دعك ممن اندفع مؤيداً أو بقي معترضاً على مبدأ الاتصال مع إسرائيل، فذلك قد فات أوانه بعد التوقيع أمس على الاتفاقية، الآن نحن في مرحلة ماذا بعد توقيع الاتفاقية؟ كيف يمكن أن نحقق القدر الأكبر والاستفادة القصوى من مصالحنا؟ فالعملية ليست استفادة من طرف واحد فقط، أي أننا لسنا في مرحلة لا حرب ولا عداء، بل سننتقل إلى مرحلة استفادة من إمكانات التعاون بين الطرفين في عدة مجالات، فما هي استعداداتنا والأهم وما هي رسالتنا للشعب الإسرائيلي؟

إذ يبدو أن الإسرائيليين استعدوا -كعادتهم- لهذا اليوم وبدؤوا بالاتصالات بالبحرينيين والإماراتيين على جميع المستويات منذ اليوم الأول للإعلان وقبل توقيع الاتفاقية، بدؤوا الاتصال بإعلاميين والاتصال بمسؤولين ووزراء مندفعين مبدين رغبتهم السريعة في التطبيع، في حين بقينا نحن -كعادتنا- أيضاً بلا استعداد أو تأهيل على جميع المستويات للمرحلة القادمة.

لست أدعو هنا إلى سرعة التطبيع أي سرعة الانتقال إلى المرحلة التالية، بل بالعكس أدعو إلى التأني والاتصال المدروس من جانب، إذ إن الاتصالات الإسرائيلية عملية منظمة وممنهجة تجري بشكل متناسق ومتفق عليه مع بعضهم البعض وليست عشوائية أو اجتهادات فردية، بمعنى أنه كان هناك إعداد مسبق وتوزيع مهام وأدوار ومن يتصل بمن، في حين ساد الإرباك عندنا وبدا واضحاً، أننا لا نملك أي معلومات عن هذا المجتمع تجعل عملية التواصل معه تعود بالنفع علينا وتنقل رسائلنا بوضوح إلى مجتمعهم.

قبل عام وتحديداً في فبرايرعام 2019 خاطب الأمير تركي الفيصل الشعب الإسرائيلي مباشرة عبر إحدى قنواتهم التلفزيونية وصور اللقاء في لندن، كان الأمير يريد أن ينقل رسالة مباشرة غير محرفة لموقف المملكة العربية السعودية من عملية السلام، فاختار المنصة التي سيخاطبهم من خلالها اختياراً مبنياً على مقارنة بين العديد من القنوات الإسرائيلية، وانتقى منهم القناة 13 مع الصحفي والمحلل السياسي باراك رافيد، الشاهد في الموضوع علينا أن نعرف من هم الذين نخاطبهم من الإسرائيليين؟ ما هي توجهاتهم؟ كيف نستفيد من التنوعات والتعددية داخل المجتمع الإسرائيلي وغيره من الترتيبات التي تخدم مصالح البحرين بالدرجة الأولى.

إننا ندخل على وضع جديد غير مسبوق ليس له بروتوكول محدد، بعد المنع جاءت الإجازة والاندفاع الإسرائيلي يمكن أن يربكنا إن لم نكن مستعدين لضبط هذا الإيقاع على جميع المستويات فنحن نجهل كثيراً عن هذا المجتمع عدا كونه عدواً متوحشاً لا نرى صوراً غير صور العنف عنه، واليوم نجد أنفسنا أمام استحقاقات السلام، إننا مجبرون على التعاطي المدني مع مؤسسات مدنية إسرائيلية من مراكز أبحاث وجامعات ووسائل إعلام وأحزاب وكنيست سيخاطب السلطة التشريعية وغير ذلك، ما يجبر الحكومة اليوم على تهيئة هذه الأجواء من خلال «خلية اتصال مركزية» تساعد البحرينيين في إجراء تواصل مدروس بين المؤسسات المدنية البحرينية والإسرائيلية بعضها البعض تقدم للبحرينيين المعلومات والخيارات المتاحة، بما يحقق مصالحنا، وبما ينقل صورة محترمة عن الشعب البحريني، وعدم ترك الأمر لاندفاع غير مدروس وغير محدد.

الدرس الأخير العلاقات المتبادلة ليست غاية بحد ذاتها، بل هي مجرد وسيلة لتحقيق غايات أبعد وأسمى، فإن لم نكن ندرك هذه الحقيقة فإننا سنكتفي بالاستماع والتفرج ونهلل فرحاً بالاتصال فقط!!