صورة لطفل لا يتجاوز العاشرة يساعد رجالاً آخرين في حمل تابوت أبيه رافعاً يديه وهو يبكي سائراً في جنازته، ومع الصورة سطران «أثناء جنازة أبيه هطل المطر فاحتمى بابيه للمرة الأخيرة»!!
يا الله.. صورة بسيطة وسطران بسيطان كانت كافية لفتح الصندوق الأسود «فقدان الأب».
أبلغ من العمر 62 عاماً ومضى على وفاة أبي رحمة الله عليه خمسون عاماً ولكنني مازالت حين أسال عن وفاته أقول لهم توفي وعمري اثنا عشر عاماً، فبالنسبة لي توقف الزمن عند هذا العمر من سنيني حين يأتي ذكر أبي، ولم يعد لأي سنة إضافية أي معنى في ميزان النسيان، زادت سنة أو زادت خمسون عاماً اللحظة التي اختفى فيها أبي عن ناظري بقيت ثابتة كما هي لحظة وداعه أول مرة، لم تهفت ولم تتغير كآباتها ولا بهتت صورتها، كما هي اللحظة التي صعدت روحه لبارئها بالمعنى الحرفي للكلمة حيث كانت رأسه بين يدي في سيارة الإسعاف وشهدته ينفخ من شفتيه وكأنه يخرج نفساً ثم ثقلت رأسه في يدي، لم أعرف أن الموت هكذا سهل، أهذه هي الروح تخرج هكذا؟ بل لم أعرف أنك غادرت ظننتك تريد أن ترتاح، منذ تلك اللحظة والمشاعر مخزنة كما هي كالجنين المجمد تذيب ثلجه صورة كهذه، ويذوب في كل مرة أشتهي أن أقول لك «يبه».
غضبت أكثر مما حزنت حين قالوا لي أنت قوية و إخوتك في رقبتك، ماذا تعني قوية لفتاة في الثانية عشرة من عمرها؟ رفضت أكثر مما اعترفت بموته، مشاعري غير مفهومة لفتاة للتو بدأت تبحث عن صديق، فاجأني بالغياب بحجة الموت دون سابق إنذار، لحظة... لم الاستعجال؟ للتو بدأت أتحدث معك عن صديقاتي للتو أسألك عن البحرين التي فارقتها لعشر سنوات سكنت فيها الكويت واصطحبتنا معك أنا وأمي وأخي المولود حديثاً، للتو أسألك عن من تحب أكثر أنا أم أخي؟ بالأمس كنت تشاكسني بلعبة السلالم والحية، وتختبرني بطلب المساعدة في حل الكلمات المتقاطعة في مجلة العربي، واليوم يقولون لي لن تريه أبداً بعد اليوم! كيف تغادر هكذا؟ الشباب لا يموتون وأنت أكملت للتو تسعة وثلاثين عاماً فقط، بلا مرض بلا مستشفى بلا شكوى، سكتة قلبية؟ ماذا تعني السكتة؟ قلبك أم قلبي الذي سكت؟
من سيشهد تخرجي؟ من سيشهد عرسي؟ من سيشهد نجاحاتي؟ من سيفرح بابني؟ أين أسند رأسي إن غدر بي الزمن؟ بمن سأحتمي إن هطل المطر كهذا الطفل الذي وجد الحماية عند أبيه تحت تابوته لآخر رمق قبل أن يواريه التراب؟ أعترف لك يا أبي أنه بعد خمسين عاماً مازالت أتمنى ظلك أستظل به وكتفك أستند عليه وصدرك ألجأ إليه.
اللهم ارحم مواتانا وموتى المسلمين وارحم اللهم من واريناهم تحت التراب واغفر لنا ولهم، واحفظ اللهم آباءكم وأطال الله في أعمارهم، ونصيحة قبلوا تلك الأيادي قبل أن تفقدوها، وأخبروهم كم أنتم ممتنون لها.
يا الله.. صورة بسيطة وسطران بسيطان كانت كافية لفتح الصندوق الأسود «فقدان الأب».
أبلغ من العمر 62 عاماً ومضى على وفاة أبي رحمة الله عليه خمسون عاماً ولكنني مازالت حين أسال عن وفاته أقول لهم توفي وعمري اثنا عشر عاماً، فبالنسبة لي توقف الزمن عند هذا العمر من سنيني حين يأتي ذكر أبي، ولم يعد لأي سنة إضافية أي معنى في ميزان النسيان، زادت سنة أو زادت خمسون عاماً اللحظة التي اختفى فيها أبي عن ناظري بقيت ثابتة كما هي لحظة وداعه أول مرة، لم تهفت ولم تتغير كآباتها ولا بهتت صورتها، كما هي اللحظة التي صعدت روحه لبارئها بالمعنى الحرفي للكلمة حيث كانت رأسه بين يدي في سيارة الإسعاف وشهدته ينفخ من شفتيه وكأنه يخرج نفساً ثم ثقلت رأسه في يدي، لم أعرف أن الموت هكذا سهل، أهذه هي الروح تخرج هكذا؟ بل لم أعرف أنك غادرت ظننتك تريد أن ترتاح، منذ تلك اللحظة والمشاعر مخزنة كما هي كالجنين المجمد تذيب ثلجه صورة كهذه، ويذوب في كل مرة أشتهي أن أقول لك «يبه».
غضبت أكثر مما حزنت حين قالوا لي أنت قوية و إخوتك في رقبتك، ماذا تعني قوية لفتاة في الثانية عشرة من عمرها؟ رفضت أكثر مما اعترفت بموته، مشاعري غير مفهومة لفتاة للتو بدأت تبحث عن صديق، فاجأني بالغياب بحجة الموت دون سابق إنذار، لحظة... لم الاستعجال؟ للتو بدأت أتحدث معك عن صديقاتي للتو أسألك عن البحرين التي فارقتها لعشر سنوات سكنت فيها الكويت واصطحبتنا معك أنا وأمي وأخي المولود حديثاً، للتو أسألك عن من تحب أكثر أنا أم أخي؟ بالأمس كنت تشاكسني بلعبة السلالم والحية، وتختبرني بطلب المساعدة في حل الكلمات المتقاطعة في مجلة العربي، واليوم يقولون لي لن تريه أبداً بعد اليوم! كيف تغادر هكذا؟ الشباب لا يموتون وأنت أكملت للتو تسعة وثلاثين عاماً فقط، بلا مرض بلا مستشفى بلا شكوى، سكتة قلبية؟ ماذا تعني السكتة؟ قلبك أم قلبي الذي سكت؟
من سيشهد تخرجي؟ من سيشهد عرسي؟ من سيشهد نجاحاتي؟ من سيفرح بابني؟ أين أسند رأسي إن غدر بي الزمن؟ بمن سأحتمي إن هطل المطر كهذا الطفل الذي وجد الحماية عند أبيه تحت تابوته لآخر رمق قبل أن يواريه التراب؟ أعترف لك يا أبي أنه بعد خمسين عاماً مازالت أتمنى ظلك أستظل به وكتفك أستند عليه وصدرك ألجأ إليه.
اللهم ارحم مواتانا وموتى المسلمين وارحم اللهم من واريناهم تحت التراب واغفر لنا ولهم، واحفظ اللهم آباءكم وأطال الله في أعمارهم، ونصيحة قبلوا تلك الأيادي قبل أن تفقدوها، وأخبروهم كم أنتم ممتنون لها.