جاءني يسأل: ما رأيك في فلان؟
فقلت له: لا أعرفه؟
فرد -مستنكراً-: أما أنا فأراه القاتل الخائن؟
قال ذلك وهو يكرر محاولاته الطويلة الفاشلة في اصطياد وريد في ذراعي لتثبيت الحقنة!
قلت له: أليس الأجدر بك أن تتقن فن تثبيت الحقن وغيره من متطلبات مهنتك أكثر مما تشغل به بالك من أمور سياسية؟
فرد «مغاضباً»: أو ليست السياسة جزءاً من الحياة؟!
قلت له: صدقت، ولكن ماذا عن حياتك وأسرتك وظروف مهنتك وتعليمك وتعليم أبنائك؟ هل قمت بسياسة أمرك ثم انشغلت عقب ذلك بسياسة أمور الناس وشؤونهم؟! واستطردت في سؤاله:
ما السياسة؟ وكيف تحكم على أشخاص لا تعرفهم -بالعدل أو بالعمالة- وأنت لا تملك تفاصيل عن وقائع الأحداث والناس شيئاً؟ ما تخصصك الذي يشفع لك بالتحدث في علم ما «والسياسة علم» من دون مسوغ أو رخصة؟ لماذا لا ينشغل كل منا بسياسة نفسه وإدارة أمور حياته أولاً فيتقنها ويقيم قواعدها على العلم الرصين والقيم البناءة ثم يتجه بعد ذلك إلى التخصص في سياسة الغير وإدارة المجتمع إذا أراد؟
كم مرة تدهش من تلك الآلاف من أرباع وأنصاف الخبراء الذين يأتونك من كل صوب وحدب في هذا العصر بالقول الهزل في أمور سياسية واقتصادية واجتماعية وما كان لأحد الحق بالتحدث فيها إلا الراسخون؟ إنه الجدل العقيم والفوضي التي تجعل مثل هذا الموظف -البسيط- يترك أولى متطلبات مهنته كإتقان فن الحقن وتجهيز الضمادات وتعقيمها وفن التعامل مع المريض والحرص على ألا يشعره بأدنى ألم عند الوخز.. يترك كل ذلك وغيره -وهي أمور جليلة في مهنته- ثم يأتي كقصاب يكشر عن سكينه - متفذلكاً- بحديث سياسي لا يفقه من قواعده شيئاً!! وكثيرة هي الأمثلة لهذا النموذج البائس الذين يتصدرون المجالس يفتون في السياسة والاقتصاد والقانون واللغة وغيرها من العلوم من دون علم ولا رخصة من معرفة أو خبرة!!
حكى لي أحد كبار العلماء أنه زار صديقاً له في بيته وكان طبيباً، فأراد هذا الطبيب أن يستعرض ما يمتلكه من كنوز المعرفة في مكتبة منزله الأنيقة، فطلب منه أن يطلع على ما اقتناه من كتب وما جمعه من نفائس، وأخذ يشير إلى هذا المجلد وذاك المصنف ثم تلك السلاسل المذهبة في التفاسير والحديث والفقه، وغيرها من المعارف الدينية! يقول الشيخ: أبديت إعجابي بما رأيت ثم قلت للطبيب الصديق: كنت أنا أولى بهذه الكتب منك، فهذا تخصصي!!، كنت أتوقع أن أرى أمهات الكتب الطبية، وأنفس المعاجم العلمية، وأحدث ما أنتجه علم الطب في مكتبتك!!
تلك إحدى مظاهر الفوضى التي تضرب حياتنا اليوم، غير متخصصين يفتون في كل علم، وعلماء تقهقروا وغابت أصواتهم عن الجادة، وصار للغوغاء غثاء كثير في كل واد! من أجل ذلك أوثر كثير أن لا أفقد أحداً أبداً في نقاش سياسي، فاللعبة لا تخصنا، وكلانا يعرف الآخر بينما من نتجادل من أجله لا يعرفنا ولا يكترث بصراخنا!، وأتذكر مقولة تنسب إلى الشاعر الفرنسي بول فاليري «الحرب مجزرة بين أناس لا يعرفون بعضهم بعضا، وبين أناس يعرفون بعضهم ولكنهم لا يتقاتلون!»، ويقول منصور الهروي:
إذا كنت ذا علم وماراك جاهل
فأعرض ففي ترك الجواب جواب
وإن لم تصب في القول فاسكت فإنما
سكوتك عن غير الصواب صواب
فقلت له: لا أعرفه؟
فرد -مستنكراً-: أما أنا فأراه القاتل الخائن؟
قال ذلك وهو يكرر محاولاته الطويلة الفاشلة في اصطياد وريد في ذراعي لتثبيت الحقنة!
قلت له: أليس الأجدر بك أن تتقن فن تثبيت الحقن وغيره من متطلبات مهنتك أكثر مما تشغل به بالك من أمور سياسية؟
فرد «مغاضباً»: أو ليست السياسة جزءاً من الحياة؟!
قلت له: صدقت، ولكن ماذا عن حياتك وأسرتك وظروف مهنتك وتعليمك وتعليم أبنائك؟ هل قمت بسياسة أمرك ثم انشغلت عقب ذلك بسياسة أمور الناس وشؤونهم؟! واستطردت في سؤاله:
ما السياسة؟ وكيف تحكم على أشخاص لا تعرفهم -بالعدل أو بالعمالة- وأنت لا تملك تفاصيل عن وقائع الأحداث والناس شيئاً؟ ما تخصصك الذي يشفع لك بالتحدث في علم ما «والسياسة علم» من دون مسوغ أو رخصة؟ لماذا لا ينشغل كل منا بسياسة نفسه وإدارة أمور حياته أولاً فيتقنها ويقيم قواعدها على العلم الرصين والقيم البناءة ثم يتجه بعد ذلك إلى التخصص في سياسة الغير وإدارة المجتمع إذا أراد؟
كم مرة تدهش من تلك الآلاف من أرباع وأنصاف الخبراء الذين يأتونك من كل صوب وحدب في هذا العصر بالقول الهزل في أمور سياسية واقتصادية واجتماعية وما كان لأحد الحق بالتحدث فيها إلا الراسخون؟ إنه الجدل العقيم والفوضي التي تجعل مثل هذا الموظف -البسيط- يترك أولى متطلبات مهنته كإتقان فن الحقن وتجهيز الضمادات وتعقيمها وفن التعامل مع المريض والحرص على ألا يشعره بأدنى ألم عند الوخز.. يترك كل ذلك وغيره -وهي أمور جليلة في مهنته- ثم يأتي كقصاب يكشر عن سكينه - متفذلكاً- بحديث سياسي لا يفقه من قواعده شيئاً!! وكثيرة هي الأمثلة لهذا النموذج البائس الذين يتصدرون المجالس يفتون في السياسة والاقتصاد والقانون واللغة وغيرها من العلوم من دون علم ولا رخصة من معرفة أو خبرة!!
حكى لي أحد كبار العلماء أنه زار صديقاً له في بيته وكان طبيباً، فأراد هذا الطبيب أن يستعرض ما يمتلكه من كنوز المعرفة في مكتبة منزله الأنيقة، فطلب منه أن يطلع على ما اقتناه من كتب وما جمعه من نفائس، وأخذ يشير إلى هذا المجلد وذاك المصنف ثم تلك السلاسل المذهبة في التفاسير والحديث والفقه، وغيرها من المعارف الدينية! يقول الشيخ: أبديت إعجابي بما رأيت ثم قلت للطبيب الصديق: كنت أنا أولى بهذه الكتب منك، فهذا تخصصي!!، كنت أتوقع أن أرى أمهات الكتب الطبية، وأنفس المعاجم العلمية، وأحدث ما أنتجه علم الطب في مكتبتك!!
تلك إحدى مظاهر الفوضى التي تضرب حياتنا اليوم، غير متخصصين يفتون في كل علم، وعلماء تقهقروا وغابت أصواتهم عن الجادة، وصار للغوغاء غثاء كثير في كل واد! من أجل ذلك أوثر كثير أن لا أفقد أحداً أبداً في نقاش سياسي، فاللعبة لا تخصنا، وكلانا يعرف الآخر بينما من نتجادل من أجله لا يعرفنا ولا يكترث بصراخنا!، وأتذكر مقولة تنسب إلى الشاعر الفرنسي بول فاليري «الحرب مجزرة بين أناس لا يعرفون بعضهم بعضا، وبين أناس يعرفون بعضهم ولكنهم لا يتقاتلون!»، ويقول منصور الهروي:
إذا كنت ذا علم وماراك جاهل
فأعرض ففي ترك الجواب جواب
وإن لم تصب في القول فاسكت فإنما
سكوتك عن غير الصواب صواب