تحدثت مؤخراً مع أحد زملائي الذين تعرفت عليهم قبل ثمانية أعوام في دراسة الماجستير وهو من دولة في قارة أمريكا الوسطى، ومن ضمن المواضيع التي طرقناها وعلى رأسها طبعاً «كورونا» و «قيود الحياة البشرية» بسببها، موضوع معني بدولته تحديداً وما يحصل فيها حالياً من فوضى مرتبطة بالفساد الإداري والمالي.

زميلي في السابق كان يتفاخر بالموارد الطبيعية في دولته، وما تحققه من عوائد مالية ضخمة، لكن حديثه معي مؤخراً كان مختلفاً جداً، كان الإحباط يتسيده، وكان الغضب متأصلاً فيه، فما الذي حصل؟!

يقول بأن المشكلة بدأت عندما زادت عائدات الصادرات مما تنتجه دولته من مختلف المنتجات، الوضع كان يبدو ممتازاً للناس، والحياة فيها من التفاؤل الكثير، وكان لسان حال البعض يقول بأن مؤشرات السعادة طالما هي مرتفعة هكذا، فإن تغيير الحال إلى الأسوأ ضرب من المستحيل.

لكن المستحيل حصل، أليس كذلك؟! كان هذا سؤالي، فعاد ليقول: نعم، المشكلة بدأت عندما زادت الأموال والمكاسب وتحسن دخل البلد وبدأ الناس يتفاءلون أكثر وأكثر، هنا كانت الكارثة حينما طغت أطماع بعض المسؤولين ممن يتولون مسؤولية مواقع حيوية وحساسة، خاصة تلك المواقع التي تعتبر «أنابيبا» لحركة الأموال وتجميعها.

هنا الأطماع الشخصية قادت لتدمير قطاعات عديدة في الدولة، بدأت المؤشرات تسير بالعكس، بدأت المصروفات تزيد، بدأت الأموال تتبعثر في أوجه عديدة بلا نسق منطقي إطلاقاً، وبدأت مؤشرات الرضا الإداري لدى الموظفين تتدنى، فكثير من المسؤولين تغيرت أساليب إدارتهم، فبدوا وكأنهم أشخاص آخرين، سادت الأحادية في القرارات، برزت الديكتاتورية وصناعة الشللية واللوبيات، وسجلت حالات من ظلم الموظفين بشكل فج وواضح، وتم رصد حالات من تغيير الأحوال بشكل غير منطقي!

حينها تزايد الحديث بشأن وجود شبهات فساد وعمليات استهتار في المال العام، وحينما تحركت السلطات الأعلى لتبحث في الموضوع وجدوا بالفعل أن هناك فساد ووضع لليد على المال العام واستغلال المواقع للتكسب الشخصي و «الشللي»، وهو ما أدى لاختلال الميزان الاقتصادي وقاد بالبلد للتراجع بشكل رهيب.

ضج الناس وطالبوا بالمحاسبة وإقالة أي فاسد تطاول على المال العام وخان الثقة التي منحت له، هنا قفزت وأنا ممسك بسماعة التلفون لأقول لصديقي: وطبعاً هنا حلت المشكلة وأوقف هؤلاء عند حدهم وتمت إعادة الأموال والحقوق، أليس كذلك؟! ففاجأني وهو يقول: بل للأسف، اتضح بأن لدينا فساد، لكن ليس لدينا مفسدون!

* ملاحظة:

هذا واقع حصل فعلاً في إحدى الدول الغنية في أمريكا الوسطى، وكيف أن سوء الإدارة والفساد يمكنه أن يقود لانهيار مفاصل دولة كاملة، يدمر اقتصادها القوي، ويدفع أهلها المنعمون سابقاً للتفكير حتى بالهجرة والتحول لأيد عاملة رخيصة في دول أخرى.