قد لا تصدقونني حينما أقول إنني أحاول قدر المستطاع ألا أحتفل بذكرى عيد ميلادي السنوية، والتي تصادف اليوم!

لا لسبب يعود لما يربطه بعضٌ بالـ»بدعة» في المنظور الديني، ففي نهاية المطاف ومع احترامي للجميع لسنا نكفر أو نشرك بسبب ذكرى ليوم ولدنا فيه، ولا أظن أن كثيرين يعتبرونها تقليداً لآخرين أو تقديساً لمعتقدات أخرى لو فعلنا، بل لسبب منطقي مرتبط بالنفس البشرية، ردده كثيرون على هيئة أقوال وتناقلوها مثل «إنها سنة تمضي من العمر»، والعمر هنا هو «الزمن»، هذا الزمن الذي إن مضت منه ثانية واحدة، فإنك لن تستطيع استعادتها حتى لو ملكت كنوز الأرض.

لكن في مثل ذكرى هذا اليوم، لكل شخص منا، هناك محيطه الذي يهتم به، من هم قريبون منه، ومحبون صادقون له، يجدون الفرصة للتعبير عن حبهم في ذكرى ميلاده، وبالتالي قد يكون ظلماً منك أن تحرمهم فرصة التعبير عن حبهم وتقديرهم لك.

لكن نظرتي لهذا اليوم تختلف، فكل عام يمضي، نعم هو يمضي من العمر ولن يعود، لكن الأهم بشأنه معني بماذا «تغير فيك»، سواء من أفكار وقناعات ونظرة تتقدم للحياة، بخلاف التغير الفسيولوجي، فهو ثابت ومحتوم.

لربما هناك فكرة عميقة أكبر لدى الغرب تحديداً، وهم قد يكونون من ابتكر ظاهرة كعكة الميلاد، حينما يشعلون الشموع ويذكرون الشخص المحتفى به بضرورة «تمني شيء في قلبه» قبل إطفائها، حالها حال العرف بأن تتمنى شيئاً حينما ترى «شهاباً فضائياً» يبرز كلسان لهب ثائر سريع في السماء لثوان ويتلاشى.

بالتالي حينما تمر سنة من حياتك، ما الذي تتمناه؟! وما الذي تسعى إليه فيما تبقى من العمر؟! وما الذي تعلمته خلال 365 وربع يوم ماضية، تسبقها مجموع السنوات التي عشتها على هذا الكوكب؟!

هذه هي الأسئلة التي أعتبر إجاباتها بينك وبين نفسك الأهم، وهي قناعة لن تجدها بداخلك قبل خمس سنوات ربما أو عشر، وبالتأكيد ليست قبل ثلاثين عاماً حينما كنت تمضي في عتبات سن المراهقة عتبة عتبة.

عموماً، ولأنكم، قراءً أعزاءَ، ومتابعين تمثلون لي أهمية لأوجه هذا القلم ليكتب يومياً وعلى امتداد عشرين عاماً، ما قد يهمكم ويعبر عنكم قدر المستطاع، أحببت أن أشارككم هواجس وأحلام شخص انقضى عام من عمره، علنا نتلاقى في نفس الأحلام والأمنيات، ولعلنا تعلمنا من الحياة دروساً مشتركة، بالإجماع عليها قد نكون نسير في مسار صحيح، مسار فيه وعي يتزايد، أو استيعاب لما تستوجبه الحياة علينا من تعامل وتعاط.

أمنياتي، وأمنيات كل شخص، كما أفترض، لا بد أن تنقسم بحسب اتجاهين مختلفين، أحدهما شخصي، وآخر عام يرتبط بمحيطه، وهذا ما يفرضه الواقع، لأن الشذوذ عنه لا يعني سوى وجود تطرف يتجه نحو الأنانية المطلقة، وهي ما تعني النزوح للأمنيات الشخصية فقط، دون أي ارتباط بالمحيط والكيان.

أنهي الفلسفة هنا وأقول بأن أمنياتي الشخصية تتلخص في أمور عديدة، بعضها سأكتمه بالضرورة، لأنها يجب أن تظل سراً بيني وبين قريني الداخلي فقط، أما تلك التي سأشارككم بها، فهي أحلام شخصية ممزوجة مع أحلام الاتجاه الآخر، الاتجاه العام المعني بمحيطي ومجتمعي.

طبعاً ديمومة الصحة والسعادة لي ولكل من أحب، وتحقيق التحديات الشخصية، كأحلام خاصة، لكن أحلامي العامة تدور في فلك الأمنيات بأن يكتب الله الخير والسلام والأمن لبلادي وأهلها، أتمنى أن تمضي كافة الجهود باتجاه الإصلاح وتثبيت دعائم «الفضيلة» في كل أمر وعمل، أتمنى أن «تتطهر» بلادنا من كل الأخطاء والعادات السيئة والفساد بأنواعه الممارس من قبل أشخاص يسيئون للتوجه العام للدولة وشعاراتها الإصلاحية، أتمنى أن نعزز العدالة الاجتماعية، وأن نحرص ألا يظلم إنسان، وألا يجوع إنسان، وألا يحطم إنسان في حياته أو وظيفته، أتمنى أن تتحقق الانتصارات لجهودنا على كل التحديات التي تقف في وجه بلادنا، أن يقوى اقتصادنا، أن يتحسن وضع الناس أكثر، أن تزيد السعادة المجتمعية من خلال تحقيق رضا الناس، وأتمنى ألا أرى يوماً حزيناً تكتسيه أرض البحرين.

كلنا ماضون، ولن يبقى منا أحد، بعضٌ يفني حياته في جمع المال الذي سيتركه لمن يرثونه في لحظة، وبعضٌ يفني حياته في اكتساب النفوذ والقوة، وهذه ستزول بمجرد دخول «ملك الموت» بلا دعوة أو تنبيه مسبق، اللحظات لن تعود، بالتالي فرصة عيش الحياة مرة أخرى ليست خياراً متاحاً.

تتعلم في سنوات حياتك كثيراً من الأمور، كيف تتعامل مع الآخرين، كيف تضبط انفعالاتك، كيف تحقق طموحاتك، كيف وكيف وكيف، لكن الأهم من كل ذلك لا بد أن تتعلم في سنوات حياتك «كيف تعيش» مقدراً لكل لحظة تتنفسها، باحثاً عن السعادة، راضياً بما كتب لك، داعياً للناس بالخير، متجنباً السعي في ظلم الآخرين وإيذائهم!

كل عام وأنتم جميعاً بخير.