لا يتسع التعريف ببداية تعليم البنات في البحرين بعدة أسطر، فهو أعمق من هذا، لكن لا شك أنه كان لتعليم البنات دور محوري بالنهوض بالمرأة البحرينية والنهوض بالمجتمع. مع احتفال مملكة البحرين بمرور قرن على مرحلة تأسيس التعليم النظامي في البحرين، بدءاً من الريادة والدور المحوري الذي لعبه الشيخ عبدالله بن عيسى مع الإدارة الخيرية للتعليم حينها، يبرز إلى الذهن أحد أركان هذا المشروع النهضوي الذي وضعت أركانه البحرين خلال فترة العشرينات من القرن الماضي، ألا وهو تعليم البنات. تعليم البنات، لربما بدأ بمحاولة غير نظامية حكومية، لكن التأسيس الحقيقي لنظامية هذا التعليم كان قد بدأ خلال العام 1928. ولعل أنسب عنوان لوصف تعليم البنات حينها هو، تعليم البنات الإشكالية والتحدي. بحق لقد كان مشروع تعليم البنات يمثل تحدياً للأسرة والمرأة البحرينية أمام إرهاصات وصعاب المرحلة. لن أزيد على ما كتبه الآخرون عن تعليم البنات، لكن بحق فإن تعليم البنات هي شعلة احترقت فأضاءت حتى أصبحت المرأة البحرينية شريكاً مكملاً في التنمية وفي كافة مناحي الحياة خلال العقود السابقة والعقود المعاصرة، بل واعتلت أعلى المواقع بفضل منحها كرسياً في منظومة تعليم البنات. فالمرأة البحرينية هي الوزيرة والطبيبة والمهندسة والأديبة والمحاسبة ورائدة أعمال وأستاذة أكاديمية وعسكرية ومعلمة وربة بيت وغيرها من المهن التي امتهنتها المرأة البحرينية باقتدار. جاء تعليم البنات كمرحلة ملحة بعد انتظام تعليم الذكور خلال فترة العشرينات، ولربما ما ميز إرهاصات وظهور تعليم البنات كعلامة فارقة هو انطلاقه بين جنبات ذاك المجتمع المحافظ والتقليدي المحدود الدخل قبل تدفق النفط خلال الثلاثينات، حين مارست وامتهنت المرأة الأعمال والمهن المرتبطة بالمرحلة الجديدة وبالبيت والأسرة وتربية الأولاد وعملها كزوجة. لذا لم يكن خروج المرأة من ذاك النمط التقليدي المحافظ بالأمر اليسير. ولعل أفضل وصف للتعليم قبل التعليم المدرسي للمرأة، أنه كان ضمن التعليم الديني المحلي، إذ هو التعليم السائد في البحرين. كان التعليم الديني المحلي يشمل الأولاد والبنات، في بيوت أسرية مختلطة «المطوع» والتي كانت تحتوي على الجنسين أي البنات والأولاد في مراحل الصغر.
كان منزل المطوع يضم جانباً في المنزل للبنات وآخر للأولاد في نفس المنزل. فضلاً على هذا، كان هناك نمط آخر للتعليم في تلك المرحلة وفي مواقع تعليمية خارج المطوع وبين الأسواق وبين الطرق وهي الكتاتيب.
في الكتاتيب، كان الأمر مختلفاً حيث كان يشمل فقط الأولاد دون الإناث. بعد مرحلة الكتاتيب، يذهب الأولاد إلى أعمال تخص الأسرة مع الأب أو مواصلة التعليم عبر مدارس أهلية بدائية المنهج والتي تعنى بنمط مهنة المحيط الذي يعيش فيه الأولاد مثل مهنة حسابات الغوص واحتساب الديون والمرسلات وحسابات التجارة البسيطة، وغيرها من علوم الحساب الأولية. أما فيما يخص البنات، فلا توجد أمام الفتاة تلك الفرص المتاحة لإتمام التعليم حتى في مرحلة الكتاب. فموقعها هو أن تخدم في البيت، أو أنها عندما تكبر تكون ربة بيت في بيت الزوج. لذا، فإن تعلم الكتابة للبنات يعتبر عيباً من العيوب التي عرفها المجتمع حينها. كان للمحرق دور محوري في تأسيس تعليم البنات. إذ خلال بداية القرن العشرين، كانت مدينة المحرق هي العاصمة للدولة البحرينية، فضلاً عن أنها كانت هي مركز الحكم متمثلة في بيت الشيخ عيسى بن علي وأيضاً مركز إقامة العائلة الحاكمة آل خليفة. كانت المحرق قد حوت حركة ثقافية متجذرة وموقعاً ثقافياً أكثر من مواقع أخرى في البحرين. حوت المحرق مثقفين متنورين من عوائل المحرق ومن يفد إلى المحرق والذين كان لهم اتصال مع المراكز الثقافية العربية والمجالس الثقافية، هذا الاتصال كان له الأثر الكبير في انفتاح بعض الأسر على المحرق بنمط نسبي. كان لهذه الأسر في المحرق أثر ملموس في دفع الثقافة في المحرق، نظراً لوجود مثقفين منفتحين على الثقافة الإقليمية منها الثقافة المصرية والشامية وشبه الجزيرة العربية والذين بدورهم ساعدوا نساءهم على التعلم، حيث وفرت هذه العوائل لبناتها القراءة والكتابة وأولادها المطبوعات والكتب. إضافة إلى ذلك، كانت تجربة الشيخ شرف بن حمد اليماني، الذي في الحقيقة كان مساعداً للشيخ القاضي المهزع والذي كان يقضي في القضايا المدنية، هي تجربة جديرة بالنظر. كان الشيخ شرف اليماني يملك مجلساً وكانت بعض البنات والنساء يأتين للمجلس من خلف ستار لتعلم الكتابة والقراءة، لكن سرعان ما انتهت تجربة الشيخ اليماني لتعارضها مع مفاهيم المجتمع التقليدي. في المقابل، لقد كان لافتتاح مدرسة الهداية الخليفية في المحرق وبداية نظامية تعليم الذكور أثر لا يمكن الغفل عنه. فبعدما تم تعيين وجلب الأساتذة العرب للعمل في مبنى الهداية الخليفية مع بداية المشروع التعليمي، لا شك رافقت زوجات الأساتذة العرب الأساتذة الذين عملوا في التعليم خلال العشرينيات. أما عن التعليم الحكومي الرسمي للبنات، فإذا كان تعليم البنين قد بدأ خلال العام 1919، وذاك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث نادى بعض الرجال المثقفين والتجار بضرورة التعليم، بعد افتتاح مدرسة الهداية الخليفية للتعليم، تطور طموح الإدارة الخيرية للتعليم، حيث بدأت اللجنة تفكر في البدء في تعليم البنات. لإتمام هذا التوجه، تضافرت جهود عديدة ومنها هيئة الإدارة الخيرية للتعليم برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، الذي سافر خلال العام 1919 إلى بريطانيا واطلع على التعليم الغربي هناك الذي شمل تعليم البنات، حيث كان أيضاً الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة هو نائب رئيس الهيئة الذي كان بحد ذاته هو شيخ أدباء البحرين في المحرق. بارك هذا التوجه أيضاً نائب الملك في ذاك الحين وهو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وأيضاً زوجته الشيخة عائشة بنت راشد بن محمد آل خليفة، حيث سافر الشيخ حمد بن عيسى إلى بريطانيا أيضاً خلال العام 1925، حيث اطلع الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة على التجربة البريطانية لتعليم ومدارس البنات. أمر آخر ساعد على تبلور فكرة تعليم البنات في البحرين وهو أن زوجات المعلمين الوافدين، منهم مدير مدرسة الهداية الخليفية، عثمان الحوراني، حيث كان هناك دور كبير ليس بالقليل في هذا الإطار. أيضاً أمر آخر ساعد على تبلور فكرة تعليم البنات في البحرين وهو الدور الذي قام به المستشار لحكومة البحرين وهو تشارلز بلغريف وزوجته مارجوي التي كان لها دور كبير في الدفع بفكرة تعليم البنات أيضاً.
أيضاً بارك ذاك التوجه لتعليم البنات الشيخ حمد بن عيسى بن علي، الذي كان ولياً للعهد حينها خلال فترة نهاية العشرينات. إذن كان للمعلمين الوافدين دور.. مثل الأستاذ عثمان الحوراني، لطرح الفكرة والترويج لها والإعداد لها. كما ويجب الإشارة إلى أن بعض نساء المحرق حينها أيضاً تواصلن مع السيدات من منطقة الشام، وهن زوجات الأساتذة الوافدين. حيث نشير إلى أنه جاء الأستاذ عثمان الحوراني مع ابن أخته زكريا البيات، حيث جاء معلماً في مدرسة الهداية والذي رافقته أيضاً أخته فاطمة البيات. توثقت العلاقة بين السيدات من الشام وبين نساء المحرق، حيث تواصلت وتوثقت العلاقة مع نساء المحرق. وتولت أم زكريا وفاطمة البيات التدريس بعد المغرب في تدريس بعض نساء المحرق الخياطة والكتابة وشيئاً من التطريز.
هذه الخطوة التاريخية دفعت التحويل والتفكير والنقاش حول تعليم البنات إلى واقع ملموس، ودفعت الإدارة الخيرية للتعليم حينها للتحرك بشكل واقعي وعملي حول تعليم البنات. اقترح الأستاذ عثمان الحوراني أن تأخذ مجموعة من الفتيات وأن تقوم بتدريسهن الأستاذة فاطمة البيات في فترة الصباح وليس بعد المغرب. تم عرض الفكرة على نائب الحاكم وزوجته حينها، إذ كل هذه الإرهاصات كانت قد هيأت الوضع لقبول فكرة تعليم البنات خلال فترة الصباح. بعدها قامت الحكومة بشكل فعلي باستئجار بيت المرحوم عبدالرحمن الزياني والذي يقع في جنوب المحرق عام 1928 وسميت مدرسة الهداية الخليفية للبنات وهي أول مدرسة في منطقة الخليج العربي وعينت السيدة فاطمة البيات مديرة للمدرسة. لربما نرصد تطور هذه النواة الخيرة في وقت آخر، لكن هكذا شق تعليم البنات الطريق الصعب وشقت المرأة البحرينية طريقها نحو التعليم والمعرفة وواجهت الصعوبات خلال مراحل التأسيس الأولى، حتى وصلت إلى هذا الموقع الريادي.
{{ article.visit_count }}
كان منزل المطوع يضم جانباً في المنزل للبنات وآخر للأولاد في نفس المنزل. فضلاً على هذا، كان هناك نمط آخر للتعليم في تلك المرحلة وفي مواقع تعليمية خارج المطوع وبين الأسواق وبين الطرق وهي الكتاتيب.
في الكتاتيب، كان الأمر مختلفاً حيث كان يشمل فقط الأولاد دون الإناث. بعد مرحلة الكتاتيب، يذهب الأولاد إلى أعمال تخص الأسرة مع الأب أو مواصلة التعليم عبر مدارس أهلية بدائية المنهج والتي تعنى بنمط مهنة المحيط الذي يعيش فيه الأولاد مثل مهنة حسابات الغوص واحتساب الديون والمرسلات وحسابات التجارة البسيطة، وغيرها من علوم الحساب الأولية. أما فيما يخص البنات، فلا توجد أمام الفتاة تلك الفرص المتاحة لإتمام التعليم حتى في مرحلة الكتاب. فموقعها هو أن تخدم في البيت، أو أنها عندما تكبر تكون ربة بيت في بيت الزوج. لذا، فإن تعلم الكتابة للبنات يعتبر عيباً من العيوب التي عرفها المجتمع حينها. كان للمحرق دور محوري في تأسيس تعليم البنات. إذ خلال بداية القرن العشرين، كانت مدينة المحرق هي العاصمة للدولة البحرينية، فضلاً عن أنها كانت هي مركز الحكم متمثلة في بيت الشيخ عيسى بن علي وأيضاً مركز إقامة العائلة الحاكمة آل خليفة. كانت المحرق قد حوت حركة ثقافية متجذرة وموقعاً ثقافياً أكثر من مواقع أخرى في البحرين. حوت المحرق مثقفين متنورين من عوائل المحرق ومن يفد إلى المحرق والذين كان لهم اتصال مع المراكز الثقافية العربية والمجالس الثقافية، هذا الاتصال كان له الأثر الكبير في انفتاح بعض الأسر على المحرق بنمط نسبي. كان لهذه الأسر في المحرق أثر ملموس في دفع الثقافة في المحرق، نظراً لوجود مثقفين منفتحين على الثقافة الإقليمية منها الثقافة المصرية والشامية وشبه الجزيرة العربية والذين بدورهم ساعدوا نساءهم على التعلم، حيث وفرت هذه العوائل لبناتها القراءة والكتابة وأولادها المطبوعات والكتب. إضافة إلى ذلك، كانت تجربة الشيخ شرف بن حمد اليماني، الذي في الحقيقة كان مساعداً للشيخ القاضي المهزع والذي كان يقضي في القضايا المدنية، هي تجربة جديرة بالنظر. كان الشيخ شرف اليماني يملك مجلساً وكانت بعض البنات والنساء يأتين للمجلس من خلف ستار لتعلم الكتابة والقراءة، لكن سرعان ما انتهت تجربة الشيخ اليماني لتعارضها مع مفاهيم المجتمع التقليدي. في المقابل، لقد كان لافتتاح مدرسة الهداية الخليفية في المحرق وبداية نظامية تعليم الذكور أثر لا يمكن الغفل عنه. فبعدما تم تعيين وجلب الأساتذة العرب للعمل في مبنى الهداية الخليفية مع بداية المشروع التعليمي، لا شك رافقت زوجات الأساتذة العرب الأساتذة الذين عملوا في التعليم خلال العشرينيات. أما عن التعليم الحكومي الرسمي للبنات، فإذا كان تعليم البنين قد بدأ خلال العام 1919، وذاك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث نادى بعض الرجال المثقفين والتجار بضرورة التعليم، بعد افتتاح مدرسة الهداية الخليفية للتعليم، تطور طموح الإدارة الخيرية للتعليم، حيث بدأت اللجنة تفكر في البدء في تعليم البنات. لإتمام هذا التوجه، تضافرت جهود عديدة ومنها هيئة الإدارة الخيرية للتعليم برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، الذي سافر خلال العام 1919 إلى بريطانيا واطلع على التعليم الغربي هناك الذي شمل تعليم البنات، حيث كان أيضاً الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة هو نائب رئيس الهيئة الذي كان بحد ذاته هو شيخ أدباء البحرين في المحرق. بارك هذا التوجه أيضاً نائب الملك في ذاك الحين وهو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وأيضاً زوجته الشيخة عائشة بنت راشد بن محمد آل خليفة، حيث سافر الشيخ حمد بن عيسى إلى بريطانيا أيضاً خلال العام 1925، حيث اطلع الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة على التجربة البريطانية لتعليم ومدارس البنات. أمر آخر ساعد على تبلور فكرة تعليم البنات في البحرين وهو أن زوجات المعلمين الوافدين، منهم مدير مدرسة الهداية الخليفية، عثمان الحوراني، حيث كان هناك دور كبير ليس بالقليل في هذا الإطار. أيضاً أمر آخر ساعد على تبلور فكرة تعليم البنات في البحرين وهو الدور الذي قام به المستشار لحكومة البحرين وهو تشارلز بلغريف وزوجته مارجوي التي كان لها دور كبير في الدفع بفكرة تعليم البنات أيضاً.
أيضاً بارك ذاك التوجه لتعليم البنات الشيخ حمد بن عيسى بن علي، الذي كان ولياً للعهد حينها خلال فترة نهاية العشرينات. إذن كان للمعلمين الوافدين دور.. مثل الأستاذ عثمان الحوراني، لطرح الفكرة والترويج لها والإعداد لها. كما ويجب الإشارة إلى أن بعض نساء المحرق حينها أيضاً تواصلن مع السيدات من منطقة الشام، وهن زوجات الأساتذة الوافدين. حيث نشير إلى أنه جاء الأستاذ عثمان الحوراني مع ابن أخته زكريا البيات، حيث جاء معلماً في مدرسة الهداية والذي رافقته أيضاً أخته فاطمة البيات. توثقت العلاقة بين السيدات من الشام وبين نساء المحرق، حيث تواصلت وتوثقت العلاقة مع نساء المحرق. وتولت أم زكريا وفاطمة البيات التدريس بعد المغرب في تدريس بعض نساء المحرق الخياطة والكتابة وشيئاً من التطريز.
هذه الخطوة التاريخية دفعت التحويل والتفكير والنقاش حول تعليم البنات إلى واقع ملموس، ودفعت الإدارة الخيرية للتعليم حينها للتحرك بشكل واقعي وعملي حول تعليم البنات. اقترح الأستاذ عثمان الحوراني أن تأخذ مجموعة من الفتيات وأن تقوم بتدريسهن الأستاذة فاطمة البيات في فترة الصباح وليس بعد المغرب. تم عرض الفكرة على نائب الحاكم وزوجته حينها، إذ كل هذه الإرهاصات كانت قد هيأت الوضع لقبول فكرة تعليم البنات خلال فترة الصباح. بعدها قامت الحكومة بشكل فعلي باستئجار بيت المرحوم عبدالرحمن الزياني والذي يقع في جنوب المحرق عام 1928 وسميت مدرسة الهداية الخليفية للبنات وهي أول مدرسة في منطقة الخليج العربي وعينت السيدة فاطمة البيات مديرة للمدرسة. لربما نرصد تطور هذه النواة الخيرة في وقت آخر، لكن هكذا شق تعليم البنات الطريق الصعب وشقت المرأة البحرينية طريقها نحو التعليم والمعرفة وواجهت الصعوبات خلال مراحل التأسيس الأولى، حتى وصلت إلى هذا الموقع الريادي.