بعد قضاء عقوبة امتدت لثلاث سنوات، تم إطلاق سراح «فلان» الحرامي، بطل سطورنا هذا اليوم.
فلان «الحرامي» تخصص في السطو على البيوت لسرقة الأموال، وفي بعض المرات يتم إلقاء القبض عليه ويودع السجن لقضاء أحكام تصدر بحقه عقوبةً لجرائمه، وفي كل مرة يقضي مدة أقصر عن الحكم، وذلك لحسن سلوكه في السجن.
عموماً، فلان «الحرامي» أطلق سراحه في المرة الأخيرة، وسار بخطوات مثقلة ليجلس على أحد المقاهي القريبة من مكان سكنه، دخل المقهى وطلب كوب شاي، وأخذ يرتشف منه وعيناه زائغتان سارحتان، فاقترب منه «القهوجي» وسأله: فلان، مبروك الإفراج، لكن لماذا السرحان؟!
التفت له بهدوء، وعيناه مغرورقتان بالدموع، وقال: أخذتني أفكاري لبعيد، فنعم أنا «حرامي»، لكنني لست الحرامي الذي يستحق السجن!
هز «القهوجي» كتفيه لا مبالياً وتركه، لكن كلامه سمعه صحافي جالس على طاولة قريبة منه، فقام من مكانه وذهب ليجلس معه على نفس الطاولة. رمقه فلان «الحرامي» بنظرة متسائلة، فعاجله الصحافي بالحديث: عذراً لكن كلامك فجر لدي الفضول، فلقد اعترفت بأنك «حرامي»، لكنك قلت إن هناك «حراميا» آخر يستحق السجن وليس أنت، فهل يمكن لك أن تفسر لي هذا الكلام؟!
وقف فلان «الحرامي» من مكانه وهم بالانصراف، لكنّ شيئاً ما جعله يعود جالساً على الكرسي، ويقترب برأسه من الصحافي ويبدأ بالحديث: اسمعني جيداً، نعم قبض علي عدة مرات لأنني قمت بسرقة بعض البيوت، وكل ما سرقته كان عبارة عن حفنة أموال، لو جمعتها كلها لوجدتها مبلغاً ضئيلاً جداً، وسبب سرقتي كان لأنني سرحت من عملي، ولم أجد ما يدر علي المال لأكسب قوت يومي وأبنائي، وضاقت بي الدنيا بما رحبت، فلجأت لهذا الطريق الذي أعرف أنه «حرام»، وبين ما أحصل عليه من مال، وبين ما تقوم به الشؤون من كفالة لأبنائي حينما يقبض علي، كنت أبلع المرارة وأسكت، لأنني بلا حول ولا قوة، وأجبرتني ظروفي على سلك طريق خاطئ، لكنني رغم ما كنت أفعله، لم أسع في إيذاء البشر بسرقة كل ما لديهم أو الاعتداء عليهم.
سأله الصحافي: لم أفهم ما ترمي إليه، من هو «الحرامي» الذي يجب أن يسجن وليس أنت؟!
هنا وقف ليستعد للمغادرة، لكنه أكمل حديثه: من يستحق السجن هو «الحرامي» الذي يسرق الوطن، والذي يعذب أبناء الوطن، حينما يمارس عليهم الظلم والاستبداد، ويسعى في قطع أرزاقهم مثلما حصل لي. هو الحرامي الذي تجده يركب أفخم السيارات ويلبس أفضل الماركات بسبب موقعه ومنصبه، هذا المنصب الذي منحه القوة، فلم يسخرها لفعل الخير وخدمة وطنه والناس، بل سخره ليسرق من المال العام، وليفسد، وليستهتر، وليحول المكان وكأنه «عزبة خاصة»، هذا الحرامي الذي ربما توثق عليه الرقابة كثيراً من التجاوزات، لكنه يظل خارج القضبان، في حين يطبق علينا نحن القانون بصرامة لأننا سرقنا لحاجة ماسة، سرقنا فتات وأموراً لا تكاد تذكر، بينما سارق الأموال الغفيرة، المتمصلح على حساب ضميره، وبسبب خيانته لثقة وطنه، وبسبب دهسه على مصالح الناس، هذا تراه طليقاً يسرح ويمرح. هذا الحرامي هو من سلبني وظيفتي، وحاربني في رزقي، فقط لأنني كنت أقف في وجهه ضده فساده! مشى خطوتين، ثم التفت للصحافي وقال: لن تجد «لصاً» صغيراً يسرق لو قبضت العدالة على «كبار اللصوص»، لأنه حينها لن تجد فساداً ولا سرقات ولا ظلماً، بل ستجد عدالة، وحياة وفرصاً أفضل للناس، وعليه لن يسعى أحد للسرقة، إلا في حالات بسيطة، وهؤلاء شواذ على القاعدة. نعم سرقت فسجنوني، وأنا قابل بذلك، لكن من سرق أكثر بمرات ومرات، ألا يستحق أقلها التوقيف للتحقيق؟! ما أوجعه من زمن، إن كان اللص بنفسه يبحث عن العدالة!!
ملاحظة: هذه قصة خيالية من «هلاوس» أفكاري، ولا تمت للواقع بصلة، ولربما كانت نتيجة «كابوس» حلمت به، مفاده بأن كل سارق للمال العام، مستهتر بإدارة البشر تمت محاسبته ومساءلته، وحولناه لعبرة لمن تسول له نفسه. لكنني صحوت مثقلاً بخيبة أمل، فكثيراً منهم مازالوا هناك في الخارج.
فلان «الحرامي» تخصص في السطو على البيوت لسرقة الأموال، وفي بعض المرات يتم إلقاء القبض عليه ويودع السجن لقضاء أحكام تصدر بحقه عقوبةً لجرائمه، وفي كل مرة يقضي مدة أقصر عن الحكم، وذلك لحسن سلوكه في السجن.
عموماً، فلان «الحرامي» أطلق سراحه في المرة الأخيرة، وسار بخطوات مثقلة ليجلس على أحد المقاهي القريبة من مكان سكنه، دخل المقهى وطلب كوب شاي، وأخذ يرتشف منه وعيناه زائغتان سارحتان، فاقترب منه «القهوجي» وسأله: فلان، مبروك الإفراج، لكن لماذا السرحان؟!
التفت له بهدوء، وعيناه مغرورقتان بالدموع، وقال: أخذتني أفكاري لبعيد، فنعم أنا «حرامي»، لكنني لست الحرامي الذي يستحق السجن!
هز «القهوجي» كتفيه لا مبالياً وتركه، لكن كلامه سمعه صحافي جالس على طاولة قريبة منه، فقام من مكانه وذهب ليجلس معه على نفس الطاولة. رمقه فلان «الحرامي» بنظرة متسائلة، فعاجله الصحافي بالحديث: عذراً لكن كلامك فجر لدي الفضول، فلقد اعترفت بأنك «حرامي»، لكنك قلت إن هناك «حراميا» آخر يستحق السجن وليس أنت، فهل يمكن لك أن تفسر لي هذا الكلام؟!
وقف فلان «الحرامي» من مكانه وهم بالانصراف، لكنّ شيئاً ما جعله يعود جالساً على الكرسي، ويقترب برأسه من الصحافي ويبدأ بالحديث: اسمعني جيداً، نعم قبض علي عدة مرات لأنني قمت بسرقة بعض البيوت، وكل ما سرقته كان عبارة عن حفنة أموال، لو جمعتها كلها لوجدتها مبلغاً ضئيلاً جداً، وسبب سرقتي كان لأنني سرحت من عملي، ولم أجد ما يدر علي المال لأكسب قوت يومي وأبنائي، وضاقت بي الدنيا بما رحبت، فلجأت لهذا الطريق الذي أعرف أنه «حرام»، وبين ما أحصل عليه من مال، وبين ما تقوم به الشؤون من كفالة لأبنائي حينما يقبض علي، كنت أبلع المرارة وأسكت، لأنني بلا حول ولا قوة، وأجبرتني ظروفي على سلك طريق خاطئ، لكنني رغم ما كنت أفعله، لم أسع في إيذاء البشر بسرقة كل ما لديهم أو الاعتداء عليهم.
سأله الصحافي: لم أفهم ما ترمي إليه، من هو «الحرامي» الذي يجب أن يسجن وليس أنت؟!
هنا وقف ليستعد للمغادرة، لكنه أكمل حديثه: من يستحق السجن هو «الحرامي» الذي يسرق الوطن، والذي يعذب أبناء الوطن، حينما يمارس عليهم الظلم والاستبداد، ويسعى في قطع أرزاقهم مثلما حصل لي. هو الحرامي الذي تجده يركب أفخم السيارات ويلبس أفضل الماركات بسبب موقعه ومنصبه، هذا المنصب الذي منحه القوة، فلم يسخرها لفعل الخير وخدمة وطنه والناس، بل سخره ليسرق من المال العام، وليفسد، وليستهتر، وليحول المكان وكأنه «عزبة خاصة»، هذا الحرامي الذي ربما توثق عليه الرقابة كثيراً من التجاوزات، لكنه يظل خارج القضبان، في حين يطبق علينا نحن القانون بصرامة لأننا سرقنا لحاجة ماسة، سرقنا فتات وأموراً لا تكاد تذكر، بينما سارق الأموال الغفيرة، المتمصلح على حساب ضميره، وبسبب خيانته لثقة وطنه، وبسبب دهسه على مصالح الناس، هذا تراه طليقاً يسرح ويمرح. هذا الحرامي هو من سلبني وظيفتي، وحاربني في رزقي، فقط لأنني كنت أقف في وجهه ضده فساده! مشى خطوتين، ثم التفت للصحافي وقال: لن تجد «لصاً» صغيراً يسرق لو قبضت العدالة على «كبار اللصوص»، لأنه حينها لن تجد فساداً ولا سرقات ولا ظلماً، بل ستجد عدالة، وحياة وفرصاً أفضل للناس، وعليه لن يسعى أحد للسرقة، إلا في حالات بسيطة، وهؤلاء شواذ على القاعدة. نعم سرقت فسجنوني، وأنا قابل بذلك، لكن من سرق أكثر بمرات ومرات، ألا يستحق أقلها التوقيف للتحقيق؟! ما أوجعه من زمن، إن كان اللص بنفسه يبحث عن العدالة!!
ملاحظة: هذه قصة خيالية من «هلاوس» أفكاري، ولا تمت للواقع بصلة، ولربما كانت نتيجة «كابوس» حلمت به، مفاده بأن كل سارق للمال العام، مستهتر بإدارة البشر تمت محاسبته ومساءلته، وحولناه لعبرة لمن تسول له نفسه. لكنني صحوت مثقلاً بخيبة أمل، فكثيراً منهم مازالوا هناك في الخارج.