من الآخر وزبدة الكلام سنتضطر لمنع الناس من الخروج من منازلهم بقوة القانون أي بفرض حظر التجول، رغم محاولات الدولة تجنب هذا القرار واستباق المنحنى بخطوة كما يقال، ورغم أننا لم نصل إلى الذروة بعد، والأمور طيبة إلى الآن، إنما سنضطر ليس لأن الحالة خطيرة.. بل لأن التزام الجميع بالتعليمات والبقاء في البيت اتكالاً على مجرد «الوعي» مستحيل.. مستحيل.. مستحيل خاصة مع مرور الوقت.

رغم جهود الدولة الجبارة والمحكمة والتي يشهد بكفاءتها العالم كله من أجل محاولة السيطرة على انتشار الفايروس محلياً، إلا أن كمية الاستهتار والجهل عند مجموعات من الناس رغم قلتها ستهدد جهود الدولة وتبعثرها إن استمرت على هذا المنوال.

لم تبقَ وسيلة لم تتبع من أجل إقناع «مجموعات» لم تقتنع ولن تقتنع مهما حاولت، فلن تفهم، ولن تقدر، ولن تتحمل المسؤولية، وستفعل ما تريد، لا ينفع معها تهديد ولا وعيد ولا نصيحة ولا استعطاف.

«أغاني غنيتوا لهم، صور صورتوا لهم، أمثلة ونماذج مخيفة لنتائج الاستهتار وصلتوا لهم، رسوم توضيحية رسمتوا لهم..» لم يفهموا ولن يفهموا، استجداء أقرب إلى التوسل من الجميع من الوزراء ومن المسؤولين ومن الأطباء ومن المرضى ومن المؤثرين ومن الإعلاميين ومن الفنانيين ومن الخطباء والعلماء جميعهم توسلوا لهم أن يجلسوا في البيت، ولم يؤثر ذلك كله، آيات قرآنية، أحاديث نبوية، قصص وعبر من التاريخ.. ولم يتعظوا.

نبهتموهم بخطورة المرحلة، منعتم أطفالهم ونسبة كبيرة من الموظفين من الدوام، الشرطة صورت رسائل مؤثرة تقول لهم إني خرجت من منزلي مضطراً من أجلك أرجوك أتوسل إليك الله يرحم والديك ابق في المنزل من أجلي، ولم ينفع.

على فرض نجحنا في إقناع 90% من الشعب البحريني بالالتزام بالتعليمات والبقاء في البيت وعدم التجمع، رغم أن ذلك مستحيل ولكن سنضع هذا الاحتمال بأن الغالبية العظمى من البحرينيين على درجة من الوعي والمسؤولية والتزموا في منازلهم، المشكلة في 10% - وهي نسبة افتراضية متفائلة رغم قلتها- إنما بإمكانها أن تقودنا جميعاً للهلاك، لو كانوا من المخالطين الذين لم يحاصروا ويرصدوا.

عملية محاصرة «المخالطين» وتتبعهم مرهقة جداً جداً للأجهزة الحكومية، ومكلفة أيضاً، الشخص الواحد المصاب وغير المسؤول مادام يتحرك فإنه يخلق دائرة اتصال بالمئات، من أهل ومن أصدقاء ومن زملاء عمل ومن مراجعين ومن متسوقين، تبحث عنهم تلح عليهم تلاحقهم بفرق تعمل على مدار الساعة من أجل فحصهم واتخاذ إجراءات العزل أو الحجر عليهم إن تطلب الأمر، وتخيل كل واحد من هؤلاء خلق دائرة اتصال مثلها، إنك تتحدث عن دوائر متصلة تصل للمئات وربما للآلاف.

إلى الآن أنتم مشكورون تضبطون الحصار على المصابين والمخالطين وبجهود خارقة، إنما إلى متى؟ إنه استنزاف للجهود التي يجب أن تركز في المعالجة والحماية.

أحد المسؤولين في منظمة الصحة العالمية يقول إن ثمن التأخر في اتخاذ القرارات الحاسمة أو التردد فيها خوفاً من الخطأ يبلغ أضعاف ثمن اتخاذ قرار خاطئ.

الصين لم تنجح إلا بعد أن فرضت الحظر، روسيا أصدر بوتن بياناً من ثماني كلمات فقط وانتهى بيانه، «اجلس في بيتك أسبوعين أو ستحبس خمس سنوات» والروس يعرفون بوتن (إذا حجى).

الفريق الصيني قال للإيطاليين لم ننجح إلا بعد حظر التجول، وهذا الفرق بيننا وبينكم.

دوائر المخالطين ستتسع إن اعتقدتم أنكم ستلزمون جميع المواطنين والمقيمين والوافدين والزوار بالمكوث في البيت اختيارياً، فجماعة (ويه ملل خلنا نطلع) أو (جماعة يوه اشعليكم منهم الحافظ الله) أو جماعة (شهالمبالغه والتهويل ما فينا الا العافيه) أو العمالة الأجنبية التي تلاحقها من مكان إلى مكان كي لا تتجمع، سينتصرون علينا إن بقينا نرتجي وعيهم... لا قدر الله.