الطريق الأسهل للنظام الإيراني كي يحل مشكلاته ويحافظ على نفسه ويرتقي بالشعب الإيراني -لو أن هذا الأمر من ضمن أجندته- هو أن يعيش ويعمل كما يعيش ويعمل الآخرون، فيتوقف عن الذي لم يتمكن من تحقيقه ولن يتمكن مهما فعل وأوله خرافة ما أطلق عليه «تصدير الثورة» التي شغل نفسه بها فكانت واحداً من أهم أسباب تخلفه واتخاذ جيرانه منه موقفاً سالباً والتشكيك فيه وفي نواياه وعدم الثقة فيه، فهذا الأمر الذي لم يتحقق في أربعين عاماً رغم صرف المليارات من أجله لا يمكن أن يتحقق اليوم ولا في أي زمن.

النظام الإيراني ترك الأهم والمهم وشغل نفسه بأمور لا طائل من ورائها ولم يجن منها سوى المواقف السالبة منه فاعتبره الآخرون -وعلى الخصوص جيرانه- خطراً ينبغي التعامل معه بحذر. ولأنه تعود اتخاذ نهج مغالطة نفسه لذا لم يكن مستغرباً ما قاله عن الأحداث التي شهدتها المدن والبلدات الإيرانية أخيراً فقال من دون تردد وبكل ثقة بأن الذين يحركون تلك الأحداث هم أمريكا وإسرائيل ودول أخرى في المنطقة، في إشارة إلى السعودية، واعتبر قيامه بقطع الإنترنت ضرورة لإفشال تلك «المخططات الأجنبية»، معتقداً بأنه بهذا يمكن إشغال الإيرانيين عن الموضوع الأساس الذي خرجوا بسببه والذي من وجهة نظره لا يستدعي الخروج إلى الشارع والاحتجاج!

لو أن هذا النظام لم يتبع هوى نفسه وانطلق في تعامله مع الشعب الإيراني والآخرين بواقعية ما حصل له كل هذا الذي يعاني منه حالياً، لكنه للأسف حلق بعيداً وارتكب منذ البدء خطأ استراتيجياً يصعب تصحيحه فأعلن بملء الفم بأنه يعتزم تصدير الثورة إلى جيرانه وفتح أبوابه لكل الذين قرروا اتباع هواهم واعتقدوا في لحظة بأن من حقهم الاستيلاء على السلطة في بلادهم، فقدم كل الدعم لكل هؤلاء واعتبر نفسه مسؤولاً عنهم بعدما منحهم صفة «المستضعفين».

لو أن النظام الإيراني لم يورط نفسه في كل هذا وفي غير هذا لاختلف حال إيران اليوم ولاختلفت ظروف الشعب الإيراني ولما عانت المنطقة من كل هذا الذي تعاني منه اليوم، لكن ما حصل هو أن هذا النظام اختار النهج الخطأ فأوغل في الخطأ ولم يعد قادراً على تصحيح ولو بعض ذلك الخطأ.

النظام الإيراني بدأ حياته بالادعاء بأن البحرين جزء من إيران وأنه لا بد من استرداد هذا الجزء، ثم اعتمد خطة التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين ولبقية دول مجلس التعاون وعمل على زعزعة الأمن والاستقرار فيها وبالغ في محاولات تهريب الأسلحة إلى الخلايا التي تمكن من تكوينها في داخل دول المجلس، وختم ذلك بالسيطرة على صنعاء والسعي إلى إخضاع بقية المحافظات اليمنية لسلطته في محاولة مفضوحة لمحاصرة السعودية التي أراد لها أن تصير بين فكي كماشة، فالنظام الإيراني سيطر خلال السنوات الأخيرة على سوريا والعراق «شمال السعودية» وعمد إلى السيطرة على اليمن «جنوب السعودية»، لهذا كان لا بد من عاصفة الحزم ومن التحالف من أجل تحرير صنعاء والشعب اليمني من ربقة الاستعمار الفارسي وتخليص المنطقة من أذى يحرمها من الأمن والاستقرار.

النظام الإيراني اليوم في ورطة كبيرة، لكن الخروج من هذه الورطة ليس بمستحيل، فبإمكانه -لو أراد- البدء باتخاذ قرار بعدم التدخل في شؤون جيرانه والإعلان عن ذلك بوضوح وتوفير ما يكفي من أدلة على أنه قرر تغيير سلوكه وأنه حان الوقت لينال ثقة جيرانه.

قيام النظام الإيراني بهذه الخطوة نتيجتها المنطقية هي أنه سيأكل من بين يديه ومن خلفه ومن كل اتجاه وسيعيش الشعب الإيراني حياة مختلفة، وسيستمر هو في السلطة.