أستغرب أحياناً عندما تظهر الإحصائيات بين الفينة والأخرى حول الأمية، رغم أن الأمية لم تعد شكلاً واحداً كما كنا نعرفها من قبل، فبينما كانت تعرف الأمية بعدم التمكن من القراءة والكتابة وحسب، أصبحت اليوم تأخذ شكلاً آخر أكثر أهمية ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بكافة أشكال الحياة الحديثة، بل وحتى بفرص التوظيف والنجاح الأكاديمي، ألاّ وهي الأمية التكنولوجية. وأعتقد أننا أصبحنا بحاجة لإحصائيات جديدة حول نسب الذين لا يتمتعون بالمعرفة الكافية في التكنولوجيا والقدرة على العمل على الحاسب الآلي أو أجهزة الهواتف الذكية. لكن يمكن القول إن تعليمنا في أغلب دول المنطقة، ما زال يعكف على محو الأمية التقليدية، متجاوزاً الشكل الحديث للأمية، وقد يحدثني أحدهم أن التعليم في بعض دولنا بات إلكترونياً، ولكني أعتقد أن التعليم الإلكتروني الذي تتشدق به بعض المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام موضع نظر.إن التعليم الإلكتروني لا يعني أن يتعامل المعلم مع السبورة الذكية لتقديم بعض الإبهار للطلاب، ولا يعني أن تتاح فرصة استخدام الحواسيب لطلبة المرحلة الثانوية لأقل من ساعتين في الأسبوع لتعليم مهارات متواضعة من برنامج ICDL، فذلك بات من المهم اجتيازه كاملاً باجتياز الصف الرابع الابتدائي كحد أقصى. إن الحديث عن التعليم الإلكتروني لا يعني أن يُعرض الكتاب على الشاشة وأن يتم الاستغناء عن الورق في الكتابة أو الرسم، بل بات يعني التعامل الجاد مع الإنترنت بمواقعه المتنوعة وأنظمة الحماية وغيرها «وليس تقنيات البحث على «جوجل» فتلك باتت مسألة بديهية جداً». التعليم الإلكتروني يعني أن نعيد النظر في استخدام الطلاب لموبايلاتهم في المدرسة، صحيح أن الاستخدام يجب أن يكون مسؤولاً، وهو بعد توعوي يجب التركيز عليه بعناية، ولكن الموبايلات التي صارت شريك حياتنا الأول تستحق العناية بالتعليم والتدريب على ما يتم تحميله عليها من تطبيقات ذات استخدامات متعددة من شأنها إدارة حياتنا بالكامل.إن التعليم الإلكتروني يعني أن نغوص في أعماق التكنولوجيا، وندرب الطلاب على أسس البرمجيات ومفاهيمها، وعدم الاكتفاء بالاستخدام أو الاستخدام الأمثل، ويعني تعريف الطلاب ببعض أخلاقيات العمل التكنولوجي وقوانينه وطرق الابتكار فيه، وتعريفهم بالمصطلحات ذات العلاقة مع إلقاء نظرة على ما تعنيه كل منها كالخوارزميات والحوسبة السحابية وغيرها. والأهم من كل ذلك أن طريقة التعليم على المجال الإلكتروني يجب أن تُحدّث باستمرار وأن لا يعود محتوى البرنامج أو المقرر لسنوات غابرة بينما تتسارع التطورات التكنولوجية خلال الأسبوع الواحد، فعنصر المواكبة مهم جداً، ولذلك لا يتطلب هذا النوع من التعليم مقررات معلبة بل مشاريع وأبحاثاً مستمرة من قبل الطلاب ومعلميهم، لمواكبة المستجدات ومناقشتها وعرضها وتفنيدها والبحث في ثغراتها التكنولوجية أو جوانب التميز فيها.* اختلاج النبض:نتطلع لمحو الأمية التكنولوجية قريباً ولتعليم عربي خليجي مواكب للتطورات والمستجدات على الساحة التقنية، لضمان تحقيق مخرجات قادرة على أداء أدوار هامة في المستقبل المنظور.