خلصت دراسة كان قد أجراها الباحث عادل عبد الله في العام 2008 عنوانها «محركات السياسة الفارسية في منطقة الخليج العربي» إلى اعتبار الجمهورية الإسلامية الإيرانية «قلقا يمكن التعاطي معه بشروط خاصة» وربما احتواؤه بها، لافتاً إلى أن النظام الإيراني يتميز بـ «براغماتية عالية ومرونة واعية لمقتضيات مصالحه العقائدية في المقام الأول، والسياسية المنبثقة عن تلك العقائدية في المقام الثاني» وأنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار «التراكم الثقافي والتاريخي المختزن في العقلية الجمعية للنظام الإيراني، وخاصة مرجعيته، التي تتحرك بنبوءات تعتقد عصمتها وصحتها، وتكفلت بشرحها وإسقاطها على الواقع»... «وتتخذ في سبيل تنفيذها كل الطرق والأدوات والطاقات التي تؤمن قدراً عالياً من الانتفاع والتفوق» مبيناً أن النظام الإيراني بشقيه المرجعي والسياسي «مسكون بعقيدة ظهور «قائم آل محمد» على طريقته، ويرى في نفسه الدولة المؤهلة والوحيدة للتمهيد لمقدمه والتي توظف لأجله كل الإمكانيات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والتصنيعية، وترسم لنفسها موقعاً متقدماً في الخريطة الدولية بآلياته التي يفهمها اللاعبون الكبار، وتتلون بألوان مقتضيات السياسة الدولية، وتلعب بكل الأوراق المتعارف عليها في منظمات الضغط السياسي».
الباحث اهتم ببيان أن النظام الإيراني يصنف جيرانه – شعوباً وحكومات – على أنها العدو التقليدي، بحكم أنهم «نواصب» أو «وهابية» ويرفع في وجههم شعارات تزيد من الشحن المذهبي، مؤكداً أن هذا تقليد دأبت عليه الحكومات الإيرانية المتعاقبة، ولافتاً إلى أن هذه تكتيكات سياسية وأدوات لعب ذات حدين، وأنه بناء عليه ينبغي للعقلاء من جيران إيران – السياسيين والمثقفين والعلماء – عدم الانجرار وراء حمام الدم المذهبي الرامي إلى دفع شعوب المنطقة قبل حكوماتها للقفز فيه وتحويل المنطقة إلى «كنتونات» مذهبية متصارعة.. ترسم بالدم حدودها المصطنعة.
الدراسة حسب الباحث «محاولة لفهم ثلاثي الأبعاد للمحركات السياسية الإيرانية، عقائدياً وتاريخياً ومصلحياً، يمكن بها رسم الصورة في إطارها الشمولي، بعيداً عن التجزيئية أو الانتقائية التي لا تزيد الوضع المعرفي أو التحليلي إلا تعقيداً، شارحاً أن الخصومة مع النظام الإيراني لا تقوم على أسباب عقائدية فكرية فقط ولا على أبعاد تاريخية وحدها ولا على مصالح مادية، وإنما هي كل لا يتجزأ ولا يفكك وأنه من الخطأ أن يدقق النظر في أحدها وتبنى عليه نظريات واستراتيجيات وتكتيكات، فهذه من وجهة نظره محكوم عليها بالفشل منذ البدء.
يؤكد الباحث أيضاً في دراسته - التي لولا الإشارة إلى تاريخ إجرائها لاعتقد القارئ بأنها أنجزت حديثا – أن حكومات الخليج العربي تعاملت مع السياسات الفارسية منذ الدولة الصفوية على أنها إحدى أهم المقلقات الإقليمية نظراً لأسباب إستراتيجية جوهرية وأبعاد تحدد حجم وحقيقة ذلك القلق، ومن أهمها البعد العقائدي «الصفوي» للدور الفارسي في الهيمنة على هذه المنطقة، لافتاً إلى أن مشروع تصدير الثورة الذي بدأ النظام الإيراني حكمه بها ليس إلا ذراعاً سياسياً يصب في مصلحة النظام برصيد تاريخي محفز لمشروع نهضة الإمبراطورية الفارسية الشيعية.. بتكتيكات سياسية مصلحية، تتحرك بدرجة عالية من البراغماتية الذكية بين الطموح الشعوبي والتهديد الدولي الفاعل في المنطقة.
الباحث يكرر في دراسته المهمة مسألة أن ما يواجه النخبة والعامة في فهم أبعاد اللعبة الفارسية هو التجزيء وتشرذم الفهم لكامل الصورة فيقول «إن البعض يعتقد أن مفتاح الفهم كله يكمن في الجانب العقائدي ويركز عليه بحثه ومن ثم معركته المضادة، في حين يعتقد آخرون – وهم الأكثر – أن المسألة لا تعدو مصالح سياسية.. وكلا الطرفين «العقائدي والمصالحي» يأخذ ما يعزز وجهته من التاريخ الفارسي الحديث وتحديداً الصفوي.
الدراسة مثال للمطلوب من الباحثين اليوم بغية فهم العقلية الفارسية.
{{ article.visit_count }}
الباحث اهتم ببيان أن النظام الإيراني يصنف جيرانه – شعوباً وحكومات – على أنها العدو التقليدي، بحكم أنهم «نواصب» أو «وهابية» ويرفع في وجههم شعارات تزيد من الشحن المذهبي، مؤكداً أن هذا تقليد دأبت عليه الحكومات الإيرانية المتعاقبة، ولافتاً إلى أن هذه تكتيكات سياسية وأدوات لعب ذات حدين، وأنه بناء عليه ينبغي للعقلاء من جيران إيران – السياسيين والمثقفين والعلماء – عدم الانجرار وراء حمام الدم المذهبي الرامي إلى دفع شعوب المنطقة قبل حكوماتها للقفز فيه وتحويل المنطقة إلى «كنتونات» مذهبية متصارعة.. ترسم بالدم حدودها المصطنعة.
الدراسة حسب الباحث «محاولة لفهم ثلاثي الأبعاد للمحركات السياسية الإيرانية، عقائدياً وتاريخياً ومصلحياً، يمكن بها رسم الصورة في إطارها الشمولي، بعيداً عن التجزيئية أو الانتقائية التي لا تزيد الوضع المعرفي أو التحليلي إلا تعقيداً، شارحاً أن الخصومة مع النظام الإيراني لا تقوم على أسباب عقائدية فكرية فقط ولا على أبعاد تاريخية وحدها ولا على مصالح مادية، وإنما هي كل لا يتجزأ ولا يفكك وأنه من الخطأ أن يدقق النظر في أحدها وتبنى عليه نظريات واستراتيجيات وتكتيكات، فهذه من وجهة نظره محكوم عليها بالفشل منذ البدء.
يؤكد الباحث أيضاً في دراسته - التي لولا الإشارة إلى تاريخ إجرائها لاعتقد القارئ بأنها أنجزت حديثا – أن حكومات الخليج العربي تعاملت مع السياسات الفارسية منذ الدولة الصفوية على أنها إحدى أهم المقلقات الإقليمية نظراً لأسباب إستراتيجية جوهرية وأبعاد تحدد حجم وحقيقة ذلك القلق، ومن أهمها البعد العقائدي «الصفوي» للدور الفارسي في الهيمنة على هذه المنطقة، لافتاً إلى أن مشروع تصدير الثورة الذي بدأ النظام الإيراني حكمه بها ليس إلا ذراعاً سياسياً يصب في مصلحة النظام برصيد تاريخي محفز لمشروع نهضة الإمبراطورية الفارسية الشيعية.. بتكتيكات سياسية مصلحية، تتحرك بدرجة عالية من البراغماتية الذكية بين الطموح الشعوبي والتهديد الدولي الفاعل في المنطقة.
الباحث يكرر في دراسته المهمة مسألة أن ما يواجه النخبة والعامة في فهم أبعاد اللعبة الفارسية هو التجزيء وتشرذم الفهم لكامل الصورة فيقول «إن البعض يعتقد أن مفتاح الفهم كله يكمن في الجانب العقائدي ويركز عليه بحثه ومن ثم معركته المضادة، في حين يعتقد آخرون – وهم الأكثر – أن المسألة لا تعدو مصالح سياسية.. وكلا الطرفين «العقائدي والمصالحي» يأخذ ما يعزز وجهته من التاريخ الفارسي الحديث وتحديداً الصفوي.
الدراسة مثال للمطلوب من الباحثين اليوم بغية فهم العقلية الفارسية.