«هل رأى الحب سكارى مثلنا؟».. كان هذا واحداً من أشهر المقاطع للفنانة الراحلة أم كلثوم، كرر بثه تلفزيون البحرين في سنوات مراهقتي مئات بل آلاف المرات، وكنت وقتها كلما تم بثّ المقطع ترنحت في صالة بيتنا وكأنني مخمورة أو ضحكت على تكرار فكرة السِكر -كونه من الكبائر دينياً واجتماعياً، والتي لا يأتي محيطي على ذكرها أبداً، فكان الحديث فيها يشكل نوعاً من الإغراء لمراهقة أرادت التمرد ولو فكرياً- لم أكن أعلم وقتها أن السِكر في الأغنية مجازي من سكرة الحب..!! مرت السنوات ولم تأخذ تلك الأغنية حيزاً من اهتمامي أبداً، حتى درست قصيدتها في مقرر الشعر الحديث في الجامعة، إنها قصيدة الأطلال، حيث كانت الصدمة التي عشتها؟!! يا لروعة تلك القصيدة وأناقة كلماتها، يا له من شاعر ذاك الذي كتب قصيدته التي وقعت في غرامها منذ القراءة الأولى، كيف لسحر تلك الكلمات أن يلامس قلبي هكذا؟ أكانت هذه القصيدة التي ضحكت على غنائها مراراً وتكراراً في سنوات سابقة قليلة؟ بأي عقل كنت أفكر حتى لم أفهم كلمات الأغنية جيداً؟ بأي ذائقة كنت أتعامل عندما كانت تغريني أغنيات صاخبة لا قيمة لها ولا ألتفت لقيمة أدبية عالية كـ»الأطلال» رغم أني كنت وقتها أكتب الشعر، تلك الموهبة التي لم أرعها وحاربها جهلاً من حولي..!!
في مقال مترجم إلى العربية، كتب الفيلسوف البريطاني آدم فيلبس حديثاً عن قصيدة «لا تدخل بهدوء في ذلك الليل اللذيذ» لـ»ديلان توماس»، يقول فيلبس في مقاله، إنه يتذكر أثر قراءة تلك القصيدة أو سماعها عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، حيث ظن وقتها أنها قصيدة عن الخروج ليلاً، وهو الشيء الذي أحبه وكان ينتظر الوقت «العمر» التي يتاح له فيها الخروج ليلاً، غير لاحقاً تعلم ما تعنيه هذه القصيدة.. وكانت تتحدث عن «الموت»..!!! نعم، نتيجة صادمة أخرى إزاء قصيدة أخرى في زمن آخر.!!! والسؤال العريض الذي بات يفرض نفسه هنا.. لماذا يحدث هذا؟!! لماذا يتغير فهمنا للقصائد والكتب والقصص والأفلام في كل مراحل لاحقة لقراءتنا الأولى أو مشاهداتنا الأولى؟!!
لا تتغير النصوص ولكن فهمنا الذي يتغير بتغير وعينا وعمق إدراكنا في كل مرة، فنحن لا نفهم النص الذي نقرأه وحسب، بل نفهمه في ضوء خبراتنا وتجاربنا ودائرة معارفنا المحدودة، وكلما اتسعت تلك الدوائر واحدة تلو الأخرى تجلى لنا المعنى الكامن في الكلمات أو خلقنا معاني أعمق فيها، نحن نلبس النص أحياناً ما لا يحتمل بفهمنا له وليس لأن النص حمل هذه المعاني.
* اختلاج النبض:
جميعنا نرتكب إثم فهم النصوص في مراحل زمنية مختلفة من حياتنا حسب درجات وعينا وتطوره، وسنعيد تكرار هذا الإثم عندما نرتقي فكرياً أكثر حتى على كاتب الكلمات نفسه في بعض الأحيان. ورغم أن الكتاب يختلفون في مسؤوليتهم تجاه القارئ في فهمه للنص، فبعضهم يعتقد بفشله عندما لا تصل فكرته للقارئ كما يجب، بينما يرى آخرون أن الكاتب مسؤول عن كتابة النص بجودة عالية ولكنه غير مسؤول عن الطريقة التي يفهم بها الكاتب النص. وبغض النظر عن المسؤولية يبقى إثم فهم النصوص قائماً ومثيراً للجدل حتى في النصوص السماوية.
{{ article.visit_count }}
في مقال مترجم إلى العربية، كتب الفيلسوف البريطاني آدم فيلبس حديثاً عن قصيدة «لا تدخل بهدوء في ذلك الليل اللذيذ» لـ»ديلان توماس»، يقول فيلبس في مقاله، إنه يتذكر أثر قراءة تلك القصيدة أو سماعها عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، حيث ظن وقتها أنها قصيدة عن الخروج ليلاً، وهو الشيء الذي أحبه وكان ينتظر الوقت «العمر» التي يتاح له فيها الخروج ليلاً، غير لاحقاً تعلم ما تعنيه هذه القصيدة.. وكانت تتحدث عن «الموت»..!!! نعم، نتيجة صادمة أخرى إزاء قصيدة أخرى في زمن آخر.!!! والسؤال العريض الذي بات يفرض نفسه هنا.. لماذا يحدث هذا؟!! لماذا يتغير فهمنا للقصائد والكتب والقصص والأفلام في كل مراحل لاحقة لقراءتنا الأولى أو مشاهداتنا الأولى؟!!
لا تتغير النصوص ولكن فهمنا الذي يتغير بتغير وعينا وعمق إدراكنا في كل مرة، فنحن لا نفهم النص الذي نقرأه وحسب، بل نفهمه في ضوء خبراتنا وتجاربنا ودائرة معارفنا المحدودة، وكلما اتسعت تلك الدوائر واحدة تلو الأخرى تجلى لنا المعنى الكامن في الكلمات أو خلقنا معاني أعمق فيها، نحن نلبس النص أحياناً ما لا يحتمل بفهمنا له وليس لأن النص حمل هذه المعاني.
* اختلاج النبض:
جميعنا نرتكب إثم فهم النصوص في مراحل زمنية مختلفة من حياتنا حسب درجات وعينا وتطوره، وسنعيد تكرار هذا الإثم عندما نرتقي فكرياً أكثر حتى على كاتب الكلمات نفسه في بعض الأحيان. ورغم أن الكتاب يختلفون في مسؤوليتهم تجاه القارئ في فهمه للنص، فبعضهم يعتقد بفشله عندما لا تصل فكرته للقارئ كما يجب، بينما يرى آخرون أن الكاتب مسؤول عن كتابة النص بجودة عالية ولكنه غير مسؤول عن الطريقة التي يفهم بها الكاتب النص. وبغض النظر عن المسؤولية يبقى إثم فهم النصوص قائماً ومثيراً للجدل حتى في النصوص السماوية.