إن كنا سنواصل الحديث عن البشر وأنماطهم وسلوكياتهم، فإن هناك تصنيفات معنية بأول ما يتبادر للذهن بشأن تفصيل حالات الناس، وأعني هنا الحالة العقلية.

قد يجد بعضكم أن تصنيف هذه الحالة سهل جداً، فإما يكون لدينا شخص عاقل، أو نقيضه، أي مجنون، بيد أن الذهاب أبعد في توصيف الحالة العقلية، هو ما يدخلنا في تفاصيل أدق لهذا التصنيف، تتعدى الوضع الفسيولوجي، وتدخل في الوضع السيكولوجي.

لنبسط ونفسر هنا، إذ كما قلنا فسيولوجياً، لدينا عقل واتزان، ولدينا جنون واضطراب، أو سيكولوجياً، فلدينا عقول «ذكية» وعقول «غبية»، مع شديد الاحترام للقارئ لذكر وصف «الغباء»، رغم أنه صفة موجودة في البشر، باختلاف التصانيف والدرجات والأنواع، والمؤشرات الدالة عليه.

بالتالي هناك ثلاثة أنواع وليس إثنان، إذ مع الأذكياء والأغبياء، هناك فئة المجانين، والأخيرة هي ما تحكمها غالباً الحالة الفسيولوجية عبر خلل جيني أو خلقي أو تعرض لصدمات وما شابه من أمور تقود للجنون، في حين هناك جنون «مجازي» يرتبط بالتصرفات التي تجعل البشر يحكمون على شخص ما بأنه «مجنون»، رغم أنه سليم العقل.

الغباء مشكلة كبيرة، وأذكر ذات مرة أنني كتبت بأن العمل مع نماذج تمتاز بهذه الصفة «المزعجة» قد يسبب لك «جلطات» و»ضيق صدر» و»كراهية» لمحيط العمل، لأن اللغة المشتركة مع الأغبياء تكون مفقودة تماماً، فيعاني بالتالي معهم من يمتازون بالذكاء. بل المضحك حينما «تنقلب» النظرة بشكل «هزلي سوداوي» بحيث ينظر الأغبياء للأذكياء على اعتبار أنهم «مجانين»!

يقول عالم الفيزياء النظرية وعلم الكون الشهير «ستيفن هوكينغ» بأن «الأذكياء يبدون مجانين في أعين الأغبياء»، ولهذا القول تفسير أجده مناسباً، عبر عنه الفيلسوف وعالم المنطق البريطاني «برتراند آرثر ويليام راسل» بقوله: «ما يستنتجه الأغبياء من كلام الأذكياء هو دائماً أبعد ما يكون عن الدقة، ذلك لأن الغبي يترجم دون وعي ما يسمعه إلى ما باستطاعته أن يفهمه».

بالتالي هي عملية أشبه ما تذكرنا بعنوان أحد الأفلام الأمريكية المعروفة وعنوانه المعرب «تائه في الترجمة»، بحيث تجد أنك تتعامل مع أناس لا يفقهون «لغتك» رغم أنكما تتحدثان نفس اللغة!

مشكلة الناس الأذكياء تكمن في محاولة الوصول لأرضية تفاهم مع الشخصيات الأخرى، بالأخص الشريحة التي لم تستوعب وجود مشكلة حقيقية لديها، وأعني بها الغباء الناتج عن قلة دراية وضعف اطلاع، أو سوء تعليم، أو فشل في الاستفادة من التجارب والخبرات الخاصة، سواء على الجانب المهني أو الاجتماعي، بما يجعل هذه العقول «تنضج».

الأذكياء يجدون أنفسهم في أوساط تعج بالعقول الذكية، هنا تجد اللغة مشتركة، وقواسم النجاح موجودة لدى هذه الشريحة، بل هناك تكاملية متبادلة في عملية بناء الأفكار ومنظومات العمل، وعليه يقال دائماً عند الإنجليز بأن «الذكاء هو أن تجعل الأذكياء يعملون لديك»!

في السابق كان الشائع استخدام الاختبارات «السايكوميترية» لقياس قدرات الأشخاص عند تقدمهم لوظيفة ما، أو نقلهم لمواقع معينة، أو منحهم مسؤوليات ما، لكن اليوم بدأ البعض يتجه لتطبيق اختبارات «الذكاء» والتي تقيس منحنى التطور العقلي والمعرفي لدى الأفراد، لأن أخطر ما يكون هو وضع شخص غبي في موقع مسؤولية، أو بأقل ضرر اختيار مجموعة لا تتسم بالذكاء في مواقع حساسة ويعول عليهم فعل أمور جبارة لا يقوم بها إلا «الأذكياء».

لذلك في مجتمعاتنا وحتى أوساطنا المهنية باتت عملية البحث والتقصي عن هذه النوعيات والشرائح مسألة ملحة وحتمية لكل من يريد إنجاح أية منظومة عمل، أو يطور عملاً ما، أو يحقق إنجازات غير مسبوقة وقوية، لأن الأذكياء هم الوقود المحرك لكل شيء، أما الأغبياء فهم مجموعة عصي دائماً ما تجدهم «منحشرين» داخل العجلة، بالتالي يعيقون أي تطور، في حين تبقى شريحة المجانين «الذهانيين» وأصحاب «الفذلكات» هم أخطر شريحة بين هذه الشرائح، لأن المفاجآت تكمن في خبايا تفاصيلهم، فإما تصيب وتحقق شيئاً خرافياً، أو تخيب فتحقق مصائب وكوارث خرافية أيضاً بمستواها وتأثيراتها.

فمن أي شريحة أنتم؟!