لماذا خرجت الشاعرة البحرينية الكبيرة فتحية عجلان لتوزيع الحلوى البحرينية على المتواجدين في المسيرات الاحتفالية بالشوارع ليلة فوز منتخبنا الوطني لكرة القدم بكأس الخليج العربي الـ 24؟

بل لماذا الجميع خرج من منزله وظل يحتفل بالفوز حتى ساعات متأخرة من الليل؟ وكل شخص وإمكانياته فهذا يوزع ماء و«عصاير» وحلويات، وآخر يوزع أطعمة وأعلام وشعارات البحرين، والبعض أحضر سيارته وملأها بالمسجلات الصوتية وجعلها بمثابة الاستوديو المتنقل التي تبث الأغاني الوطنية طيلة الليل، بل المعظم اتجه ثاني يوم لمحلات الكعك والمطاعم لحجز كعكة تحمل شعار لقب البطولة لتقطيعها بين الأهل والأصدقاء وهم يحتفلون.

لماذا فريج «الحياج»، الحياك، في المحرق خرجوا بمسيرة في المحرق، وقد وضعوا على أحد جدران المباني صور رموزنا الوطنية، وأخذوا يرددون «لي غيم الغيم طق يا مطر بنآخذ الكأس من دوحة قطر».

لماذا الطفل «عباس» من قرية حلة العبد صالح لم يفارقه علم البحرين منذ ليلة الاحتفال، فصبيحة يوم الإثنين الذي أمر جلالة الملك المفدى، حفظه الله ورعاه، أن يكون يوم إجازة رسمية، بمناسبة الفوز كان علم البحرين الذي لم يفارقه معلق على ظهره وأخذ يسير به في منطقته، مثلما يرتدي المرء الوشاح، وظل واقفاً به، حتى عند الخباز، فانتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي..؟ لماذا الطفل أحمد فعل الشيء ذاته فربط علم البحرين حول رقبته وأصبح متوشحاً به، وأخذ يسير في أحد المجمعات التجارية به، وكأنه يحمل العالم بأكمله ويشعر بالفخر والاعتزاز والانتماء لهذا العلم ورمزه؟ بل لماذا أحد الأطفال عندما لمح لقطة لجلالة الملك حمد حفظه الله ورعاه في التلفاز وقف بسرعة، وقام بأداء التحية فرحاً وكأن جلالته يقف أمامه حقيقة لا لمحه من خلال التلفاز، وشعر بأنه من الواجب أن يقف لا أن يظل جالساً؟ الصغير قبل الكبير حرص على أن لا يخرج من المنزل إلا وبيده العلم أو يعلق على صدره أو ظهره اسم أو شعار البحرين.

هذه المظاهر الوطنية أبلغ صور الوطنية والولاء والمواطنة الصالحة وعلينا أن نقر أن كثيرين ليسوا من جمهور المباريات الكروية، وقد لا يفهمون في المسائل الرياضية وغير مهتمين بالشؤون الرياضية، ونادراً ما يتابعونها لكن عندما يكون اسم البحرين موجوداً فهنا الفطرة تظهر وتغلب ويبدأ المواطن يميل لكل شيء يخص اسم وطنه حتى لو كانت مباراة قدم!

الفكرة الأهم أن الكل كان يشعر بالمسؤولية.. مسؤولية الفوز وأنه شريك في مسألة أهمية دعم وتشجيع المنتخب البحريني حتى وإن كان واقفاً من وراء شاشة التلفاز فوجوده مهم، ومتابعته للمباراة أهم وهو واجب وطني.. من العيب أن يكون في عالم آخر بعيداً عن تشجيع منتخبه الوطني ومنشغلاً، وكل دول الخليج العربي تترقب نتيجة المباراة والعالم المهتم بالشؤون الكروية في العديد من الدول عيونه على هذه البطولة.. هذه هي الفكرة الطاغية عند شعب مملكة البحرين بل حتى محبيها من الشعوب الأخرى.. أنت مهم ووجودك مهم ولا يستغنى عنك مهما كان اسمك ووضعك الوظيفي والعائلي والاجتماعي.. هذا واجبك الوطني وجزء من مسؤولياتك.. أنت جزء أساسي «منا وفينا» وشريك معنا وأحد الأعمدة التي ينهض بها اسم مملكة البحرين لذا فالكل كان متفاعلاً والكل كان منشغلاً، لدرجة البعض قرر أن لا يأخذ أطفاله إلى المدرسة ثاني يوم، ولم يأمرهم بالاتجاه إلى السرير للنوم، بل جعلهم متسمرون أمام شاشة التلفاز يتابعون المباراة معه ويهتفون أمام كل هجمة بحرينية على المرمى السعودي، فمنطقياً الدراسة بالتأكيد أهم من مباراة كرة قدم لكن هنا المعادلات تتغير هنا يرى المواطن أن الوطن أهم وغرس بذور التربية الوطنية هي الأهم والبحرين أولاً.

فهذا موقف قد لا يتكرر بالأخص أننا وصلنا للمرحلة النهائية والحاسمة كما عند الفوز وجدوا أن هذه الفرحة سابقة بالنسبة لنا، وحلم تحقق بعد خمسين عاماً من الانتظار فليس كل يوم تكون هناك مباراة نهائية، ونفوز بها ببطولة على مستوى دول الخليج العربي.

عندما يشعر المواطن أنه جزء من المشهد الوطني العام، وأنه شريك مع الكل بلا استثناء، وبلا أي اعتبارات وظيفية أو سياسية أو دينية أو مذهبية أو اجتماعية، وأنه في الفرح لا توجد طبقية ولا مستويات فالكل هنا يشعر بالمساواة، وأن الجميع فرحون لأنهم بحرينيون ومن حقهم الفرح، ونسيان أي اعتبارات أخرى بل أن الأبواب مشرعة أمامه ومفتوحة للمشاركة في هذه الفرحة الوطنية، وأنها ليست مقتصرة على جماعات أو فئات فالكل «غالب»، والكل منتصر ولا أحد يرى نفسه فوق أحد بل الكل على خط واحد خط الوطنية، وخط أن البحرين لنا جميعاً وتخصنا كلنا.

* إحساس عابر:

مرت علينا منعطفات والكثير من الأحداث المؤسفة التي كانت بمثابة الجراح الغائرة في نفوس البحرينيين.. مررنا بفترات خذلان وموجات إساءات وتشويه لمنجزات وطني البحرين.. اليوم يمحى كل هذا بفرحة يسوقها الله ويشاء بها أن يفرح كل بحريني من أعماق أعماقه.

بعض من خذلونا من الدول وغضوا الطرف عن البحرين في منعطفاتها الأليمة وكانوا في مرحلة الصمت والمنطقة الرمادية زعماً أنهم يمسكون العصا من النصف والحقيقة كان عنوانها الخذلان وعدم الشيمة اليوم يشاهدون البحرين في قمة فرحها وتألقها، بل ويشهدون كيف هي مملكة البحرين بلد صغيرة المساحة لكنها كبيرة جداً.. كبيرة جداً في عيون العالم ومحبينها من كل الدول. لن نستحضر ذاكرتنا وتلك المحطات وقت هذه الفرحة الوطنية الكبيرة بكأس الخليج، إنما سنوصل رسالة البحرين تبقى مثل الشمس المشرقة البهية سحب الإساءة وإن مرت عليها وغطتها لن تستطيع تغيير تاريخها وتحريف حقيقتها فالبحرين لؤلؤة الخليج العربي وبلد الحضارات والإنجازات منذ مهد التاريخ وكل حملات الإساءة والتشويه ومحاولات النيل من رموزنا الوطنية لم تنل من مكانة مملكة البحرين في قلوب محبيها، والشعوب التي تراها لؤلؤة الخليج العربي، ودانة المنطقة العربية وحكامها وشعبها من أطيب الحكام والشعوب فالبحرين واحة أمن وفرح ورسالة سلام وساس الطيب واليوم هي متصدرة السعادة والأفراح الله يديمها.

فعدد من الخليجيين علق على أفراحنا الوطنية «وناسة البحرينيين تونس.. مالهم حل.. كل مرة خلوهم يآخذون الكأس حق نفرح.. طاقة إيجابية عظيمة انتشرت علينا كلنا.. شعب طيب وراقٍ».