لم يكن معتاداً أن تطل علينا بعض الجميلات، والشهيرات منهن تحديداً، عبر شاشة الفضائيات أو في حساباتهن الإلكترونية الخاصة وهن صلعاوات. ولكنهن، في الوقت نفسه، مكتملات الزينة والأناقة، وتكتسي محياهن ابتسامة سعيدة مطمئنة، ويتحدثن بقوة وتفاؤل. إنهن محاربات السرطان، اللاتي بإطلالاتهن كسرن الصورة النمطية السابقة لمرض السرطان المرعب. بقي المرض والموت هما السؤالان الكبيران اللذان عجزت البشرية في تاريخها الطويل عن الإجابة عنهما. حاكت الأساطير الروايات العديدة لتقديم تفسيرات ميتافيزيقية عنهما. وعمدت كل الأديان إلى الأخذ بيد أتباعها لعبور مراحل المرض والموت بطمأنينة، والثقة بالسكينة الأبدية التي سينعم بها المعذبون حين يرتقون إلى سماوات الخلود. وما بين المرض والموت من طرقات مليئة بالألم والشيخوخة والضعف والوحدة والعوز يسكن القلق الأبدي الذي لا ينجو من هواجسه إنسان. لا أحد ينجو من المرض أو الموت. ولكن الإنسان، بطبعه، يخاف العذاب قبل الموت، وكثيرون يتمنون الموت بسلام ولمرة واحدة بدل تجرع الموت لأشهر طويلة.. وأحياناً، لسنوات.
قبل عدة سنوات، كان إبلاغ الطبيب لأحد المرضى بأنه مصاب بالسرطان بمثابة إشعار مسبق بالموت. كثيرون يصابون بحالات انهيار مفاجئة، ثم يدخلون في هزائم نفسية ويأس واستسلام مباشر للموت. وربما يكون أكثرهم هدوءاً، هم أولئك الذين يحزمون أمتعتهم وزادهم لرحلة الآخرة فيعتكفون وينقطعون للعبادة. جميع أولئك الذين يعلنون انكسارهم أمام خبر إصابتهم بالسرطان يكونون، في واقع الأمر، قد ماتوا حينها، وصاروا أشبه بـ«رجل ميت يمشي».
ويبدو أن البشرية احتاجت سنوات طويلة لتستوعب رُهاب مرض السرطان وتتقبل نهايته، بل وتواجهه وتقاوم حتمياتها. وكانت أقوى كتيبة محاربة للسرطان، بثت الأمل والشجاعة في قلوب الكثيرين من مرضى السرطان، أو المتوجسين من الإصابة به، هي كتيبة النساء محاربات السرطان اللاتي خرجن على الملأ لا يبالين بقضية الجمال والمظهر والأنوثة. واللاتي شاركن الناس رحلة العلاج الطويلة أو القصيرة وكأنهن يشاركن الآخرين في رحلة سفر إلى بلاد غريبة ومثيرة ليست مؤهلة على نحو مريح للسياحة. بعض تلك المحاربات الجسورات كن يتعافين من السرطان، فيستعدن جمالهن السابق وتسريحاتهن وأصباغ الزينة بشكل طبيعي. ثم ينتكسن فيتجردن من كل تلك الكماليات، ثم يثبن مرة أخرى. حتى يصلن إلى الفصل الأخير من المعركة بالانتصار التام على السرطان، أو الهزيمة بشرف وشجاعة. الفارق الذي أحدثته محاربات السرطان أنهن قزمن من إرهاب هذا المرض. فعاد إلى حجم أي مرض مزمن تقليدي، مثل ارتفاع السكر والضغط والكوليسترول.. فأحياناً يموت المرء من ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة في نوبة إنفلونزا متطرفة. وأحياناً يموت نائماً في سكوت قلبي دون مبرر مسبق. إحدى النكات التي يطلقها بعض المستهترين الظرفاء: «إنك إن أهملت صحتك فستمرض وتموت، وإنك إذا اهتممت بصحتك فستموت بصحة جيدة». هذه الطرفة تحمل فلسفة عميقة في فهم التمتع بالحياة واستثمارها حتى اليوم الأخير. وهي ذاتها فلسفة محاربة السرطان. إن عليك أن تحيا كل يوم يمنحك إياه الله، وأن تقاوم من أجل التمسك بحقك في الحياة. فنهاية كل شيء هي الموت، لكن الموت هو الموت وليس شيئاً آخر يكون جزءاً من الحياة.
كان السرطان، ومازال عند الكثيرين، عدواً شرساً يفتك بالجسد ويلتهمه بقسوة أقرب إلى الحقد والكراهية. واليوم صار أقرب إلى الند الذي تفرض عليك الحياة أن تواجهه كما تواجه أي إنسان مزعج تزرعه الأقدار أمامك. فلا مفر من المواجهة والتعايش. والقرار الأول الذي على المريض إعلانه أمام تلقيه خبر إصابته بالسرطان هو الانتصار عليه. حتى وإن انتصر السرطان في نهاية المعركة فهذا لا يعني أن الإنسان قد هزم. فانتصار الآخرين لا يعني بالضرورة هزيمتنا. إنه يعني، فقط، خروجنا من المعركة دون انتصار، ودون هزيمة أيضاً.
قبل عدة سنوات، كان إبلاغ الطبيب لأحد المرضى بأنه مصاب بالسرطان بمثابة إشعار مسبق بالموت. كثيرون يصابون بحالات انهيار مفاجئة، ثم يدخلون في هزائم نفسية ويأس واستسلام مباشر للموت. وربما يكون أكثرهم هدوءاً، هم أولئك الذين يحزمون أمتعتهم وزادهم لرحلة الآخرة فيعتكفون وينقطعون للعبادة. جميع أولئك الذين يعلنون انكسارهم أمام خبر إصابتهم بالسرطان يكونون، في واقع الأمر، قد ماتوا حينها، وصاروا أشبه بـ«رجل ميت يمشي».
ويبدو أن البشرية احتاجت سنوات طويلة لتستوعب رُهاب مرض السرطان وتتقبل نهايته، بل وتواجهه وتقاوم حتمياتها. وكانت أقوى كتيبة محاربة للسرطان، بثت الأمل والشجاعة في قلوب الكثيرين من مرضى السرطان، أو المتوجسين من الإصابة به، هي كتيبة النساء محاربات السرطان اللاتي خرجن على الملأ لا يبالين بقضية الجمال والمظهر والأنوثة. واللاتي شاركن الناس رحلة العلاج الطويلة أو القصيرة وكأنهن يشاركن الآخرين في رحلة سفر إلى بلاد غريبة ومثيرة ليست مؤهلة على نحو مريح للسياحة. بعض تلك المحاربات الجسورات كن يتعافين من السرطان، فيستعدن جمالهن السابق وتسريحاتهن وأصباغ الزينة بشكل طبيعي. ثم ينتكسن فيتجردن من كل تلك الكماليات، ثم يثبن مرة أخرى. حتى يصلن إلى الفصل الأخير من المعركة بالانتصار التام على السرطان، أو الهزيمة بشرف وشجاعة. الفارق الذي أحدثته محاربات السرطان أنهن قزمن من إرهاب هذا المرض. فعاد إلى حجم أي مرض مزمن تقليدي، مثل ارتفاع السكر والضغط والكوليسترول.. فأحياناً يموت المرء من ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة في نوبة إنفلونزا متطرفة. وأحياناً يموت نائماً في سكوت قلبي دون مبرر مسبق. إحدى النكات التي يطلقها بعض المستهترين الظرفاء: «إنك إن أهملت صحتك فستمرض وتموت، وإنك إذا اهتممت بصحتك فستموت بصحة جيدة». هذه الطرفة تحمل فلسفة عميقة في فهم التمتع بالحياة واستثمارها حتى اليوم الأخير. وهي ذاتها فلسفة محاربة السرطان. إن عليك أن تحيا كل يوم يمنحك إياه الله، وأن تقاوم من أجل التمسك بحقك في الحياة. فنهاية كل شيء هي الموت، لكن الموت هو الموت وليس شيئاً آخر يكون جزءاً من الحياة.
كان السرطان، ومازال عند الكثيرين، عدواً شرساً يفتك بالجسد ويلتهمه بقسوة أقرب إلى الحقد والكراهية. واليوم صار أقرب إلى الند الذي تفرض عليك الحياة أن تواجهه كما تواجه أي إنسان مزعج تزرعه الأقدار أمامك. فلا مفر من المواجهة والتعايش. والقرار الأول الذي على المريض إعلانه أمام تلقيه خبر إصابته بالسرطان هو الانتصار عليه. حتى وإن انتصر السرطان في نهاية المعركة فهذا لا يعني أن الإنسان قد هزم. فانتصار الآخرين لا يعني بالضرورة هزيمتنا. إنه يعني، فقط، خروجنا من المعركة دون انتصار، ودون هزيمة أيضاً.