بالأمس، تحدثنا عن محاربي تقنية كريسبر كاس المحتملين، وأوجزنا أهمهم في علماء الدين «من الأديان المختلفة»، والقضاة في المحاكم، إلى جانب الأطباء المعنيين بالأمراض الوراثية والاستشاريين وأطباء التجميل، ولم نستثنِ من ذلك كل المعنيين بالعناية بالجسد من مدربين رياضيين وأخصائيي تغذية وصولاً إلى العاملين في قطاع التجميل والصالونات النسائية والرجالية على السواء، وقد تناولنا بالتفصيل لِمَ سيتحول مثل هؤلاء لمحاربين للتقنية تلك، وفندنا ما تشكله من تهديد على كل منهم. ولكننا أيضاً قبل بضعة أيام وقفنا على أن تقنية كريسبر كاس ستفتح المجال للبحث في مجالات عدة كالصناعات الدوائية والأبحاث المختلفة في مجال تطوير التقنية وسبل الاستفادة منها بالحد الأقصى، غير أن تلك المجالات لن تكون وحدها التي ستفضي هذه التقنية إلى دراستها، فثمة مجالات أخرى ستتأثر على نحو كبير من خلال ظهور «كريسبر كاس» الأمر الذي يستدعي البحث في إمكانية تحديثها وتطويرها لاستيعاب تلك التقنيات الحديثة عامة وما باتت تقدمه الدراسات والأبحاث العلمية من نتائج مبهرة، وهذه التقنية على وجه الخصوص.

في مراحل سابقة عندما تحدثنا عن الروبوت وتقنية «GAN» والسياحة الفضائية والمستعمرات الفضائية، وغيرها كثير، تناولنا ضرورة الالتفات للتشريعات القانونية في تلك المجالات، إلى جانب أهمية مراجعة المقررات الدراسية للمختصين في القانون لتشمل دراستهم تلك المجالات بما يواكب المستجدات على الساحة، فتحديات الغابة العلمية اليوم أصبحت أكبر مما قد يخيل للدارسين في مجال القانون أن بإمكانهم تغطيته بقليل من الاجتهاد أو المتابعة للقوانين الجديدة وحسب، وإن الحديث عن موضوع الأنثروبولوجيا القضائية باعتباره مفهوماً جديداً نسبياً، صار أكثر اتساعاً من مجرد التعاطي مع «DNA» اعتيادي، فنحن اليوم أمام حمض نووي خاضع للتصحيح ما يؤدي لعدم إمكانية إثبات النسب في بعض الحالات، إلى جانب إمكانية تغيير الحمض النووي للشخص بعد ارتكابه جريمة ما فلا يوجد ما يدل عليه ما لم يوثق حمضه النووي الذي ارتكب الجريمة خلاله، ما يعني أن الشخص قد يسعى لإجراء عدة عمليات تصحيح وتغيير للحمض النووي في مجالات مختلفة للتلاعب بهويته على الدوام وتظليل الجهات الأمنية وغيرها. فهل تستوعب القوانين الحالية هذا الكم الهائل من الاحتمالات؟ بل هل يمكن إخضاع تلك الافتراضات كلها للقوننة أصلاً؟!! في هذا السياق نجد أننا بحاجة ماسة أيضاً لعلماء دين على مستوى من التخصص في تلك المجالات ليكونوا على مقربة منها وعلى مستوى من الفهم الدقيق لتلك التقنيات الجديدة قبل الخوض في مجال الإفتاء فيها، فمشكلتنا الرئيسية في الإفتاء كامنة في قصور فهم علماء الدين لبعض المجالات التخصصية، فهل سيخرج لنا في وقت قريب صنف من المفتين المتخصصين في تلك المجالات، بحيث لا تقبله دور ومؤسسات الإفتاء إلا بشهادتين، الأولى تخصصية سواء في الطب أو في التقنيات والتكنولوجيا أو في علوم الفضاء وغيرها، والأخرى في الشريعة؟

* اختلاج النبض:

المشرعون والقضاة في العالم، ودور الإفتاء وعلماء الدين.. هل من التفاتة للتطورات والمستجدات على الساحة العلمية؟ وهل من استجابة جادة تستوعب حجم التحولات المرتقبة؟