كل عام، وفي رمضان تحديداً، نكتب هنا من وحي دخول الشهر الفضيل، هذا الشهر الذي يتعامل معه الناس بتباينات مختلفة، وكل تعامل يكشف عن مكنون صاحبه بالضرورة.لكن النمط الغالب، خاصة ممن ينشرون تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يعبرون عن آرائهم عبر تطبيق «الواتس آب» من خلال مجموعات أصدقائهم، هذا النمط من خلال تحليل ما يعبر عنه، يخيل لك وكأنه يتحدث عن «ضيف ثقيل» بسببه سيعاني شهراً كاملاً!طبعاً كثيرون سيستنكرون هذا الكلام، ومنهم حتى الناس الذين يقومون بعملية التوصيف السلبية لرمضان، لكن الفعل هو أمضى تأكيد، وخير استشهاد.البعض يقول لك بأن «الدوام» في رمضان أمر «ثقيل»، بل مسألة «لا تطاق»، وعليه كثيرون يعمدون لأخذ إجازاتهم في شهر رمضان، طبعاً قلائل هم من يأخذونها بغية اكتساب الأجر، والقيام بالواجبات الدينية، لكنَّ كثيرين يعتبرون رمضان شهر أكل وسهر وسمر.نحسن النوايا طبعاً، وسنقول بأن الجميع -يفترض- أن يستقبلوا رمضان بفرح، باعتبار أن أجواءه مختلفة تماماً، من الناحية الدينية والروحانية، وحتى من الناحية الاجتماعية، بالتالي التعامل السلبي مع رمضان أمر لا يجب حصوله، ولذلك كتبنا هنا مرات ومرات، بأن البعض الذي يكون رمضان ضيفاً ثقيلاً عليه بالفعل، خاصة ممن يؤدي بهم الصيام عن الطعام والشراب والتدخين بأنواعه إلى «اختلال» في نفسياتهم، وإلى فقد للسيطرة على سلوكياتهم، هؤلاء الأفضل لهم أن يخرجوا في إجازات ليختفوا عن مواقع العمل صباحاً.بمسح سريع لانطباعات المراجعين للدوائر الحكومية في رمضان، سنجد أن رأي الناس يتفق على أن الإنتاجية، وحسن التعامل، والجدية والاهتمام، وقبلها الالتزام، كلها أمور تتدنى نسبها، ويخيل لك بأن العمل في رمضان يصاب بحالة «شلل»، والسبب هو الصيام، هو الشماعة الدائمة التي يعلق عليها كثيرون مبرراتهم.رمضان لا يفترض أن يكون شهراً تتدنى فيه السلوكيات، وتضيع فيه الأخلاقيات، وينهار فيه الأداء الوظيفي، موروثنا الديني وحتى الاجتماعي حينما نبحث فيه سنجد أن رمضان هو الشهر الذي ترتفع فيه الأخلاقيات، وهو الشهر الذي يكون فيه الإقبال على العمل والإنتاج تحدياً أمام البشر، يبرز فيه نجم من يتمثل بجميل الصفات خلال الشهر عبر أدائه وتفانيه في عمله.رمضان ليس شهراً نمتنع فيه عن الأكل والشرب والتدخين حتى تغيب الشمس، ونقول بعدها مع أول لقمة «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»، ونحن طوال النهار لا نعمل ولا ننتج، ولا تكون أخلاقنا رفيعة المستوى مع الناس، ويظل بعضنا يمارس الأفعال الخاطئة سواء اجتماعياً أو مهنياً.المشهد الجميل الذي دائماً يظل راسخاً في الذهن خلال رمضان، هم أولئك الشباب والشابات الذين يقفون عند مفترقات الطرق والإشارات قبيل الفطور، ليقدموا للناس تمرات وقناني المياه، حتى لا يتهور كثيرون في السياقة ليسابقوا الزمن قبل إطلاق المدفع، هذا مشهد بسيط وجميل، ويحمل في معانيه الكثير، وأهم ما يحمله هي الأخلاق الطيبة والبشاشة وحسن التعامل خلال وقت الصيام.أجراً مقبولاً نتمناه لكل من يكون رمضان ضيفاً عزيزاً وغالياً عليه، لا ضيفاً ثقيلاً في مخيلته وسلوكياته.