جميل جداً أن نرى النواب يتحركون في اتجاهات من شأنها حماية حقوق الناس، سواء أكانت حقوقاً مكتسبة، أو حقوقاً مقرة بعد مطالبات شعبية، بغض النظر أكانت ناجمة عن حراك نيابي، أم ناجمة عن تفاعل حكومي إيجابي مع أصوات الناس وآرائهم وأفكارهم ومطالبهم.

لكن الغريب حينما تتصدر العناوين مواضيع معنية بحراك هدفه «حماية الحقوق الموجودة» أصلاً، بمعنى لماذا نحتاج لحراك يحمي حقوق مكتسبة للمواطن، ومقرة عبر القوانين، ودرجنا على تطبيقها لعقود من الزمان؟!

لفت انتباهي تحرك النواب الأخير المعني بـ»تثبيت الزيادة السنوية لموظفي القطاع العام بنسبة 3٪ بقانون»، إذ ما نعرفه خلال سنوات طويلة أن الزيادة السنوية ثابتة، وأنها أصبحت حقاً للموظف، بغض النظر إن كان منجزاً في عمله أو عليه ملاحظات، باعتبار أنها زيادة ثابتة، وهناك زيادات أخرى تصرف على هيئة حوافز ومكافآت للموظفين المتميزين، ناهيكم عن الخطوة التي أثلجت صدر المتقاعدين، والتي جاءت من قبل جلالة الملك حفظه الله عبر إقرار وتثبيت زيادة سنوية قوامها 3٪ لهم.

لكن أعود لطرح السؤال: «لماذا هذه الضجة بشأن تثبيت الزيادة السنوية بقانون»؟!

وسأعيد صياغة السؤال ليفهم ما أرمي إليه، وسأقول: «لماذا تثبيت الزيادة بقانون، رغم أنها حق مكتسب؟! هل هناك نوايا غير معلومة بشأن المس بالنسبة الصغيرة المقرة للزيادة؟!».

بحكم المعلومات التي أمتلكها والتي نوقشت في جلسات عامة ومغلقة قبل سنوات، وكنت مشاركاً في واحدة منها، كانت هذه الفكرة مطروحة ضمن الأفكار المعنية بخفض النفقات وتقنين المصروفات، ويومها كان الحديث عن أنه لا يجب الالتزام بنسبة ثابتة قوامها 3٪ تصرف لجميع الموظفين على حد سواء، بل يجب أن تتفاوت بناء على عطائهم واجتهادهم، وعليه يمكن لموظف أن يحصل على 3٪ وآخر يحصل على 2٪ وثالث يحصل على 1٪، ويمكن أيضاً ألا يحصل الموظف سوى على «صفر» بالنسبة للزيادة».

ترجمة الفكرة بأنك يا مواطن عليك أن «تقاتل» و»تجتهد» لتضمن حصولك على 3٪، والتي كانت تمشي لك بشكل أوتوماتيكي سنوياً، حتى لو لم تفعل شيئاً.

طيب، هذه الآلية هل تحقق العدالة في تحصل الموظفين على الزيادة السنوية؟! والسؤال الآخر، هل نسبة زيادة تصل إلى 3٪، تستحق أن نجعلها زيادة عسيرة على التحصل عليها بسقفها الأقصى، أي 3٪؟!

في رأيي لو كانت نسبة الزيادة ذات سقف مرتفع، مثل 10٪ أو حتى 7٪، لربما كانت الفكرة منطقية، لأنها بشكل تراكمي لو تحصل عليها عدد كبير من الموظفين لكانت تستوجب ضخاً مالياً كبيراً، لكنها نسبة صغيرة، لو قارنها بما يمكن توفيره من المال العام فعلياً، لو قمنا بخفض النفقات والمصروفات في الجوانب الممكن الاستغناء عنها، أو أوقفنا الهدر المالي الذي يؤكد وجوده تقرير ديوان الرقابة المالية.

وهنا لا بد من معرفة معلومة قد تكون غائبة لدى كثيرين، وهي أن هذه النسبة 3٪ ليست نسبة ثابتة كحد أقصى في قطاعات حكومية معينة، خاصة تلك التي تجمع بين مزايا القطاع الحكومي وشبه الحكومي، وأمتلك شواهد على أماكن تصل نسبة الزيادة السنوية إلى 7٪، وهنا ستجد أن كثيرا من هذه الزيادات توزع على أفراد بحسب «مزاج» المسئول، ما يعني أنك لو كنت ممن «يعجبون المسؤول» وتحصلت على الحد الأقصى لعشر سنوات مثلاً، فإنك ستحصل على نسبة زيادة تصل إلى 70٪ من راتبك!!

لربما النواب يريدون الحفاظ على هذه النسبة الصغيرة أقلها حتى لا يتحصل الناس على زيادة أقل مما كانوا يتحصلون عليها سابقاً، لكن في المقابل وبحسب ما طرحته أعلاه، على النواب البحث عن القطاعات الحكومية التي فيها نسب تفوق الـ3٪، وأن يدققوا أو يساعدهم ديوان الرقابة المالية والإدارية في التدقيق على النسب وإقرانها بالأشخاص، وهل هي تتكرر، وهل هناك أناس لديهم حظوة، في المقابل أناس محاربون ويطولهم الفساد الإداري حتى في زيادتهم السنوية؟!

تريدون الخير لهذا البلد وأهله؟! بالتالي حافظوا على الحقوق المكتسبة، وأوقفوا أي استغلال وفساد في أنظمة بعض القطاعات، يستفيد منه بعض ويتضرر منه بعض آخر، ولو دققتم لوجدتم ما أتحدث عنه.