بعد ظهور الاستنساخ في العام 1996 عبر استنساخ النعجة دولي، دأب العلماء على الاستمرار في نماذج وتجارب الاستنساخ واحدة تلو الأخرى وإن كان ذلك الجهد مغيباً عن الإعلام إلى حد ما، خلافاً للضجة الإعلامية التي أحدثتها «دولي» وقتها. ولعل أبرز تجارب الاستنساخ تلك التي أجريت على القردة وحققت النجاح، ثم سرعان ما تحول الأمر للاستنساخ خارج الإطار العلمي والبحثي، وعلى سبيل ملأ الفراغ أو سد احتياجات عاطفية معينة، إذ أجريت تجارب استنساخ للحيوانات الأليفة، لحيوانات تعلق بها أصحابها ولكنها ماتت لأسباب مختلفة. المثير في هذا السياق حديث عن استنساخ قطة، قال صاحبها إن القطة المستنسخة مطابقة تماماً لقطته الأصلية من حيث الشكل الخارجي، ولكنها اختلفت عنها في السلوك وفي الذكريات، إذ تكون القطة الجديدة ذكرياتها المستقلة بعيداً عن الذكريات التي شاطر قطته الأصلية بها. لعل مسألة كهذه لا تبدو فجائية للقارئ بالقدر الذي كانت عليه لدى صاحب القطة المشحون بمشاعر معينة تجاه قطته، ورغم أننا مازلنا نتحدث عن إجراء تجارب الاستنساخ على الحيوانات، إلاَّ أن ثمة ما يثير التساؤلات حول جدوى تلك الأبحاث والتجارب في تحويل التجربة على البشر.وقبل أن ننتقل إلى تنفيذ تجربة الاستنساخ المأمول على البشر، هناك ما يستحق التفنيد فيما يتعلق بموضوع استنساخ الذكريات وليس الوقوف على بعد الجسد لوحده، وقد يكون ذلك أمراً جميلاً للاحتفاظ بنسخ من ذكرياتنا ومشاعرنا لكثير من الاستخدامات والأغراض، على سبيل الذكرى عندما نظن أن مشاعرنا قد تتغير تجاه الأشخاص والأشياء، ولكن ليس لذلك السبب وحده يأتي موضوع استنساخ الذكريات، بل يقوم في أساسه على محاولة استعادة شخص ما بكل تفاصيله وعدم الاكتفاء بإعادته أو التعاطي معه على مستوى الشكل الخارجي وحده، كنموذج القطة التي أشرنا إليها، حيث سيصبح بالإمكان -إن آتت تلك التجارب أكلها- أن تستعيد علاقتك كاملة بشخص توفي أو ابتعد لسبب ما، وذلك من خلال الاحتفاظ به بنفس الذكريات التي جمعتك معه فضلاً عن الشكل بما لا يشعرك أنه شخص آخر، ورغم أنه خيال علمي طموح وقد يتحقق يوماً، إلاَّ أنه قد يواجه إشكالية اختلاف الروح، تلك التي لا ندرك كنهها، وتكسبنا شئنا أم أبينا خصائص معينة لا يمكن تكرارها على الإطلاق.* اختلاج النبض:لنا أن نتخيل كيف يمكن أن يستفاد من استنساخ الذكريات في اختيار النموذج الأمثل الأفضل للولاء والإخلاص والتفاني وحقنه أو تضمينه بطريقة أو بأخرى في أدمغة الجنود، أو في حل كثير من الأزمات النفسية المترتبة عن عدم تقبل الواقع برحيل عزيز بموت أو غيره حيث يتيح إعادة ذلك العزيز بكل تفاصيله. رغم أننا قد نقع في محظورات دينية تلزم المناقشة والإفتاء الجاد، إلاَّ أن ذلك قد يكون مشروعاً ثورياً بامتياز على مستوى العلاقات الإنسانية وديمومتها بطريقة أو بأخرى.