عندما تحمّل إحدى الصور على «الإنستغرام» مثلاً، وتضع عبارة على «تويتر»، وتنشر خاطرة كتبتها على «فيسبوك»، وتتداول بأريحية وأمان الرسائل على البريد الإلكتروني، وتبحث عن موضوعات محددة على «غوغل»، ثم تسجل لنفسك مقطع فيديو لتبثه عبر «سناب شات»، فإنك تضع جزءاً من حياتك ونمط تفكيرك وروتينك على مرأى ومسمع الآخرين. وهكذا عندما تسمح في بعض المواقع بتحديد موقعك الجغرافي، وتتبعك أينما ذهبت، وعندما تسجل في تلك التطبيقات والمواقع فتدلي ببياناتك الشخصية من جنس وتاريخ الميلاد والبلدة وغيرها من معلومات، فإنك تفرط بخصوصيتك، مهما بدت لك تلك المعلومات تافهة وليست ذات قيمة.وفي ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، صار سهلاً على بعض الأنظمة تحليل شخصيتك والتعرف عليك أكثر من معرفتك بذاتك، بل ورصد تحولاتك الفكرية والاجتماعية والنفسية والمهنية على نحو لا يخيل لك على الإطلاق. قد تتساءل، ومن ذا الذي سيضيع وقته في محاولة تعقب والكشف عن هوية شخص مغمور مثلي أو ليس في موقع مهم يضعه محل الاهتمام؟، ولكنك مخطئ تماماً، فقد يستفاد من تحليل بياناتك على مستوى شخصي للوصول إليك أنت تحديداً، وغيرك مثلك، وقد تخضع أنظمة الذكاء الاصطناعي حسابات مجموعة ضخمة من الأفراد للتحليل للظهور بنتائج تتعلق بالمجتمعات التي ينتمون إليها.لقد روجت كثير من المواقع والتطبيقات لطرق الحذف النهائي للبيانات، بعدما ذاع أن اختيار خاصية الحذف لصورة أو تغريدة في الموقع نفسه لا يعني حذفها نهائياً. لكنها أيضاً لا تزيلها نهائياً من الإنترنت، بل ربما من الموقع أو التطبيق وحده..!!وقد يدهشك أن حتى بصمة إصبعك التي تستخدمها للدخول الحصري لأجهزتك أو تطبيقاتك محفوظة لتشكل بصمات الأصابع قاعدة بيانات متكاملة وضخمة لملايين البشر حول العالم..!! كل كبسة زر، وكل أمر تم توجيهه في الإنترنت، وكل معلومة وضعتها في تطبيق ما، بما في ذلك أرقام حساباتك البنكية وأرقامك السرية، كلها محفوظة في عالم الإنترنت الكبير، سواء كان من الممكن أن يصل إليها الناس العاديون بسهولة أو لا، فمسألة الوصول إليها من عدمه، ليست البرهان الدامغ – للأسف – على أن معلوماتك باقية أو تم محوها، بل كل على يقين أنها باقية ما بقيت الشبكة العنكبوتية.* اختلاج النبض:كل معلومة تضعها على الإنترنت باقية ومحفوظة، ما يجعل الإنترنت اليوم بمثابة لوح محفوظ لكل ما دوناه فيه، ربما يمكن تعديله أو الرجوع عنه، ولكن لا يمكن مسحه على الإطلاق، بل يرصد حتى تعديلاتك وتراجعاتك. وهذا السر الكامن وراء الحرب المعلوماتية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مثلاً، فالقوة لمن يملك المعلومات، الأمر الذي لا تقبل الولايات المتحدة منازعتها عليها. أما أنا وأنت، فإنما نحن بحاجة لأن نبدو أكثر حذراً وانتقائية فيما ننشر وفي استخداماتنا التقنية عامة وحسب.