* حكاية أولى:
قبل عدة أعوام أصدرت مؤسسة الفنون والآداب الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة قصائد وأغانٍ كتبها جنود أمريكان، حاربوا في أفغانستان والعراق، وتبنى البنتاغون المشروع وأرسل إلى أرض المعركة شعراء وأدباء لتعليم الجنود كيف يكتبون قصيدة أو أغنية. وقد نشر عدد من هؤلاء الجنود دواوين وقصائد مليئة بالغنائية والتأمل في الحياة والموت، ومن أشهرها قصيدة الجندي الأمريكي «برنار تيريز» بعنوان: «إنني هنا أيتها الرصاصة».
فما الذي يجعل رجلاً متقدماً في السّن وشبه أمي يحتفظ بدواوين الشعر مفرطاً في كتب التاريخ والاجتماع والسياسة والفلسفة والنقد الأدبي؟ وما الذي يجعل البنتاغون، وهو مصدّر الحروب بامتياز وموزعها على الأمكنة، يرسل شعراء يعلمون جنوده في أرض المعركة على كتابة الشعر، وليس على الفلسفة على سبيل المثال؟
* حكاية أخرى:
قبل سنوات وصلني خطاب من الوالد، رحمه الله، يقول فيه: «أرجو عمل ما يلزم لإخلاء الغرفة من الكتب الكثيرة، فأنا في أمسّ الحاجة للغرفة، وإذا لم تجد حلاًّ فإنني سأضطر إلى التخلص منها، عاجل».
وبعد عدة أشهر نفذ الوالد رحمة الله عليه، قراره وتخلص من الكتب بتوزيعها على الراغبين فيها، إلا أنه-احتفظ لنفسه، من بين هذه الكتب، بدواوين الشعر جميعها، بين قديم وحديث. وعندما سألته: لماذا احتفظت بهذه الكتب؟ رد من دون تردد:
إنها دواوين شعر لا يفرط فيها إنسان..!!
بين الحكاية الأولى والحكاية الثانية رابط واحد، وهو أن الشعر يظل القاسم المشترك بين البشر. يجتمعون حوله من دون خلاف كبير. كما أن ديناميكية الإبداع الشعري المتجددة على الدوام أفسدت إلى حد كبير إنجاز مهمة النقد الذي يقوم على القواعد والمعايير، على الرغم من ضخامة المنجز النقدي على المستوى التنظيري والتطبيقي بدءاً من حكمة أرسطو مروراً بكل الإنجازات العظيمة في تاريخ الأدب العربي «الجاحظ وقدامة بن جعفر-والجرجاني-وغيرهم»، وصولاً إلى كل ما حققته المدارس والمذاهب النقدية الحديثة والمعاصرة، ذلك لأن الإبداع الشعري عصي على المعيارية، فهو وهج دائم، وزخم هائل، دائم التجدد، على النقيض من آليات التقعيد والمعيارية في المجال النقدي.
* همس:
في المقهى الشمالي
جلست ذاك المساء وحيداً،
شاطرني النادل الصمت والنظرات الحزينة.
فتحت عينيَّ على وسعها،
مستنجداً بالكأس
وبفراشة الحرير النائمة.
أعانقها طفلة مسحورة
لحظة اغتسال المساء
كغيمة تمطر في قلبي.
ألقى النادل عليّ لامبالاةَ الضَّجِر
منه، حينذاك تخرجُ الحياةُ عديدةً كأذرع أخطبوط
تتلمسُ جمالاً في قبح اكتماله
ألفةُ كلماته تلهجُ بك!
لأقول:
فضاءات، وأذوي خلف فلسفتي
ماذا أقولُ؟
كيف أبوحُ؟
أأقطعُ دابرَ الصمت؟
أأنكحُ لغتي
لأجعلَ منكَ شاعراً مجنوناً
أنا لغته؟
{{ article.visit_count }}
قبل عدة أعوام أصدرت مؤسسة الفنون والآداب الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة قصائد وأغانٍ كتبها جنود أمريكان، حاربوا في أفغانستان والعراق، وتبنى البنتاغون المشروع وأرسل إلى أرض المعركة شعراء وأدباء لتعليم الجنود كيف يكتبون قصيدة أو أغنية. وقد نشر عدد من هؤلاء الجنود دواوين وقصائد مليئة بالغنائية والتأمل في الحياة والموت، ومن أشهرها قصيدة الجندي الأمريكي «برنار تيريز» بعنوان: «إنني هنا أيتها الرصاصة».
فما الذي يجعل رجلاً متقدماً في السّن وشبه أمي يحتفظ بدواوين الشعر مفرطاً في كتب التاريخ والاجتماع والسياسة والفلسفة والنقد الأدبي؟ وما الذي يجعل البنتاغون، وهو مصدّر الحروب بامتياز وموزعها على الأمكنة، يرسل شعراء يعلمون جنوده في أرض المعركة على كتابة الشعر، وليس على الفلسفة على سبيل المثال؟
* حكاية أخرى:
قبل سنوات وصلني خطاب من الوالد، رحمه الله، يقول فيه: «أرجو عمل ما يلزم لإخلاء الغرفة من الكتب الكثيرة، فأنا في أمسّ الحاجة للغرفة، وإذا لم تجد حلاًّ فإنني سأضطر إلى التخلص منها، عاجل».
وبعد عدة أشهر نفذ الوالد رحمة الله عليه، قراره وتخلص من الكتب بتوزيعها على الراغبين فيها، إلا أنه-احتفظ لنفسه، من بين هذه الكتب، بدواوين الشعر جميعها، بين قديم وحديث. وعندما سألته: لماذا احتفظت بهذه الكتب؟ رد من دون تردد:
إنها دواوين شعر لا يفرط فيها إنسان..!!
بين الحكاية الأولى والحكاية الثانية رابط واحد، وهو أن الشعر يظل القاسم المشترك بين البشر. يجتمعون حوله من دون خلاف كبير. كما أن ديناميكية الإبداع الشعري المتجددة على الدوام أفسدت إلى حد كبير إنجاز مهمة النقد الذي يقوم على القواعد والمعايير، على الرغم من ضخامة المنجز النقدي على المستوى التنظيري والتطبيقي بدءاً من حكمة أرسطو مروراً بكل الإنجازات العظيمة في تاريخ الأدب العربي «الجاحظ وقدامة بن جعفر-والجرجاني-وغيرهم»، وصولاً إلى كل ما حققته المدارس والمذاهب النقدية الحديثة والمعاصرة، ذلك لأن الإبداع الشعري عصي على المعيارية، فهو وهج دائم، وزخم هائل، دائم التجدد، على النقيض من آليات التقعيد والمعيارية في المجال النقدي.
* همس:
في المقهى الشمالي
جلست ذاك المساء وحيداً،
شاطرني النادل الصمت والنظرات الحزينة.
فتحت عينيَّ على وسعها،
مستنجداً بالكأس
وبفراشة الحرير النائمة.
أعانقها طفلة مسحورة
لحظة اغتسال المساء
كغيمة تمطر في قلبي.
ألقى النادل عليّ لامبالاةَ الضَّجِر
منه، حينذاك تخرجُ الحياةُ عديدةً كأذرع أخطبوط
تتلمسُ جمالاً في قبح اكتماله
ألفةُ كلماته تلهجُ بك!
لأقول:
فضاءات، وأذوي خلف فلسفتي
ماذا أقولُ؟
كيف أبوحُ؟
أأقطعُ دابرَ الصمت؟
أأنكحُ لغتي
لأجعلَ منكَ شاعراً مجنوناً
أنا لغته؟