رمضان مدرسة أخلاقية تزدهر فيها القيم الإنسانية الرفيعة، والقيم -كما هو معلوم- موجهات للسلوك الإنساني، ونسق القيم يتحرك في إطار سلم يعكس توجه المجتمع نحو الأمام أم إلى الخلف، أو إلى التطور أم التأخر! ويفترض أن تقوم المعالجة الإعلامية المسؤولة بدور كبير في تشكيل القيم الإيجابية وتدعيمها والمحافظة عليها بحيث تنعكس قوة وتماسكاً وتعاوناً بين أفراد المجتمع، وهنا تكمن أهمية القيم وخطورتها فالعمل هنا مجاله وعي الأفراد وثقافتهم ومن ثم وعيهم ورشد أعمالهم، ويمثل شهر رمضان المبارك من كل عام فرصة نادرة لتدعيم القيم الرفيعة في المجتمع،كالصبر والإخلاص والأمانة وتقدير الوقت والعمل والمثابرة والتسامح والمشاركة والتكافل وبث روح الأمل والمحبة بين أفراد المجتمع إلى جانب التخلص من القيم السلبية والسلوكيات الهدامة التي تهدد أمانه واستقراره، إلا أن كثيراً من المعالجات الإعلامية في السنوات الأخيرة -بكل أسف- دأبت على الخروج على هذ المبدأ البدهي بل وأصبحت معولاً هداماً للرصيد القيمي العربي من خلال بعض البرامج والمسلسلات التي لم تراعِ قيم المجتمع وحاجات الجمهور، ومن أمثلة ذلك انتشار ظاهرة الألفاظ الخارجة في كثير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وعرض مشاهد خادشة أو غير ملائمة للأسرة والطفل، وكذلك اختيار أفكار برامجية لاتتلاءم مع روح وثقافة المجتمع العربي عبر معالجات افتراضية تسيء لشرائح اجتماعية معينة من خلال ممارسات لا انتشار لها في الواقع، هذا إلى جانب السطحية والبذخ المادي في كثير من المعالجات الفنية التي لاجدوى من إنتاجها، وتركيز الإنتاج الخاص على تحقيق الربح المادي فحسب!لقد أصدرت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر قراراً مهماً يقضي بدفع القنوات التلفزيونية التي تتنصل من مسؤوليتها غرامة مالية تصل إلى ربع مليون جنيه لكل لفظ خادش مع سحب ترخيص القناة حفاظاً على الذوق العام وقيم المجتمع وذلك بعد أن بلغ السيل الزبي وفوجئ الجمهور على مدى السنوات القليلة الماضية بسيل من تلك التجاوزات الخطيرة في البرامج والمسلسلات والأفلام، وكم كنا نتمنى لو كان الالتزام القيمي نابعاً من الضمير الإعلامي للقناة أو المنتج أو معدي ومقدمي البرامج من دون الحاجة لقرارات وقوانين! إن شهر رمضان المعظم يفترض أن يوقظ فينا المسؤولية الإعلامية وأمانة الارتقاء بالذوق العام نظراً لأنه شهر القيم والبناء الأخلاقي، وهو كما ذكرنا مدرسة تربوية راقية وجب على كل مؤسسات المجتمع أن تقوم بدورها المنوط بها، وفي مقدمة هؤلاء العاملون في مجال الإنتاج الإعلامي بأنماطه المختلفة، ويكفينا جهداً ما نكابده إزاء تلك الفوضي الجامحة في وسائل التواصل الاجتماعي وما تخلفه من آثار ضارة في السلوك الاجتماعي والإنساني، فتعالوا من جديد إلى المعني الحقيقي الذي يغرسه فينا شهر رمضان، ولنتخذ من منظومة القيم التي يرسيها أساساً نشيد عليه ضميرنا ومسؤوليتنا الإعلامية!