الفقر ظاهرة اجتماعية لا تختفي موجودة منذ القدم ومازالت موجودة في المجتمعات المتأخرة والنامية وحتى المتقدمة، لفت انتباهي عبارة مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء السابقة للمملكة المتحدة عندما قالت: «الفقر هو عيب في الشخصية» وأن عقلية الحاجة الموجودة لدى الفقراء هي التي تجعلهم يتصرفون بشكل مختلف وذلك بسبب إدراكهم أنهم يعانون من نقص في شَيْءٍ ما، هل هذا صحيح؟! أم أن الفقر حاجة مادية قاتلة ليس له علاقة بالنقص في الشخصية وتنتهي بسد الحاجات الاساسية كالمأوى والمأكل والمشرب؟
جورج أورويل هو أحد الروائيين والصحافيين البريطانيين كتب كثيراً في مواضيع غياب العدالة الاجتماعية ومسببات الفقر، عاش فقيراً لفترة من الزمن في عشرينيات القرن الماضي فتناول موضوع الفقر بعد معاناة عاشها وتكلم في «جوهر الفقر» وعن كيفية إلغاء المستقبل لصنع حياة بلا فقر.
للأسف لم تنجح الكثير من برامج مكافحة الفقر في العالم حيث إن قضية الفقر قضية لا جواب لها وإن كان هناك جواباً دائماً يكون القدر أو بؤس يؤجر عليه الفقير أو مرض نتيجة فساد الحكومات أو هو مخلفات الحروب وخراب الكوارث الطبيعية، رغم وجود الاستراتيجيات والبوادر الطيبة من الأديان كما هو في ديننا الإسلامي كنموذج متمثلاً في الزكاة والصدقات وتوفر العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تسعى إلى وصل الفقراء وسد حاجتهم، إلا أن الفقر مازال موجوداً في العالم كوباء لا ينقرض ولا يموت.
إن الكثير من علماء النفس فسر الفقر ووضع حلولاً للإنسان الفقير حتى يتأقلم ولكن دون جدوى فالإبداعات الإنسانية نحو الفقر كثيرة إلا أنني لم أجد شيئاً معبراً ومؤثراً يجسد الفقر منذ القدم بتفاصيل دقيقة كما هو موجود في الفن والأدب: لوحة الفنان الإسباني بيكاسو «المأساة» والتي رسمها عام 1903 في الفترة الزرقاء من حياته والموجودة حالياً في المتحف الوطني للفنون بواشنطن هي أكثر لوحة تمثل مأساة الفقر في مشهد يعبر رغم بساطته عن شدة هذا القاع بوقوف ثلاثة أفراد فقراء من عائلة واحدة حفاة القدم يستطيع المرء من خلال النظر للوحة سماع صوت رجفتهم من البرد، إبداع إنساني عميق، لوحة رسمها الفنان في فترة عزلته الزرقاء حزناً على انتحار صديقه الشاعر «كارلوس كاسيجماس».
حيث إن في هذا المشهد الأزرق الكئيب، يقف الرجل والمرأة مغمضي العيون مكتوفي الأيدي وطفلهما يقف عكسهما يمد يده سائلاً ممتلئاً بالحزن، بيكاسو برع في رسم لغة الوجوه والجسد لتلك العائلة فكل منهم لا ينظر للآخر، معاً ولكنهم في انفصال كبير، ليجسد ذاك الطفل الذي بدأ يفهم واقع الفقر وكأنه ينطق لماذا؟ لتظهر بعدها الأم بنصف وجهها مختبئة بسبب وعي طفلها العميق وهي غير قادرة على مواجهته والأب الذي ينظر للأرض متوتراً بشعور من الذنب، لتأتي ألوان اللوحة باللون الأزرق المتدرج لأفراد بسبب فجيعتهم المأساوية يرتجفون. بيكاسو في هذه الفترة الزرقاء جسد فيها شخوص لوحاته بهيئات مشوهة ومنكسرة كلوحة «عازف القيثارة العجوز» وهو العازف العجوز الأعمى الذي يعزف بلا اهتمام على قيثارته بملابس رثة وجسد كليل ولوحة «المرأة التي تضع يداً فوق يد» وهي تحدق في الفراغ اللامتناهي بملامحها الشاردة الحزينة، كل هذه الأعمال الفنية جاءت لتصـــوير معانـــاة المجتمعات الفقيرة.
لتأتي أيضاً لوحة «الحذاء «لفان جوخ» والتي رسمها عام 1868 بفرنسا وهو حذاء أبلته الخطى والطرقات والسنون الظالمة من الفقر، والغريب بأن زوجي الحذاء هما لامرأة فلاحة عاملة في الحقول عاشت قسوة العوز.
مبدعون حاولوا التعبير عن الفقر ليأتي دور الادب أيضاً متمثلاً في الأعمال الروائية العظيمة إلى اليوم فها هي رواية «البؤساء» للكاتب الفرنسي «فيكتور هيغو» والتي قال عنها «تولستوي» إنها أعظم قصة إنسانية في العالم نتيجة ذلك الظلم الاجتماعي في القرن التاسع عشر في فرنسا والتي كشف الكاتب فيها حقائق الزيف الاجتماعي والقانوني والأخلاقي في المجتمع الفرنسي حتى أنني أشعر بأن هذه الرواية حية لا تموت يتعذب القارئ كلما يقرأها، تأتي أيضاً رواية «عناقيد الغضب» للكاتب الأمريكي جون شتاينبيك والتي كتبها عام 1939 والتي حصلت على جائزة البوليتزر عام 1940 وهي تتكلم عن هجرة عائلة فقيرة من أوكلاهوما إلى كاليفورنيا في الثلاثينيات من القرن العشرين وتصور مأساة المهمشين والمعدمين من المهجرين، لتأتي أيضاً رواية «الفقراء» لدوستويفسكي وتترجم احيانا باسم «المساكين» وهي اول رواية اجتماعية في روسيا الرواية التي كتبت على هيئة رسائل بين شخصين وهم أبناء عمومة فقراء والتي اعتبرت دراسة عميقة للنفس الإنسانية وعبر فيها عن الإذلال الأقسى في الفقر بحرقة الدموع اللاهبة وكيف يكون حال الإنسان من حياة باذخة إلى فقير بسبب إدمانه على لعب «القمار».
الى جانب أنه هناك الكثير من الروايات في عالمنا العربي جسدت الفقر منها الرواية الشهيرة «الخبز الحافي» للمؤلف المغربي محمد شكري والتي كتبها عام 1972 وكانت حبيسة الأدراج وهي صدمة لكل قارئ عربي حيثما يقرأها ففيها القتل والانحراف بسبب مر الكفاف. كل هذه الأعمال الأدبية والفنية والاستراتيجيات والنظريات الفلسفية للفقر ومكافحته من قبل كل هذا العالم ليبقى سؤالاً أبدياً يراودنا جميعاً وحتماً لا إجابة له، هل سياتي اليوم الذي ينتهي فيه الفقر؟
جورج أورويل هو أحد الروائيين والصحافيين البريطانيين كتب كثيراً في مواضيع غياب العدالة الاجتماعية ومسببات الفقر، عاش فقيراً لفترة من الزمن في عشرينيات القرن الماضي فتناول موضوع الفقر بعد معاناة عاشها وتكلم في «جوهر الفقر» وعن كيفية إلغاء المستقبل لصنع حياة بلا فقر.
للأسف لم تنجح الكثير من برامج مكافحة الفقر في العالم حيث إن قضية الفقر قضية لا جواب لها وإن كان هناك جواباً دائماً يكون القدر أو بؤس يؤجر عليه الفقير أو مرض نتيجة فساد الحكومات أو هو مخلفات الحروب وخراب الكوارث الطبيعية، رغم وجود الاستراتيجيات والبوادر الطيبة من الأديان كما هو في ديننا الإسلامي كنموذج متمثلاً في الزكاة والصدقات وتوفر العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تسعى إلى وصل الفقراء وسد حاجتهم، إلا أن الفقر مازال موجوداً في العالم كوباء لا ينقرض ولا يموت.
إن الكثير من علماء النفس فسر الفقر ووضع حلولاً للإنسان الفقير حتى يتأقلم ولكن دون جدوى فالإبداعات الإنسانية نحو الفقر كثيرة إلا أنني لم أجد شيئاً معبراً ومؤثراً يجسد الفقر منذ القدم بتفاصيل دقيقة كما هو موجود في الفن والأدب: لوحة الفنان الإسباني بيكاسو «المأساة» والتي رسمها عام 1903 في الفترة الزرقاء من حياته والموجودة حالياً في المتحف الوطني للفنون بواشنطن هي أكثر لوحة تمثل مأساة الفقر في مشهد يعبر رغم بساطته عن شدة هذا القاع بوقوف ثلاثة أفراد فقراء من عائلة واحدة حفاة القدم يستطيع المرء من خلال النظر للوحة سماع صوت رجفتهم من البرد، إبداع إنساني عميق، لوحة رسمها الفنان في فترة عزلته الزرقاء حزناً على انتحار صديقه الشاعر «كارلوس كاسيجماس».
حيث إن في هذا المشهد الأزرق الكئيب، يقف الرجل والمرأة مغمضي العيون مكتوفي الأيدي وطفلهما يقف عكسهما يمد يده سائلاً ممتلئاً بالحزن، بيكاسو برع في رسم لغة الوجوه والجسد لتلك العائلة فكل منهم لا ينظر للآخر، معاً ولكنهم في انفصال كبير، ليجسد ذاك الطفل الذي بدأ يفهم واقع الفقر وكأنه ينطق لماذا؟ لتظهر بعدها الأم بنصف وجهها مختبئة بسبب وعي طفلها العميق وهي غير قادرة على مواجهته والأب الذي ينظر للأرض متوتراً بشعور من الذنب، لتأتي ألوان اللوحة باللون الأزرق المتدرج لأفراد بسبب فجيعتهم المأساوية يرتجفون. بيكاسو في هذه الفترة الزرقاء جسد فيها شخوص لوحاته بهيئات مشوهة ومنكسرة كلوحة «عازف القيثارة العجوز» وهو العازف العجوز الأعمى الذي يعزف بلا اهتمام على قيثارته بملابس رثة وجسد كليل ولوحة «المرأة التي تضع يداً فوق يد» وهي تحدق في الفراغ اللامتناهي بملامحها الشاردة الحزينة، كل هذه الأعمال الفنية جاءت لتصـــوير معانـــاة المجتمعات الفقيرة.
لتأتي أيضاً لوحة «الحذاء «لفان جوخ» والتي رسمها عام 1868 بفرنسا وهو حذاء أبلته الخطى والطرقات والسنون الظالمة من الفقر، والغريب بأن زوجي الحذاء هما لامرأة فلاحة عاملة في الحقول عاشت قسوة العوز.
مبدعون حاولوا التعبير عن الفقر ليأتي دور الادب أيضاً متمثلاً في الأعمال الروائية العظيمة إلى اليوم فها هي رواية «البؤساء» للكاتب الفرنسي «فيكتور هيغو» والتي قال عنها «تولستوي» إنها أعظم قصة إنسانية في العالم نتيجة ذلك الظلم الاجتماعي في القرن التاسع عشر في فرنسا والتي كشف الكاتب فيها حقائق الزيف الاجتماعي والقانوني والأخلاقي في المجتمع الفرنسي حتى أنني أشعر بأن هذه الرواية حية لا تموت يتعذب القارئ كلما يقرأها، تأتي أيضاً رواية «عناقيد الغضب» للكاتب الأمريكي جون شتاينبيك والتي كتبها عام 1939 والتي حصلت على جائزة البوليتزر عام 1940 وهي تتكلم عن هجرة عائلة فقيرة من أوكلاهوما إلى كاليفورنيا في الثلاثينيات من القرن العشرين وتصور مأساة المهمشين والمعدمين من المهجرين، لتأتي أيضاً رواية «الفقراء» لدوستويفسكي وتترجم احيانا باسم «المساكين» وهي اول رواية اجتماعية في روسيا الرواية التي كتبت على هيئة رسائل بين شخصين وهم أبناء عمومة فقراء والتي اعتبرت دراسة عميقة للنفس الإنسانية وعبر فيها عن الإذلال الأقسى في الفقر بحرقة الدموع اللاهبة وكيف يكون حال الإنسان من حياة باذخة إلى فقير بسبب إدمانه على لعب «القمار».
الى جانب أنه هناك الكثير من الروايات في عالمنا العربي جسدت الفقر منها الرواية الشهيرة «الخبز الحافي» للمؤلف المغربي محمد شكري والتي كتبها عام 1972 وكانت حبيسة الأدراج وهي صدمة لكل قارئ عربي حيثما يقرأها ففيها القتل والانحراف بسبب مر الكفاف. كل هذه الأعمال الأدبية والفنية والاستراتيجيات والنظريات الفلسفية للفقر ومكافحته من قبل كل هذا العالم ليبقى سؤالاً أبدياً يراودنا جميعاً وحتماً لا إجابة له، هل سياتي اليوم الذي ينتهي فيه الفقر؟