق وأن المراد منه هو القول بأن التجربة الإيرانية فاشلة. قال لم أفاجأ بأن أحداً لا يمتدح النظام ولكن فوجئت بأن كل من التقيتهم كانوا يذمون الملالي ويعتقدون أنهم استأثروا بالثروات لأنفسهم ويأملون في التغيير وأنهم غير راضين عن تبديد الثروة وصرف الأموال على الميليشيات في الخارج.

هذا القول وغيره من أقوال لموضوعيين زاروا إيران في السنوات الأخيرة يؤكد بأن المعلومات التي نشرتها السفارة الأمريكية في بغداد أخيراً عن جني خامنئي ثروة مقدارها 200 مليار دولار صحيحة، ويؤكد بأن المواطنين الإيرانيين صاروا على يقين بأن النظام الحاكم في بلادهم يعمل لنفسه ولا يهمه أحوالهم وأن مسؤولي النظام الكبار يمتلكون حسابات سرية وأصولاً لا تخضع للرقابة ولا يدفعون عنها الضرائب.

كل هذا يعين على التوصل إلى استنتاج مهم وهو أن النظام الإيراني لم يوفر المثال والنموذج الذي يمكن أن يحتذى، ومن ثم فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح بقوة هو ما الذي يراه أولئك الذين يصنفون أنفسهم في خانة «المعارضة» في هذه التجربة الفاشلة ولا نراه؟ أمثل هذه التجارب الفاشلة يمكن أن تكون مثالاً ونموذجاً ويتمنون أن تكرر في البحرين ودول المنطقة؟

40 سنة بالتمام والكمال تاه فيها الشعب الإيراني وعانى من سوء النظام الذي اختطف ثورته واستولى على السلطة ونهب ثروته وتقاسمها أربابه، خلالها عانت المنطقة كلها من التصرفات السالبة لهذا النظام ومواقفه الخاطئة واعتقاده بأن أمر السيطرة على المنطقة وتسيدها سهل يسير.

اليوم صار النظام الإيراني مكشوفاً للجميع، وصار الجميع يريد أن يرى اليوم الذي ينهار فيه هذا النظام ويزول ليعيش الشعب الإيراني الحياة التي يستحقها وتليق به ويستمتع بثروة بلاده التي لا بد من أن يستردها من الذين استولوا عليها واستأثروا بها وعاشوا حياة نقيضة للحياة التي تفرضها العمامة.

من الأمور التي صار العالم يؤمن بها اليوم أن ما تنشره المقاومة الإيرانية المتمثلة في منظمة «مجاهدي خلق» وغيرها وما صار يقوله أصحاب سيارات الأجرة والعاملون في الفنادق والأسواق وفي كل مكان للزوار والسائحين في المدن والقرى الإيرانية حقيقي وبعيد عن المبالغة، فالمواطنون الإيرانيون خارج توليفة النظام الحاكم يعيشون حياة صعبة ولم يعودوا قادرين على تحمل المزيد، ولهذا فإنهم يتعلقون بكل أمل يلوح في الأفق، وهذا هو سر الفرحة التي شاعت بينهم فور انتشار خبر القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة والرامية إلى إضعاف النظام الإيراني، فهذه القرارات من شأنها أن تجعل النظام يتوقف عن الصرف ببذخ على الميليشيات التي أنشأها في الخارج وأولها ميليشيا «حزب الله» في لبنان و«الحشد الشعبي» في العراق و«أنصار الله» الحوثيون في اليمن، وتجعله يعرف حدوده وينتبه إلى أنه حان الوقت كي يسلم السلطة لمستحقيها.

لو أن الذين يزورون إيران ويلتقون بالمواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية فيها ينقلون ما يسمعونه منهم من دون «تلوين» وبذمة لحصلوا على أجر المساهمة في إنقاذ الشعب الإيراني من براثن النظام المتخلف الذي أذاقه الأمرين.