«تسوية الخلافات الحدودية والإقليمية بالطرق السلمية أمر ضروري لتهيئة الأرضية المناسبة لإيجاد قطب اقتصادي في المنطقة، في حين تشكل الخلافات خطراً جدياً يهدد آفاق التعاون في المنطقة وتهديداً للمساعي الرامية إلى إيجاد تنافس اقتصادي حقيقي في العالم المعاصر».

هذه الفقرة ملخص لفقرات عديدة كنت قد اقتطفتها من كتاب لا يحضرني اسمه ولكن الأكيد أن كاتبه يتصف بالعقل ويمتلك فكراً جميلاً ونظرة ثاقبة وعقله مشغول بالمستقبل الذي من حق من سيتسلم الراية فيه أن تتوفر له مقومات الاستقرار وإلا كره الحياة وكره اليوم الذي تسلم فيه تلك الراية.

وجود خلافات حدودية وإقليمية بين دول المنطقة أمر طبيعي، واختلاف المعنيين بإدارة هذه الدول في الزاوية التي ينظرون من خلالها إلى الأمور أمر طبيعي أيضاً، وسعي كل دولة من هذه الدول إلى مصلحتها وخدمة شعبها والعمل لمستقبلها ومستقبله أمر طبيعي كذلك، وطبيعي أيضاً أن يحصل وسط كل هذا خلافات تتسبب في توتر العلاقات والتي تصل في بعض الأحايين إلى أقصاها فتنشب بينها العداوات والحروب. لكن تحكيم العقل والنظر إلى المستقبل بمنظار مختلف سبيل من شأن اختياره أن يخفف الكثير من التوتر ويوصل إلى ما يعين على التوقف عن الخطوات السالبة. ولأن الدول مصالح، ولأنها معنية بتوفير الحياة الكريمة لشعوبها، لذا فإن الخيار الأفضل دائماً هو تغليب الاقتصاد على السياسة.

هذا أمر تفهمه دول الخليج العربي جيداً وتسعى إليه ويتوفر الكثير من الأدلة على هذا السعي، لهذا فإن الرسالة يجب أن توجه مباشرة إلى النظام الإيراني الذي للأسف وصل إلى حد المبالغة في الثقة في نفسه وفي قدراته ويدفعه الشيطان إلى مواجهة الولايات المتحدة والعالم، حتى إنه لم يتردد عن إسقاط طائرة من دون طيار أمريكية فوق مضيق هرمز من دون أن يبالي بعواقب هذا التصرف في مثل هذا الوقت.

لو أن العقل هو من يتخذ القرار في النظام الإيراني لاختار تقوية العلاقات الاقتصادية مع دول التعاون كافة، ولو أن العقل هو الذي يحكم هذا النظام لانتبه إلى أن الشعب الإيراني أكثره من الشباب وأنه كنظام دون القدرة على توفير مستلزمات الحياة لهم وأن الطريق الأسهل لذلك هو تطوير العلاقات مع دول الخليج العربية ليضمن – بتوفير الوظائف للشباب الإيراني – عدم الثورة عليه من الداخل. ولو كان عاقلا بالفعل لما عادى شعبه ولما أوصله إلى حد اعتبار كل تغيير «أحسن حال».. إذ لا حال أسوأ من الحال التي صار فيها بسبب عدم قدرة هذا النظام على إدارة الأمور وعنجهيته وتمسكه بحلم لا يمكن أن يتحقق ملخصه إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية.

ما يحمي النظام الإيراني ويمنعه من السقوط هو توقف ملاليه عن الاشتغال بالسياسة والدخول في ساحة الاقتصاد التي يمكن أن يربح منها ما لا يخطر له على بال ويأكل الشهد، وما يمنع النظام الإيراني من التورط في حروب لا تعود عليه بأي فائدة هو تقوية علاقاته بدول المنطقة عموماً ودول مجلس التعاون على وجه الخصوص، فدول الخليج العربي لا تحب الحروب وهي خيارها الذي يأتي بعد أن ينفد الصبر ولا يتوفر أمامها خيار غيره.

لو أن النظام الإيراني يغير من نظرته إلى الأمور وإلى هذه الدول وينطلق في علاقاته بها من الاقتصاد لأكل من بين يديه ومن خلفه ولحصل على ما يكفي من ضمانات لاستمراره، فهذا النوع من العلاقة من شأنه أن يوفر للنظام الهدوء الذي يعينه على التفرغ لتطوير الداخل الإيراني والانشغال بمستقبل الشعب الإيراني الذي هو في كل الأحوال ضحية كل ما اقترفه ملاليه وما يمكن أن يجري في المنطقة.