بعض القوانين الجديدة بحاجة إلى أن تؤهل المجتمع وتعده لاستقبالها، فلا يسيء فهمها أو ينظر لها وكأنها جاءت ضده وضد مصالحه، فلا يشعر حتى بأهمية فوزها بجائزة دولية أو الإشادة بها من أي طرف خارجي.
فحين قرأنا أن وزارة الداخلية، ممثلة في إدارة الوقاية من الجريمة، أحرزت جائزة معهد ROI الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية لسنة 2019 عن برنامج (سامع)، كأحد أبرز برامج التأهيل والتدريب الذي تطبقه مملكة البحرين في مجال تنفيذ قانون العقوبات والتدابير البديلة، إذ أحرز البرنامج المركز الأول في فئة أفضل دراسة أثرا على المستوى الحكومي عالميًا، من بين مئات الدراسات المقدمة من 70 دولة مشاركة تساءلنا هل هذه البرامج وضعت لنيل الجوائز الدولية وهي لا تناسبنا ولا تتفق مع ما اعتدنا عليه؟
فلأول مرة يكون للمجتمع علاقة اتصال بالمحكومين من المساجين، من خلال ما يسمى «بالعقوبات البديلة»، أي أن يرى المجتمع المحكوم عليه بعقوبة السجن خارج مراكز التأهيل، حتى وهو يقضي بقية عقوبته لا من وراء الجدران بل بالاتصال المباشر.
فقد جرت العادة أن يحكم بالسجن على أي متهم بارتكاب جريمة تخالف القانون، وبهذا تتحقق العدالة لضحايا من ارتكب الجرم بحقهم، ومن ثم تنقطع صلة هذا المحكوم بالمجتمع، فلا يعلم عنه أحد إلى أن تنتهي مدة عقوبته، فيخرج للعالم ليبدأ صفحة جديدة.
إنما «العقوبات البديلة» تعيد المحكوم من جديد إلى المجتمع قبل أن ينهي تلك المدة. و في هذه الحالة يحتاج المجتمع أن يستوعب ويعي ويفهم ويقبل المشاركة والمساهمة في هذا البرنامج ويتقبله. يحتاج المجتمع إلى أن يثق بأن تلك العقوبة البديلة لن تخل بالعدالة، ولا بحقه الشخصي، إن كان أحد ضحايا أي من المحكومين. يحتاج إلى أن يفهم أن خروج المحكوم قبل نهاية مدته لن يشكل عليه خطرا، وأن الحق العام لن ينتقص ويتساوى فيه المحكوم مع بقية أفراد المجتمع الذين احترموا والتزموا بالقانون.
قد يكون البرنامج نافعاً لمصلحة المجتمع، قد يكون معلماً، ومؤدباً للمحكومين، أكثر من حبسهم. وقد يكون له قبول في المجتمعات الغربية، إنما لأن ذلك مفهوم جديد على ما اعتدنا عليه في مجتمعاتنا. فإنه من الضروري جدا الاهتمام بالترويج له محليا بشكل يفوق الحاجة للترويج له خارج حدودنا ونيل الجوائز الدولية عليه، و الحصول على الإشادة المحلية تفوق في أهميتها وإلحاحها من الحصول عليها من الخارج.
فالمحكومون سيحتكون بالمجتمع، إذ لا يقوم المتمتعون بالالتحاق ببرنامج العقوبات البديلة بتصنيع أسمدة خاصة من مخلفات الأشجار فقط على سبيل المثال، إنما أيضا بالإسهام في إنشاء سوق المزارعين بدعم من قبل مساهمين في القطاع الحكومي والأهلي، وكذلك يقومون بأعمال صباغة الأرصفة والمباني وتنظيف السواحل وأعمال زراعة وتشجير الحدائق والمناطق الزراعية والبستنة وتطوير المنشآت الرياضية وإزالة الإعلانات والملصقات المخالفة، فهل هذه المشاركات العامة لا تضر بالمجتمع؟ هل تحفظ حق الضحايا ولا تخل بمبدأ العدالة؟
وكذلك الملتحقون بهذا البرنامج، ممكن أن يقضوا بقية عقوبتهم في المنزل، فما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار هؤلاء المحكومين (المحظوظين)، أيضا بما لا يخل بمبدأ العدالة وحقوق الضحايا.
جميع هذه الأسئلة بحاجة إلى شرح تفصيلي حتى يلقى البرنامج تفهما واستيعابا وتقبلا، بل وربما نجد تعاونا من قبل الجميع، فلا يشعر أحد بأن حقه مهضوم، وبأن العدالة خذلته، أو إننا اتبعنا هذا البرنامج فقط للحصول على رضى الغرب و إشادته وتخفيف الضغط السياسي أحيانا لبعض المحكومين!
* ملاحظة مهمة:
لست ضد «العقوبات البديلة»، بل بالعكس نحن مسلمون ونضع الرحمة والعطف قبل أي مشاعر أخرى في النظر إلى الآخرين. إنما أنبه إلى أن المجتمع يحتاج إلى أن يفهمها أكثر؛ كي يضمن أنها لا تخل بالعدالة، وبحق الضحايا، وبالحق العام.
{{ article.visit_count }}
فحين قرأنا أن وزارة الداخلية، ممثلة في إدارة الوقاية من الجريمة، أحرزت جائزة معهد ROI الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية لسنة 2019 عن برنامج (سامع)، كأحد أبرز برامج التأهيل والتدريب الذي تطبقه مملكة البحرين في مجال تنفيذ قانون العقوبات والتدابير البديلة، إذ أحرز البرنامج المركز الأول في فئة أفضل دراسة أثرا على المستوى الحكومي عالميًا، من بين مئات الدراسات المقدمة من 70 دولة مشاركة تساءلنا هل هذه البرامج وضعت لنيل الجوائز الدولية وهي لا تناسبنا ولا تتفق مع ما اعتدنا عليه؟
فلأول مرة يكون للمجتمع علاقة اتصال بالمحكومين من المساجين، من خلال ما يسمى «بالعقوبات البديلة»، أي أن يرى المجتمع المحكوم عليه بعقوبة السجن خارج مراكز التأهيل، حتى وهو يقضي بقية عقوبته لا من وراء الجدران بل بالاتصال المباشر.
فقد جرت العادة أن يحكم بالسجن على أي متهم بارتكاب جريمة تخالف القانون، وبهذا تتحقق العدالة لضحايا من ارتكب الجرم بحقهم، ومن ثم تنقطع صلة هذا المحكوم بالمجتمع، فلا يعلم عنه أحد إلى أن تنتهي مدة عقوبته، فيخرج للعالم ليبدأ صفحة جديدة.
إنما «العقوبات البديلة» تعيد المحكوم من جديد إلى المجتمع قبل أن ينهي تلك المدة. و في هذه الحالة يحتاج المجتمع أن يستوعب ويعي ويفهم ويقبل المشاركة والمساهمة في هذا البرنامج ويتقبله. يحتاج المجتمع إلى أن يثق بأن تلك العقوبة البديلة لن تخل بالعدالة، ولا بحقه الشخصي، إن كان أحد ضحايا أي من المحكومين. يحتاج إلى أن يفهم أن خروج المحكوم قبل نهاية مدته لن يشكل عليه خطرا، وأن الحق العام لن ينتقص ويتساوى فيه المحكوم مع بقية أفراد المجتمع الذين احترموا والتزموا بالقانون.
قد يكون البرنامج نافعاً لمصلحة المجتمع، قد يكون معلماً، ومؤدباً للمحكومين، أكثر من حبسهم. وقد يكون له قبول في المجتمعات الغربية، إنما لأن ذلك مفهوم جديد على ما اعتدنا عليه في مجتمعاتنا. فإنه من الضروري جدا الاهتمام بالترويج له محليا بشكل يفوق الحاجة للترويج له خارج حدودنا ونيل الجوائز الدولية عليه، و الحصول على الإشادة المحلية تفوق في أهميتها وإلحاحها من الحصول عليها من الخارج.
فالمحكومون سيحتكون بالمجتمع، إذ لا يقوم المتمتعون بالالتحاق ببرنامج العقوبات البديلة بتصنيع أسمدة خاصة من مخلفات الأشجار فقط على سبيل المثال، إنما أيضا بالإسهام في إنشاء سوق المزارعين بدعم من قبل مساهمين في القطاع الحكومي والأهلي، وكذلك يقومون بأعمال صباغة الأرصفة والمباني وتنظيف السواحل وأعمال زراعة وتشجير الحدائق والمناطق الزراعية والبستنة وتطوير المنشآت الرياضية وإزالة الإعلانات والملصقات المخالفة، فهل هذه المشاركات العامة لا تضر بالمجتمع؟ هل تحفظ حق الضحايا ولا تخل بمبدأ العدالة؟
وكذلك الملتحقون بهذا البرنامج، ممكن أن يقضوا بقية عقوبتهم في المنزل، فما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار هؤلاء المحكومين (المحظوظين)، أيضا بما لا يخل بمبدأ العدالة وحقوق الضحايا.
جميع هذه الأسئلة بحاجة إلى شرح تفصيلي حتى يلقى البرنامج تفهما واستيعابا وتقبلا، بل وربما نجد تعاونا من قبل الجميع، فلا يشعر أحد بأن حقه مهضوم، وبأن العدالة خذلته، أو إننا اتبعنا هذا البرنامج فقط للحصول على رضى الغرب و إشادته وتخفيف الضغط السياسي أحيانا لبعض المحكومين!
* ملاحظة مهمة:
لست ضد «العقوبات البديلة»، بل بالعكس نحن مسلمون ونضع الرحمة والعطف قبل أي مشاعر أخرى في النظر إلى الآخرين. إنما أنبه إلى أن المجتمع يحتاج إلى أن يفهمها أكثر؛ كي يضمن أنها لا تخل بالعدالة، وبحق الضحايا، وبالحق العام.