نحن من أشد الداعمين للممارسة الديمقراطية عبر قنواتها الشرعية، مشروعنا الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله أعاد للبحرين حياتها النيابية، ودعا لانتخابات نيابية وبلدية، والهدف من ذلك كان إشراك المواطن في صناعة القرار.

منذ عودة الحياة البرلمانية في عام 2002، ونحن نكرر دائماً بأن «تجربتنا ستنضج»، وأن الناس «سيتطور تعاطيهم الديمقراطي»، لم أشأ كتابة «سيتعلمون»، رغم أن التعليم عملية مستمرة تحصل لدى الإنسان المستوعب لدوره في الحياة، وكيف أن «العلم من المهد إلى اللحد». عموما، كنا نقول بأن التجربة ستتطور وستتحسن وستكون أقوى «فصلاً تشريعياً، عن فصل تشريعي آخر»، وأن الخبرات التراكمية هي ما نحتاجه، حتى يغدو برلماننا قوياً في أدائه، وحصيفاً في مشروعاته وأطروحاته.

هنا العامل الحاسم الذي قد «يدمر» لك أي خبرة تراكمية، وأعني به «تبدل الوجوه»، ودخول عناصر جديدة، مشكلة هذه العناصر أنها لا تدرس تاريخ المجلس عبر فحص الماضي بهدف البناء عليه وتقديم صورة أفضل، بل البعض يدرس الماضي حتى يتصيد أخطاء وسقطات وفشل حققه النواب السابقون، سواء أكان فشلاً معنياً بـ»تصريحات كلامية» أو «مواقف» امتعض منها الناس.

المشكلة بأن ما نشهده أمامنا في بعض المواضيع، لا يمكن وصفه بأنه تقدم للأمام، بل هو تراجع للوراء وبشكل رهيب، سواء أكان في أسلوب الطرح، أو المعالجات، أو نوايا التعامل مع وزراء معينين في الحكومة.

هناك نواب سمعنا أصواتهم العالية والتي لا تتوقف خلال فترات الترشح للانتخابات، رأينا الانتشار الواسع لتصريحاتهم وفعالياتهم في مقارهم الانتخابية من خلال توظيفهم لوسائل التواصل الاجتماعي، واليوم نكاد ننسى أن النائب فلان أو علان موجود في المجلس، لأنه ملتزم الصمت، أو يعمل بصمت في اللجان! طيب «عسى ما شر» للصامتين، أين النشاط الموعود؟! والعاملين بهدوء، رجاء تحتاجون لعمل «ضجة» ولو ذات صوت منخفض، أو أقلها بينوا عملكم للناس، حتى لا تظلموا من حكم المجتمع، خاصة وأن للمجتمع عليكم حقاً بأن تكشفوا له ما تفعلون.

لكن الغريب الذي يحصل اليوم هي تلك التصريحات والمواقف الارتجالية التي وكأنها تعيد لنا استنساخ نواباً سابقين، عرفهم الناس بعلو صوتهم، وبطرح الاقتراحات الخيالية والغريبة عادة، والذين كان همهم نشر مقاطع الفيديو التي تخص كلامهم في مواقع التواصل، في عملية هدفها واضح ينحصر في التأثير على الناس، ليس إلا، وكأن النائب يقول «بريت ذمتي أمامكم، وخلاص».

نبحث عن نضج يفوق البرلمان الأول في 2002، فنجده عن قليل من النواب، في حين هناك آخرون يظنون أن «البطولة النيابية» هي بتوجيه الاتهامات للحكومة ووزرائها، حتى وإن عجز النائب عن تقديم دليل إدانة دامغ. وهذه العملية كارثة بحد ذاتها، لأنك تثير الشارع، وتفجر التساؤلات، وتدفع الناس للمطالبة بكشف الأدلة وبناء عليها محاسبة الوزير والمسؤول، وهذا هو الإجراء المطلوب القيام به، وإلا فإن الجرم يقع على النواب أنفسهم!

لكن أن يطرح الكلام جزافاً هكذا، وثم تنتشر المقاطع ليهيج الناس، وبعدها لا تتخذ أية إجراءات بناء على الأدوات الدستورية، ماذا نسمي هذا المشهد كله؟! أتستخفون بالناس؟! من لديه القوة على استخدام الأداة الدستورية فليقدم عليها، وإلا لا يثير الشارع ويصنع «البلبلة في أوساط المجتمع».

أما نواب مقترحات «تكتيك اضرب واهرب»، فهذا الأسلوب رجاء أوقفوه، يكفي استدراراً لمشاعر الناس وتهييجاً لهم.

لا ينفع طرح مقترح، أو طلب في غضون «ثلاث ثوانٍ» ثم قول كلمة «شكراً» وغلق المكرفون قبل حتى أن يلتقط الناس أنفاسهم، وبعدها تنتظر أن تحصل معجزة ليتحقق طلبك هذا!

أسلوب «اضرب واهرب» فاشل ومفضوح، ومن يريد أن يحاسب الفاسدين لا يطالب الدولة القيام بذلك بدلاً عنه، عبر التأسي بدول شقيقة خلال «ثلاث ثوانٍ» ثم يغلق الميكروفون وكأنه حقق «بطولة خارقة». تريد محاسبة الفساد، لديك تقارير الرقابة حركها وانفض ما فيها، أقلها التقرير الأخير عوضاً عن التقارير السابقة التي «دفنت» وصليتم عليها أنتم ومن سبقكم صلاة الميت. تريد محاسبة الفاسدين، استخدم أدواتك الدستورية، احصرهم بأسمائهم وبما ارتكبوه من مخالفات، وحجم المبالغ المختلسة، وحولهم للنيابة والقضاء، ولديك سجون ولا تحتاج لأي فندق أو منتجع.

يكفينا كلاماً بدون فعل، تريدون أن نحترم أداءكم ونرفع لكم القبعة؟! أسكتونا بأفعالكم القوية، لا بأقوالكم أمام «الكاميرا غير الخفية».