حينما نقول بأن «عصب» الإدارة الصحيحة يتمثل في حُسن التعامل مع الموارد والطاقات، فإننا لا نأتي بشيء جديد غير معروف، بل نؤكد على الأساس الذي بنيت عليه الإدارة، وكيف أنها في تعريفها المطلق «فن» لا يجيده أي شخص يظن بأن الإدارة تتمثل في وجوده جالساً على «كرسي» أو محتلاً «منصباً» يخوله اتخاذ القرار والتحكم في البشر.
الإدارة هي علم وخبرة وذوق وقيم والتزام، لكن للأسف واقعنا مرير ومؤلم ومؤسف، إذ كثير ممن يمتلكون السلطة الإدارية يعتبرونها وسيلة «تسلط» و«تحكم» وليست وسيلة بناء وتطوير، سواء لعمل القطاع أو ارتقاء بأداء الأفراد.
يقول لي أحد الخبراء في الإدارة، تخيل بأن اليابان التي خسرت الحرب العالمية الثانية، وتم تدمير ناجازاكي وهيروشيما بقنابل ذرية، وظن العالم بأنها انتهت للأبد، تخيل بأن هذه الدولة التي ليست لديها مواد كثيرة في الطاقة أو الزراعة أو حتى الثروات المنجمية، هذه الدولة التي نصف شعبها يعبد الأشجار والشمس، ومع ذلك حققت المعجزة الصناعية والتكنولوجية، وبنت اقتصادها على المعرفة والابتكار وحسن الإدارة.
سألته عن السر في هذا النجاح، فلخص الإجابة بالتالي: «لا لعب، لا فساد، لا تهاون، والكفاءة هي الفيصل، مع الصدق في القول والإخلاص في العمل».
وهنا أعود لأقول بأن «حُسن الإدارة» يمكنه أن يحقق الإنجازات رغم شح الموارد، ويمكنه أن يحول الأشخاص العاديين إلى نجوم، بينما في المقابل «سوء الإدارة» يهدر الملايين ويجني الفشل، ويمكنه أن يحطم الطاقات ويحول الكفاءات إلى أشباح.
اليابان تركت ما كان يدمرها، تركت التسلح والحروب، وركزت على الإنتاج وتطوير البشر، ركزت في تأسيس أنماط متقدمة راقية من الإدارة الصحيحة، وبالتالي وضعت الأكفاء والمسؤولين «الصح» في مواقع المسؤولية، وكل واحد فيهم تعامل مع الموارد المتاحة بذكاء، وركز على تطوير البشر وتعزيز قدراتهم ليحولهم إلى نجوم، وهذا هو الواقع الذي نراه اليوم، والذي يجعل الجميع يشير بالبنان إلى اليابان، بل وجعل العالم يسميها «كوكب اليابان»، على اعتبار أن هذه البلد هي من كوكب آخر، كوكب جديد علينا في ممارساته الإدارية، وفي إنجازاته، وفي تقدمه.
يشكو لي كثير من الموظفين لدينا في القطاع العام عن ما يعانونه بسبب «الخلل» في فهم مبادئ «الإدارة الصحيحة»، وكيف أن لدينا عدداً من المسؤولين لا يصلحون لإدارة أي شيء، لديهم الصلاحية لإدارة منظومات كبيرة، وقطاعات فيها عشرات البشر، فترى العجب العجاب، من تصرفات وقرارات وابتكارات لأنظمة داخلية قد تتصادم بشكل صارخ مع قوانين وأنظمة البلد نفسها، فقط لأن إدارة المكان أصبحت بفضل هؤلاء إلى ما يشبه إدارة «الشركة الخاصة» بهذا المسؤول أو ذاك.
لدينا موارد، ولدينا طاقات، لكننا للأسف لدينا نقص فادح، وشح في النماذج القيادية التي تطبق الإدارة السوية والصالحة بشكلها الصحيح، ولذلك تجد الإحباط يسود كثيراً من موظفي القطاع العام، تجد هؤلاء الموظفين يتحدثون في كل مكان عن سوء الإدارة والظلم واللخبطة وغياب الرؤية وتحول مواقع العمل إلى أماكن منفرة للبشر.
أتمنى بأنه مثلما تستمع الجهات العليا التي تدير منظومة البلد عبر رسم الاستراتيجيات العامة، وعبر اختيارها للمسؤولين الذين يديرون القطاعات، أتمنى أن تستمع أيضاً لموظفي هذه القطاعات، أن تفتح المجال للموظفين ليعبروا عن رأيهم في أساليب إدارة قطاعاتهم ويوصلوا ملاحظاتهم بكل شفافية وصدق، إذ من الخطير جداً أن يقود شخص أو اثنان أو أكثر قطاعات كبيرة للهاوية، ويحطموا الكفاءات فيها، حتى نصل لمرحلة نجد أن المصيبة وقعت والكارثة حلت، فنلجأ بعدها للبحث عن قيادات جديدة، لتوكل لها مهمة إصلاح ما أفسده سابقوها، إصلاح منظومة العمل، وإصلاح ما كسر من نفوس البشر.
{{ article.visit_count }}
الإدارة هي علم وخبرة وذوق وقيم والتزام، لكن للأسف واقعنا مرير ومؤلم ومؤسف، إذ كثير ممن يمتلكون السلطة الإدارية يعتبرونها وسيلة «تسلط» و«تحكم» وليست وسيلة بناء وتطوير، سواء لعمل القطاع أو ارتقاء بأداء الأفراد.
يقول لي أحد الخبراء في الإدارة، تخيل بأن اليابان التي خسرت الحرب العالمية الثانية، وتم تدمير ناجازاكي وهيروشيما بقنابل ذرية، وظن العالم بأنها انتهت للأبد، تخيل بأن هذه الدولة التي ليست لديها مواد كثيرة في الطاقة أو الزراعة أو حتى الثروات المنجمية، هذه الدولة التي نصف شعبها يعبد الأشجار والشمس، ومع ذلك حققت المعجزة الصناعية والتكنولوجية، وبنت اقتصادها على المعرفة والابتكار وحسن الإدارة.
سألته عن السر في هذا النجاح، فلخص الإجابة بالتالي: «لا لعب، لا فساد، لا تهاون، والكفاءة هي الفيصل، مع الصدق في القول والإخلاص في العمل».
وهنا أعود لأقول بأن «حُسن الإدارة» يمكنه أن يحقق الإنجازات رغم شح الموارد، ويمكنه أن يحول الأشخاص العاديين إلى نجوم، بينما في المقابل «سوء الإدارة» يهدر الملايين ويجني الفشل، ويمكنه أن يحطم الطاقات ويحول الكفاءات إلى أشباح.
اليابان تركت ما كان يدمرها، تركت التسلح والحروب، وركزت على الإنتاج وتطوير البشر، ركزت في تأسيس أنماط متقدمة راقية من الإدارة الصحيحة، وبالتالي وضعت الأكفاء والمسؤولين «الصح» في مواقع المسؤولية، وكل واحد فيهم تعامل مع الموارد المتاحة بذكاء، وركز على تطوير البشر وتعزيز قدراتهم ليحولهم إلى نجوم، وهذا هو الواقع الذي نراه اليوم، والذي يجعل الجميع يشير بالبنان إلى اليابان، بل وجعل العالم يسميها «كوكب اليابان»، على اعتبار أن هذه البلد هي من كوكب آخر، كوكب جديد علينا في ممارساته الإدارية، وفي إنجازاته، وفي تقدمه.
يشكو لي كثير من الموظفين لدينا في القطاع العام عن ما يعانونه بسبب «الخلل» في فهم مبادئ «الإدارة الصحيحة»، وكيف أن لدينا عدداً من المسؤولين لا يصلحون لإدارة أي شيء، لديهم الصلاحية لإدارة منظومات كبيرة، وقطاعات فيها عشرات البشر، فترى العجب العجاب، من تصرفات وقرارات وابتكارات لأنظمة داخلية قد تتصادم بشكل صارخ مع قوانين وأنظمة البلد نفسها، فقط لأن إدارة المكان أصبحت بفضل هؤلاء إلى ما يشبه إدارة «الشركة الخاصة» بهذا المسؤول أو ذاك.
لدينا موارد، ولدينا طاقات، لكننا للأسف لدينا نقص فادح، وشح في النماذج القيادية التي تطبق الإدارة السوية والصالحة بشكلها الصحيح، ولذلك تجد الإحباط يسود كثيراً من موظفي القطاع العام، تجد هؤلاء الموظفين يتحدثون في كل مكان عن سوء الإدارة والظلم واللخبطة وغياب الرؤية وتحول مواقع العمل إلى أماكن منفرة للبشر.
أتمنى بأنه مثلما تستمع الجهات العليا التي تدير منظومة البلد عبر رسم الاستراتيجيات العامة، وعبر اختيارها للمسؤولين الذين يديرون القطاعات، أتمنى أن تستمع أيضاً لموظفي هذه القطاعات، أن تفتح المجال للموظفين ليعبروا عن رأيهم في أساليب إدارة قطاعاتهم ويوصلوا ملاحظاتهم بكل شفافية وصدق، إذ من الخطير جداً أن يقود شخص أو اثنان أو أكثر قطاعات كبيرة للهاوية، ويحطموا الكفاءات فيها، حتى نصل لمرحلة نجد أن المصيبة وقعت والكارثة حلت، فنلجأ بعدها للبحث عن قيادات جديدة، لتوكل لها مهمة إصلاح ما أفسده سابقوها، إصلاح منظومة العمل، وإصلاح ما كسر من نفوس البشر.