نعم، يبكيك «حذاء»، ولم لا؟! هذا إن كنت ممن أنعم الله عليهم بخصلة أثيرة باتت «منقرضة» لدى كثيرين من البشر، وأعني بها هنا «القناعة»!

القناعة في زمن بات فيه «جحود النعمة» السمة السائدة لدى البشر! ولست أتجنى هنا، بل واقعنا يثبت ذلك بقوة، فأغلب البشر يرى ما في يد غيره، متناسياً ما في يده، ومتجاهلاً تماماً ما في يد من هم أقل منه!

أما عن الحذاء الذي أبكى قائل العبارة، فهو جاء في سياق جملة للكاتب والروائي الأمريكي والي لامب، حين قال: «بكيت لأنني لا أملك حذاءً، ثم قابلت رجلاً لم تكن له أقدام»!

جملة من 12 كلمة، تقدم لك «فلسفة» عميقة من خلالها يمكنك أن تعيش سعيداً، والعكس لو ناقضتها، يمكنك أن تستمر تعيساً، غير مقدر لما لديك.

هذه الفلسفة تقودك في أهم دروسها لتدرك أنك مهما تكون، لابد وأن تمتلك أشياء غيرك لا يمتلكها، بالأخص ممن أقل منك سواء في الوضع المهني أو الاجتماعي، أشياء هم يتمنون الحصول عليها، وأن تكتب لهم، بينما هي لديك أمور تمثل «مسلمات»، قد لا تنتبه لها إطلاقاً، لأنك قد تكون منجرفاً للتطلع إلى أعلى، أو لاستراق النظر لما عند غيرك. ومتى تتذكر بحسرة ما تملك؟! حينما يذهب ويختفي ويصبح في عداد الماضي.

قال لي أحدهم ذات يوم وهو يشير إلى «مقبرة» صادفتنا ونحن في السيارة متجهين لمجلس «عزاء»، قال لي: بين هؤلاء المدفونين تحت الأرض، ستجد أغنياء غناءً فاحشاً، وستجد فقراء مدقعي الفقر، أو تظن كم شخصاً كان «قانعاً» بما لديه؟! كم شخصاً تظن كان يحمد الله على ما أنعم به عليه، خاصة حينما يقارنه بما لدى الآخرين الذين كتب لهم أن يكونوا أقل منه؟!

مشكلة هؤلاء البشر، أنهم يمضون حياتهم بمحاولة عيش حيوات آخرين! يفنون دقائق عمرهم في رصدها، ومحاولة مقاربتها أو تقليدها، وبعضهم يستميت ليصل لوضع مشابه للآخرين، متناسياً ما يملكه، وما هو بحوزته، فلا هو ينعم بحياته، ولا يستمتع بما لديه، وقد يستمر على هذه الحال ردحاً طويلاً من الزمن، ليجد نفسه على بعد عدة شهقات قبل مغادرة الدنيا، وستجده يقول: «لم أعش حياتي، لم أفعل كل ما أريد»!

نعم لم تعش حياتك، لأنك قضيتها محاولاً عيش حياة أخرى. لم تستمع فيها، لأنك لم تمتلك القناعة لتستمع بما لديك، بل أردت الاستمتاع بالتحصل على ما لدى غيرك. قضيت حياتك تطارد كل ما يعلوك، بينما نسيت بأن هناك من هو أدنى منك، لا يملك النعمة التي تملكها.

بالفعل أحياناً نبكي على عدم امتلاكنا الحذاء، ونصل لدرجة الغضب والحنق الذي قد يقودنا للتذمر على ما كتبه القدر لنا، في وقت لا نتذكر فيه إطلاقاً بأن البعض قد لا يمتلك قدمين يسير بهما. والموجع أننا لن نقف حتى ثانية لندرك بأننا نسير على الأرض أصلاً حتى لو لم نملك الحذاء.

القناعة كنز لا يفنى، جملة نرددها كثيراً، لكننا لا نعمل بها غالباً.