حاولت عصر عقلي ساعياً لتذكر أين سمعت هذه الجملة! وبصراحة لم أنجح، لكنني أذكر أنني حين سمعتها، أي «الرزق قد يأتيك أحياناً على هيئة إنسان» جلست أبحث عن شواهد ومقاربات ومواقف تثبت لي صحة هذه المقولة.

بصراحة شديدة، وجدت لهذه الجملة شواهد عديدة، ووجدت لها إثباتات كثيرة، ولعلنا كنا نظن لفترة طويلة أن الرزق «فقط» يأتي من الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر صحيح وثابت لا جدال فيه، فهو الرازق وهو من يوزع الأرزاق، لكنه أيضاً من يسخر البشر لخدمة البشر، وهو الذي قال عن الإنسان الذي إن أحبه الله، فإنه يكتب له محبة الناس والقبول في الأرض والسماء، بحيث تفتح له الأبواب بإرادة الله، ومن خلال «أسبابه» والتي قد تكون على هيئة بشر مثله.

أسترجع شريطاً طويلاً من الذكريات، قد يمر علي في غمضة عين، لكن فيه محطات تثبت لي أن «الرزق» بالفعل جاء على هيئة بشر، جاء من خلال إنسان ما، في مواقف معينة، وفي مفاصل ومنعطفات في هذه الحياة.

قد تمرُّ بأوضاع صعبة، قد تيأسُ من الواقع، قد لا تجدُ بارقةَ أمل، لكن فجأة تجد الحلول كلها من خلال إنسان، من خلال شخص تجده بمثابة «استجابة» لدعاء وجهته لله ويدك مرفوعة له، فإذا بإنسان يفتح لك الأبواب، ويمد يده بالعون، وقد يكون سبباً لتدخل أطواراً جديدة في الحياة، سواء على الصعيد الاجتماعي وحتى المهني، فيكتب الله لك التوفيق والنجاح، ويكون هذا الرزق الذي جاءك من خلال هذا الشخص.

حتى أنت كإنسان لو بحثت في شريط حياتك لربما تكون لعبت دوراً مشابهاً، لربما كنت أنت «الرزق» الذي تحقق لإنسان غيرك بسببك، بسبب موقف ما، أو مساعدة معينة، أو معونة، أو حتى بسبب فتحك لأبواب لهذا الشخص، أو منحه ثقة معينة، أو تقديم فرصة عمل له، نعم قد تكون أنت أيضاً بمثابة «الرزق» لغيرك.

لذلك كتبت هنا سابقاً بأن «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، خاصة أولئك الأشخاص الذين يسعون بالخير لمن يستحقون من الناس، لمن يساعدون كل شخص في ضائقة، لمن يمنحون الفرصة لمن يستحقها، لمن يهبون ليكونوا سنداً وعوناً للغير.

هؤلاء هم «مفاتيح للخير»، ويصدف أيضاً أنني كتبت ذات مرة هنا عن هؤلاء، وعن نقيضهم ممنْ يقفون في الواجهة المعاكسة لهم، وممن يصح وصفهم بـ»مغاليق للخير ومفاتيح للشر»، إذ مثلما يمكن أن تجد أشخاصاً يأتي من ورائهم «الرزق» ويأتي من ورائهم الخير، فهناك أشخاص هم «الشر» بعينه، هم من يسعون في الأرض للإضرار بالناس، هم من يغلقون كل الأبواب لأجل متعة سادية مريضة عبر رؤيتهم للناس وهم يعانون، هم من قد تجدهم في الأعمال يسعون لظلم الناس وسلب حقوقهم وإيقاع الأذى بهم، وهم من تراهم في المجتمع يهدمون ولا يبنون، يضرون البشر ولا يسعون لهم بالخير، أو أقلها يكفون أذاهم عنهم.

لذلك حينما تجد «الرزق» يأتيك على هيئة إنسان، فاعلم بأن هذه الدنيا مازالت تحمل الخير، ممثلاً بأناس قمم في أخلاقهم الراقية، كبار في إنسانيتهم وذوي شهامة في مساعدة الآخرين. هؤلاء هم من ترفع لهم القبعات وتنحني لهم الأعناق شكراً، فهم «أسباب» سخرها الله عز وجل لمساعدة البشر، وكم هو عظيم أن تكون شخصاً في خدمة الناس.