كل من تابع تغطية الفضائيات «السوسة»، الإيرانية وتلك التابعة لها والممولة من قبل النظام الإيراني منذ اللحظة التي أعلن فيها عن مقتل قاسم سليماني ومن معه في بغداد بعزم أمريكي، لابد أنه لاحظ أنها تعمد - وبواسطة من تستضيفهم أيضاً - إلى نشر فكرة أن السعودية وبقية دول الخليج العربي ليست إلا مدناً كرتونية أو زجاجية وأنها كلها «صيد سهل» لو أن خامنئي قرر الرد على الولايات المتحدة من خلالها – على اعتبار أنها من حلفائها – حيث يمكن إفناؤها كلها بضربة واحدة!

تلك الفضائيات التي تبث بالفارسية والعربية وبالعديد من اللغات كلها ركزت على ذلك وعمدت إلى حرف ما جرى بغية إيجاد الذريعة التي يتمكن بها النظام الإيراني من طعن دول الخليج العربي التي تتخذ منه موقفاً بسبب عنجهيته وتدخله في شؤون المنطقة وتوجيه الاتهامات لها بل باعتبارها سبباً في مقتل سليماني الذي يعتبر الرجل الثاني بعد خامنئي.

من حق تلك الفضائيات أن تغطي الحدث بالكيفية التي تشاء ومن حقها الدفاع عن سليماني والمهندس والنظام الإيراني ومن تشاء، تماماً مثلما أنه من حقها أن تفرض على مذيعيها لبس السواد وإبداء مظاهر الحزن، لكن ليس من حقها أبداً اعتبار دول الخليج العربي سبب الضربة التي تلقاها النظام الإيراني حيث السبب معروف ويتلخص في تجاوزاته وتواجده حيث ينبغي ألا يتواجد وتدخله في شؤون العراق ودول المنطقة.

القصة الأخرى التي بدأت تلك الفضائيات التركيز عليها بغية نشرها وستظل تركز عليها في المقبل من الأيام هي أن النظام الإيراني حدد الأهداف التي سيرد بها على أمريكا وأماكنها والتوقيت وأن الأمر الآن بيد المرشد الإيراني ليأذن بالتنفيذ. تفعل ذلك بالكثير من التهويل والتلميح بأن دول الخليج العربي التي تتخذ من النظام الإيراني موقفاً يمكن أن تكون من بين تلك الأهداف.. فهي مدن «كارتونية.. زجاجية»!

الحقيقة التي تتغافل عنها تلك الفضائيات ويتغافل عنها النظام الإيراني هي أنه لا علاقة لهذه الدول بما جرى، فالمشكلة محصورة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، هي عانت من سلوكياته وما ظل يفعله سليماني وميليشيات النظام في سوريا والعراق، وهو بالغ في ذلك وأوصلها إلى مرحلة لم تعد تطيق معها الصبر فاتخذت قرارها بالرد الموجع، والمواجهة، وهو ما كان.

قصة ثالثة بدأت تلك الفضائيات تركز عليها هي اتهام دول الخليج العربي والسعودية بوجه خاص بأنها شمتت في ما حصل لسليماني وللنظام الإيراني وأنه تم رصد بعض مواطنيها وهم يعبرون عن فرحتهم بذلك. ورغم أن هذا لم يكن دقيقاً إذ ليس من أخلاق شعوب هذه الدول الشماتة وليس في قاموسها ذلك فلا شماتة في الموت إلا أنه لا يمكن منع الناس من التعبير عن رضاهم عن الذي حدث وتأييدهم للخطوة الأمريكية التي تعتبر متأخرة بل متأخرة جداً، فالنظام الإيراني لم يبقِ له صديقاً وظل طوال الأربعين سنة الماضية يجتهد في تحويل الآخرين إلى أعداء له، ولهذا فإن من الطبيعي أن يعبر البعض بل البعض الكثير – في دول الخليج العربي وفي الدول التي مسها شره وشر النظام الإيراني بوجه خاص - عن موافقتهم على ما حدث لسليماني الذي قتل من البشر في سوريا والعراق ولبنان وغيرها الكثير وكان مستمراً في ذلك.

تلك الفضائيات تعمل اليوم بكل طاقتها أملاً في التغطية على عجز النظام الإيراني الذي صار في مأزق، فهو إن رد على الضربة الأمريكية عانى واقترب من النهاية، وإن لم يرد عليها عانى وخسر كل من عاش في وهم أن هذا النظام من القوة بحيث لا تستطيع حتى الولايات المتحدة «مداقلته»!