كنت أقرأ مقالة مميزة بالأمس تتحدث عن «النجاح في الحياة»، وتتطرق لعديد من المستويات والأنواع المعنية به، إذ اليوم عملية النجاح ليست مقصورة على الجانب المهني، بالتالي التوصيف هنا ليس «النجاح المهني»، بل تتشعب بشكل أكبر لتشمل كافة الجوانب التي تتشكل منها الحياة، وهذه الحياة هي ما توصف بأنها «الرحلة القصيرة للإنسان» في هذه الدنيا، بالتالي مهم أن تكون «ناجحاً» في كيفية «عيش» حياتك.المقالة اقتبست كثيراً من التوصيفات والخطوات والإرشادات من أحد أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وهو كتاب «النجاح رحلة» للمؤلف «جيفري ماير»، وأجد من الإيجابي أن أشارككم بعض مضامينها في نهاية الأسبوع، علنا نستفيد من بعض الإرشادات التي تنبهنا وتوعينا وكذلك توجهنا لكيفية التعامل مع هذه الحياة على مختلف الأصعدة، خاصة وأننا نعيش اليوم حياة متسارعة يتمازج فيها القلق مع الراحة النفسية بل يطغى عليها.من النقاط التي خلصت لها، والتي أقدمها لكم بصياغة سهلة خالية من التعقيد نقطة تشير إلى أن البعض قد يكون غير ناجح في حياته المهنية، وهذا طبعاً حسب قياسات الفرد الشخصية، خاصة وأننا كبشر كثيراً ما ننسى ما نملكه أو النعمة التي نحن فيها، حينما تكون أنظارنا متجهة للأعلى أو للآخرين، ونظل نلاحق هدفاً معيناً وحلماً قد يكون صعب المنال، متناسين ما نملكه حالياً، بالتالي غياب حالة الرضا هذه، هي التي تجعل الإنسان لا «ينجح في حياته» بمعنى أنه لا يهنأ بعيش أيامه، ولا تثمين ساعاته ودقائقه، ولا تقدير قيمة اللحظات الهانئة والمميزة في حياته.القلق والتوجس والتخوف، أمور تجعلك تنسى كيف تعيش حياتك، قد تقتل لديك فرحة آنية مستحقة، فلا تستمع بها، وكل هذه العوامل تؤثر على سير حياتك، وتلقي بآثار سلبية على جوانب أخرى عديدة، على رأسها أداؤك المهني وعلاقاتك الاجتماعية وغيرها.أعود لجيفري ماير، حيث يبين بأن الناجحين في كافة الجوانب هم من يملكون «وصفة سحرية» اسمها المثابرة وعدم اليأس، فهم لا يستسلمون، وحينما يتعرضون للفشل يستجمعون قوتهم ليعاودوا السير من جديد.الخلل يكون حينما لا تحدد لك هدفاً في الحياة، سواء هدفاً معيشياً كالعيش «بسعادة»، أو هدفاً مهنياً مثل «التطور» المبني على الاجتهاد والإنتاجية والروح الإيجابية المفترض تواجدها دائماً، أو حتى هدفاً صحياً يفرض عليك التخلي عن «العادات السيئة»، سواء أكانت فيزيائية أو نفسية.حتى لو نجحت في تحقيق النجاح في كل هذه الأمور، فإنك لن تكون حققت الهدف هنا، إذ الهدف الأسمى يتمثل بـ«الاستمرارية»، أي أن المشوار لا ينتهي إلا بانتهاء نبضك وحياتك، فالنجاح في الحياة، يعني أن تصل لأفضل الممارسات التي تجعلك تعيش بأريحية وتستمر فيها إلى الأبد، لأن غياب الاستمرارية يعني أن مقومات انتهاجك أسلوب الحياة الناجحة لم تترسخ بداخلك كإيمان، بل كانت تمثل لك خطوات وإجراءات تتبعها، وكأنك تتعامل مع وصفة طبية أو جهاز إلكتروني.يقول ماير بأن الناجحون لديهم خمسة أمور يشتركون فيها، وحينما تتوافر لديهم، تجدهم يتحولون لطاقة إيجابية في حياتهم الاجتماعية وحتى المهنية، إذ هؤلاء هم من يمتلكون «أحلاماً»، ولديهم «خطة» لتحقيقها، ولديهم «معرفة وتدريب» متخصص، ولديهم «الاستعداد والرغبة الجادة» للعمل، ولا يستخدمون كلمة «لا» كإجابة على التساؤلات، لأن المستحيل لديهم نسبي، وهو أمر يمكن كسره بالاجتهاد والمثابرة.الناجحون لديهم طموح، ولديهم تحدٍّ، ويمتلكون الشجاعة على الاعتراف بالأخطاء، بل لديهم القدرة المميزة للتصحيح وتحويل التراجع أو الفشل لأجمل صورة من صور النجاح، وكل هذه الأمور تأتي من خلال الحالة النفسية، والإيجابية في التعامل مع الحياة، هذه الإيجابية التي تجعلك «تتصالح مع ذاتك» لتقودك بالتالي للتصالح مع محيطك ومجتمعك.وما أعجبني بشدة وصفة ماير للتفكير بأسلوب الناجحين، خاصة تلك التي تركز على كونك دائماً أفضل مما تظن بالتالي لا تستهين بقدراتك، لكن كن بعيد النظر ولا تكتفِ برؤية تحت قدميك، واحرص على أن تجعل لعملك قيمة، وابتعد عن السلبية والتصادم واقترب من التعاون وحسن الظن بالآخرين.نعم الحياة رحلة قصيرة، فيها كثير من القلق والهرولة باتجاه المجهول، فيها عمل واجتهاد وتعب، لكن في نفس الوقت قد يجرفك كل هذا بعيداً عن ذاتك، وقد يعيد تشكيل إنسانيتك وحياتك، فاحذر من تهويل الأمور وجعلها تتفوق على أساسيات معيشتك وسعادتك، لكن لا تتهاون وتتكاسل ثم تلقي اللوم على الظروف والمتغيرات، فالملام أولاً قبولك بالانغماس في السلبية، أو الإغراق التام لنفسك في انشغالات لا تنتهي، وكل هذا يدمر «نجاحك في حياتك» بل يقضي عليها تدريجياً.