في مقال أمس المعنون بـ»غطرسة التحول» استعرضنا مشكلة المتزوجين المثقفين/المتعلمين مع شركاء حياتهم ورفاقهم وزملائهم وكذلك مع أهلهم. وتساءلنا إن كان منشأ تلك المشكلات -التي تتلخص في ضعف/انعدام لغة التفاهم بين الطرفين- غطرسة التحول لدى المتعلمين الجدد من حملة الشهادات العليا أم من المجتمع نفسه الذي لا يشجع التطور ويمحق الارتقاء. من جهة أخرى علينا الوقوف على النظرة الاجتماعية التي تصم هؤلاء المثقفين/المتعلمين بأبشع الصفات في إنكار الجميل أو رده بالإساءة «النذالة»، من باب أن الداعمين الحقيقيين للفرد من هؤلاء، كانوا هم أكثر المهددين في بقائهم في حياته أو في استمرارهم معه على نحو من الانسجام يعوض الدعم ويكافئ التضحية.

برأيي، فإن ترجع مسألة تبدل التفضيلات في الحياة؛ «بما يشمل الزوج/الزوجة، والأصدقاء، والأهل»، إلى تبدل مستويات الوعي، وإذا ما وقفت على أغلب تلك الحالات التي أخبرتكم عنها بالأمس، لوجدت أن الزوج قد تقدم علمياً وانشغل عن بيته لسنوات بالدراسات العليا، بينما بقيت الزوجة على مستواها الأكاديمي منذ بداية زواجها لتعوض غياب الزوج عن البيت، والعكس صحيح. وعندما يحاول الرجل لاحقاً العودة لبيته وزوجته يجد أن كل شيء تغير، وأن المرأة لا تفهمه ونظام البيت لا يوفر له الأجواء التي يتطلع إليها. في حقيقة الأمر، هو من تغير، هو من انتقل إلى مرحلة أخرى من الوعي جعلت من تفضيلاته السابقة غير ذات قيمة، فاختار بعض الرجال من هؤلاء التململ، بينما قرر البعض البحث عن زوجة أو عشيقة تعوض هذا النقص في البيت. واختارت النساء من هؤلاء الانفصال عن أزواجهن أو تهميش أدوارهم في البيت وكأنها تعيش حياة مستقلة ومنفصلة عنه. وينطبق الحال كذلك الحال على العلاقات مع الأهل والأصدقاء.

هؤلاء المثقفين/المتعلمين، برغم ما يصمهم به المجتمع من صفات بعدم تقدير للتضحية أو بـ»النذالة» إلاَّ أنهم في كثير من الأحيان يعانون بالفعل، وأن ما يتحدثون عنه أو ما يمارسونه إنما يشكل أزمة حقيقية بالنسبة لهم، وليس نوع من التنصل من الأصول أو الانسلاخ من الجلد. يقول البعض أن هؤلاء بدأوا رحلة البحث عن آخرين يرافقوهم رحلة التطور، هذا صحيح وإن أسبغ على ذلك التشخيص نوع من التجريم قاصر الفهم.

* اختلاج النبض:

رسالتي لـ«المثقفين/المتعلمين»، أو المقبلين على تلك المرحلة: مشكلة من حولك ليست في عدم فهمك ولا في إنقاص تقديرك، بل مشكلتهم أنهم بقوا على حالهم بينما تتطور أنت، بدافع التضحية أو اللامبالاة أو الجهل أو ربما اختلاف الاهتمامات في الحياة. هم لم يتغيروا في حقيقة الأمر، بل أنت من تغير وربما جذرياً. لذلك، فإنه في مرحلة تطور الوعي لدينا، علينا أن نختار أحد أمرين؛ إما التضحية ببعض من حولنا -وذلك خيار مؤلم ومجحف ولا يخلو من «نذالة» اجتماعية- وإما أخذهم بطريقة أو بأخرى في رحلة تطور وعينا، ولو من خلال مشاركتهم الحد الأدنى من تطورنا الجديد.