كذبة النظام الإيراني في موضوع سقوط طائرة الركاب الأوكرانية التي راح ضحيتها نحو 180 بريئاً ستكلفه كثيراً، والغالب أنها بداية نهايته. فعندما يخرج الإيرانيون إلى الشوارع ويهتفون ضد خامنئي ويصفونه بالديكتاتور وضد روحاني ويطالبونه بالاستقالة وضد ولاية الفقيه ويحملون لافتات مكتوب عليها ما معناه توقفوا عن ممارسة الكذب علينا فإن هذا يعني أن الشعب الإيراني وصل حداً لم يعد يحتمل فيه هذا النظام ولا يمكن أن يصدقه، فالنظام الذي لم يتردد عن الكذب في موضوع يتعلق بأرواح الأبرياء ويخرج أكبر مسؤولي الطيران فيه أمام الملأ ويحلفون بأغلظ الأيمان ويؤكدون أن الطائرة لم تستهدف ولم تسقط بفعل صاروخ أطلقه الحرس الثوري ثم يتبين العكس لا يمكن تصديقه مهما فعل.

ليس الشعب الإيراني وحده الذي لم يعد يصدق هذا النظام ولكن كل شعوب العالم، وبالتأكيد لا قيمة للاعتذارات التي ملأ بها أرباب النظام الدنيا لأنها لن تعيد أولئك الأبرياء إلى الحياة ولن تجعل العالم يثق فيهم من جديد، فمثل هذه الحماقات لا تمحيها الاعتذارات.

ما حصل هو بالفعل بداية نهاية النظام الإيراني وهذا أمر صار سهلاً قراءته في وجوه مسؤولي النظام الذين هدموا بكذبتهم تلك كل ما بنوه في أربعين سنة، دون أن يعني هذا أنهم كانوا في تلك السنين صادقين، فالنظام الذي تأسس على الكذب لا يمكن إلا أن يستمر فيه. لكن الأمر هذه المرة مختلف، فالكذبة كبيرة والتبريرات التي يتم الترويج لها لا يمكن أن تقنع حتى فاقدي العقول بل حتى المهووسين بالنظام والمطبلين له، فالخرق كبير والعالم بصير، لهذا جاء دفاع المدافعين عن النظام هزيلاً ومثيراً للضحك وللسخرية.

بعد اعتراف النظام الإيراني باستهدافه الطائرة وتوفيره ما لا يمكن قبوله من تبريرات بدأت تتكشف بعض الحقائق، فاليوم هناك حديث عن أن الأمر لا علاقة له بخطأ بشري ولا بتخمين أن الجسم يمكن أن يكون صاروخاً وأن الفترة الزمنية المقررة لاتخاذ قرار إطلاق الصاروخ لم يتجاوز الثواني العشر، الحديث اليوم يدور عن وجود ضباط إيرانيين قرروا الهرب من ظلم النظام ويتوفر في جعبتهم الكثير من الأسرار والفضائح. قيل إن النظام طلب منهم العودة لكنهم رفضوا فلم يبق لديه سوى إسقاط الطائرة فهو أهون من الذي يمكن أن يأتيه لو أن أولئك الضباط أفلتوا.

هذه رواية انتشرت، ليس بالضرورة أن تكون صحيحة ولكن يمكن أيضاً أن تكون صحيحة، والأكيد أن الأيام المقبلة ستكشف أسراراً أخرى من أسرار الطائرة المنكوبة وأسباب استهدافها خصوصاً وأن المبررات التي وفرها النظام لم تكن مقنعة ولم يكن مقنعاً أيضاً قول المسؤولين فيه بأنهم تمنوا الموت على أن يسمعوا مثل ذلك الخبر، فهذا كله لا قيمة له ولا يمكن لأحد أن يصدقه، فمن أنكر في البدء وجزم بأن الطائرة لم تسقط بصاروخ إيراني ولم تستهدف لا يمكن تصديقه ولا الثقة فيه.

وبالطبع لا يمكن أبداً قبول القول الذي صار النظام «يتعكز» عليه وملخصه أن «السبب الأول والأخير هو الولايات المتحدة وتهديداتها، فهي التي تسببت في حالة الإرباك، ولولا قتلها لسليماني والمهندس ومن كان معهما لما حصل كل الذي حصل»! أما سبب عدم قبول هذا فهو لأنه يمكن للولايات المتحدة ولكل عاقل أن يقول أيضاً إنه لولا سلوك النظام الإيراني وتدخله في شؤون الدول الأخرى ولولا الدور الذي قام به سليماني والمهندس لما حصل كل الذي حصل، بل يمكن بهذا المنطق أيضاً القول بأنه لولا أن الملالي اختطفوا ثورة الشعب الإيراني في العام 1979 لما حصل كل هذا الذي حصل!