دشنت جمهورية مصر نظام التأمين الصحي في إحدى المحافظات وهي أسوان لتعميمه لاحقاً في بقية المحافظات، وبدأ العمل فيه الأسبوع الماضي وبدلاً من أن تنشغل مصر بمتابعة سير العمل في هذا النظام الجديد وانعكاسه على صحة المواطن وكرامته وتخلصه من حاجته للواسطات وتتابع كيف يعمل هذا النظام على تجاوز جميع تلك العقبات.

تنشغل مصر بوسم «هاشتاغ» على وسائل التواصل الاجتماعي «أقيلوا وزيرة الصحة»، ويظن القارئ أن المطالبين بإقالتها يعبرون عن عدم رضاهم على القانون أو النظام الجديد، ليكتشف أن سبب الإقالة هو رد فعلهم على تصريح لها لا علاقة له بالقانون فسر بسوء نية!!

سبحان الله القصة تتكرر «عندنا وعندهم خير» إذ إنه أثناء إحدى جولات الوزيرة قبل يومين كانت تجيب على أسئلة المرافقين حول كادر التمريض والصيدلة فأجابت بعفوية أن الأولوية الآن للتمريض لوجود نقص، وأبدت رأيها في أهمية الممرضين وأعطتهم بعض النصائح مثل ألا يكون حجاب الممرضة أو الطرحة كما يسميها إخواننا في مصر ألا تكون طويلة لدواعي التعقيم، وأن تكون الممرضة محافظة على رشاقتها من أجل أن تتمكن من أداء وظيفتها، فلا تكون سمينة بحيث تكون حركتها صعبة وهي ملاحظات صحيحة، ولكن إجابتها كانت عفوية وبالإمكان حملها على أكثر من وجه، فانشغلت الناس بزلات لسانها.

القيامة قامت على رأي إخوتنا في مصر، وعملت «ماكينة» التواصل الاجتماعي وأنتم أدرى بقدرة المصريين على الاستهزاء والسخرية، فقالوا الوزيرة تستهزئ بالممرضات السمينات المحجبات «بالمناسبة وزيرة الصحة المصرية محجبة» وقاولوا الوزيرة تستهزئ بالصيادلة، لأنها فضلت الممرضات على الصيادلة، فانتشر وسم «أقيلوا وزيرة الصحة» كانتشار النار في الهشيم، وانشغل الرأي العام بهذه التصريحات، والأهم أن قنوات كالجزيرة وكقناة الحرة الأمريكية وغيرها أخذت موضوع هذا الـ»هاشتاغ» كأولوية في نشرات أخبارها وسكبت البنزين على النار وضاع الحديث عن قانون التأمين الصحي!!

هذه القصة تعتبر حالة متكررة لكيفية إبعادنا وإشغالنا عن قصص نجاحنا -إن وجدت- وكيف ممكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي أداة في أيدي إما من له أجندة خاصة أو في أيدي من يعتقد أن العملية «تنكيت» ويدخل الموجة يستعرض خفة دمه وتضيع من بين أيدينا قصص جميلة ونجاحات عظيمة أو حتى نقاشات جادة تنفع الناس.

للعلم لا أقول إن كل حملة تشن على وسائل التواصل الاجتماعي هي حملات غير محقة ولا تخدم المجتمع وكل حملة يشنها المغردون هي مضيعة للوقت، بل إن كثيراً من قضايا المواطن وجد لها حل نتيجة ضغط تلك الوسائل على أصحاب القرار، ولكنني ألفت الانتباه إلى حاجتنا للوعي والإدراك والتقييم التي تجعلنا نهدم الإنجازات ونحن نحاسب الناس على زلات لسانهم، أو العكس ننشغل بتصيد زلات اللسان عن أمور لها أهمية تحتاج لنقد ولتقييم ولمعالجة.

الحجة أن الناس بها قهر وتتعرض لظلم فيجوز لهم أن ينفسوا عن غضبهم على هذا المسؤول أو ذاك حجة واهية، تبعدنا ولا تقربنا من الحل وتضعف موقف الشاكي وهو في هذه الحالة المواطن، فمعالجة الظلم والقهر تكون بالارتقاء في طرح المشكلة بالتركيز عليها بطرح الأسئلة المنطقية بطرح البدائل إن أمكن، باستخدام الأدوات المشروعة، بالالتزام بأدب الحوار، بالابتعاد عن شخصنة القصة وتحويلها للاستهزاء بالمسؤول والتجاوز عليه واستعراض قدراتنا «التنكيتية» وثقل الدم لا خفته في الاستهزاء على زلات لسانه أو التصيد لتصريحاته.

أمران يضيعان وسط هذه الفوضى إنجاز لمسؤول يستحق أن نفخر به، أو تقصير لمسؤول نعجز عن تشخيصه تشخيصاً سليماً يساهم في معالجته... وبعد أن تنتهي حفلة الزار التي ساهمنا بها.... لا طبنا ولا غدا الشر.

ملاحظة لغير الناطقين بالخليجية

«لا طبنا ولا غدا الشر» مثل خليجي معروف يعني بالمصري «تي تي زي ما رحت زي ما غيتي».