كثيرة هي النكات التي صار الناس يتبادلونها في هذه الفترة التي يتوعدهم فيها فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بالشر والويل والثبور ويفرض عليهم البقاء في مساكنهم وعدم الخروج منها إلا عند الضرورة. من ذلك أن العالم الإنجليزي الشهير إسحاق نيوتن دخل في عزلة لتفادي الطاعون الذي انتشر في بلاده في 1665 عندما كان في العشرينيات من عمره وخرج منها باختراعه حساب التفاضل والتكامل واكتشف قانون الجاذبية والحركة... «وأنت اعمل مثل نيوتن وخليك بالبيت.. ومسامحينك إذا ما اخترعت أي شي»!

هذه النكتة تختصر حالة السلبية التي يمتاز بها العرب والمسلمون اليوم، ويريد من ألفها أن يقول إن بإمكان الفرد – لو أراد – أن يستغل الوقت الذي صار لزاماً عليه أن يقضيه في البيت في عمل مفيد يعود نفعه عليه وعلى أسرته ومجتمعه بدلاً من أن يضيعه في ما لا ينفع و«يتحلطم» ويؤذي أهله.

ما يحدث حالياً هو أن الغالبية – إن لم يكن الجميع – يقضون يومهم وليلهم في النوم وفي متابعة أخبار المصابين بالفيروس والمتوفين بسببه عبر الفضائيات والشبكة العنكبوتية ويعيشون حالة قلق غير عادية بسبب توقعهم الانضمام إلى قائمة المصابين أو المتوفين في أي لحظة وتنتابهم الوساوس التي لها أول وليس لها آخر، ويغسلون أيديهم بالماء والصابون ومختلف أنواع المطهرات في كل دقيقة.

ولأن مثل هذا الوضع «يضيق الخلق» لذا فإن البعض يعمد إلى كسر الحظر الملزم به والخروج إلى حيث ينبغي ألا يخرج فيتسبب على نفسه أو يتسبب على الآخرين.

هذا الوضع الذي صار فيه الناس اليوم جديد عليهم وهو متعب دونما شك ولكن لا بد منه فليس من طريقة أخرى متوفرة حتى الآن يمكن بها حماية النفس والأهل والمجتمع من هذا الفيروس القاتل، خصوصاً وأن المعنيين يتحدثون عن الحاجة إلى مزيد من الوقت لإنتاج لقاح يمنعه من التمكن من البشر بل إن بعضهم قال إن الأمر قد يتطلب عاماً أو عاماً ونصف العام للتيقن من فعالية أي لقاح يتم التوصل إليه.

من الأمور التي ينبغي أن ينتبه إليها أولئك الذين ليس المطلوب منهم سوى المكوث في بيوتهم بغية احتواء الفيروس ومنع انتشاره هو أن الدولة تخسر في اليوم الواحد أموالاً كثيرة بسبب هذا الوضع، ولكن لأنه لا مفر من هذا فإنها تتحمل، فعطلت المدارس والجامعات وأعفت الكثيرين من إعطاء الجهد المطلوب منهم مقابل الراتب الذي يحصلون عليه بل واتخذت العديد من الإجراءات التي تخفف بها عن كاهل المواطنين مثل إعفائهم من فواتير الكهرباء والماء لمدة 3 أشهر وفرضت على البنوك تأجيل أقساط القروض لمدة 6 أشهر وغير هذا من إجراءات تخفف بها على المواطن وتحميه، وإجراءات تخفف بها على القطاع الخاص.

الحكومة والجهات المعنية بمحاصرة الفيروس والتقليل من آثاره التدميرية لا تريد من المواطنين أن يخرجوا من العزلة التي صار لا مفر منها كما خرج نيوتن من عزلته ونفع البشرية كلها، كل الذي تريده منهم هو البقاء في مساكنهم وعدم الخروج إلى الشارع إلا عند الضرورة بل عند الضرورة القصوى والتعاون مع الجهات المعنية والتبليغ عن أنفسهم أو عمن يشاركهم المسكن في حالة شعورهم بالإصابة بأعراض الفيروس التي صار الجميع يعرفها، إضافة إلى الهدوء. أما إذا تمكنوا من الاستفادة من وقتهم الطويل وقرروا ألا يضيع هدراً وفعلوا ما قد يعود عليهم وعلى أسرهم وربما المجتمع بالنفع فهذا أمر سيدون في سجلاتهم وسيعترف بـ «وطنيتهم».. وإن كانوا يكسبون هذه الصفة لمجرد بقائهم في مساكنهم والالتزام بالإرشادات والتعليمات التي تصدر عن الجهات المعنية خصوصاً وزارتي الصحة والداخلية.