في مباراة دولية للشطرنج أقيمت في إحدى البلاد العربية قبل أكثر من عشرين سنة حدث الآتي، بدأ الأول اللعب بتحريك بيدق وانتظر الآخر ليحرك إحدى قطعه، لكن الآخر قضى ساعة كاملة وهو غارق في التفكير قبل أن يحرك القطعة الأولى، فلفت بذلك كل الحاضرين الذين دهشوا من حاجة اللاعب العالمي إلى كل هذا الوقت كي يحرك تلك القطعة، إلا أن الأمور تكشفت بعد قليل عندما ظل يحرك بقية القطع بسرعة مدهشة وتمكن من الفوز على منافسه، فسألوه عن سر فوزه السريع وسر استغراقه كل ذلك الوقت قبل أن يحرك القطعة الأولى فقال إنه بناء على تحريك الخصم لقطعته الأولى صرفت وقتي في تصور كل الاحتمالات التالية، وهي كثيرة ثم صرت أحرك القطع التالية بثقة وعرفت بأنني سأهزم خصمي في نقلة محددة، وهذا ما حصل.وهذا هو بالضبط ما تفعله البحرين، فهي لا تتحرك بناء على ردات الفعل ولكن بناء على خطط معتمدة وتفكير مستقبلي ورؤى واضحة. تعرف متى تخطو الخطوة الأخرى وتعرف لماذا تخطوها وتعرف إلى أين ستأخذها تلك الخطوة. البحرين لا تتحرك من دون دراية ولا تعتمد في تحركها على ما يقوله الآخرون وما قد يبدونه من آراء، وهذا يعني أن الصورة بكل أجزائها تكون واضحة لها قبل أن تبدأ أي تحرك، ويعني أنها تدرك نتيجة كل خطوة تخطوها. تماماً مثلما فعل لاعب الشطرنج، فهي مثله تصرف الوقت الأكبر في الدرس والبحث والتفكير والتخطيط فتعرف ما تفعل جيداً وتعرف لماذا تفعله.البحرين لا تتخذ قراراتها اعتباطاً ولا تتبع في ذلك عواطفها، لهذا لا تتأخر عن اتخاذ القرار في أي أمر ولا تحتاج كي تتخذه سوى إلى الوقت الذي يتطلبه الموقف، والسبب هو تمكنها من معرفة كل السيناريوهات التي يمكن أن يعتمدها الآخرون في تحركهم ومعرفتها بالخطوات التي ينبغي منها اتخاذها لو اختار الآخر هذا السيناريو أو ذاك.البحرين لا تقول نعم أو لا اعتباطاً، فهي تعرف لماذا ومتى تقول نعم ولماذا ومتى تقول لا، وتعرف أيضاً نتيجة موقفها هذا أو ذاك وتعرف كل ردود الفعل المتوقعة من هذا ومن ذاك، وتمضي في طريقها واثقة.هكذا كان قرار البحرين فيما يخص مشاركة السعودية والإمارات ومصر مقاطعة قطر، وهكذا كان قرارها فيما يخص كل التطورات الأخرى في المنطقة، فهي قبل أن تبدأ «النقلة» الأولى كانت تعرف كيف ومتى ستكون «النقلة» الأخيرة، وتعرف تأثير كل ذلك عليها وعلى المنطقة.البحرين لا تقفز في الهواء. هذا هو القول الفصل في الحديث عن كل مشروع شاركت أو تشارك فيه البحرين وعن كل قرار أخذته أو تأخذه اليوم أو لاحقاً. البحرين تعرف الخطوة الأخيرة وتراها جيداً قبل أن تبدأ الخطوة الأولى، لهذا فإنها تمضي في كل مشروع تقرر الدخول فيه بثقة كبيرة ومن دون تردد.عندما حصل ما حصل في 2011 لم يحدث الارتباك الذي توقعه البعض بسبب المفاجأة وغرابة الفعل، حيث عمدت البحرين إلى الهدوء ونظرت في كل المعطيات ووضعت الخطة التي رأت أنها الأكثر مناسبة للتعامل مع هكذا وضع ورأت كيف ستكون الخطوة الأخيرة التي تكسب بها «الدست» قبل أن تبدأ «النقلة» الأولى. وهكذا كان، وهكذا كانت النتيجة التي رآها العالم ودهش. وهكذا تفعل البحرين مع كل حدث وكل تطور وكل مشروع تتخذ قرار الدخول والمشاركة فيه.. تنظر إلى سلبياته وإيجابياته وتأثيره عليها وعلى من تتشارك الوقوف معه في نفس الخندق قبل أن تبدأ خطوتها الأولى.